أفغانستان.. طالبان تنسحب وتدفع بعملية السلام نحو الهاوية

دعاء عبدالنبي
كتبت – دعاء عبدالنبي

رغم الاتفاق الذي أبرمته واشنطن مع حركة طالبان تمهيدًا لعملية السلام في أفغانستان، يتجه المشهد السياسي اليوم نحو التعقيد بعد تعليق المحادثات بشأن تبادل السجناء بين طالبان والحكومة الأفغانية والذي كان بندًا أساسيًا في الاتفاق، وسط اتهامات ومشاحنات قد تؤدي لمزيد من العنف وتهدد خطة انسحاب القوات الأمريكية التي أعلن عنها ترامب سابقًا، لتهدد فرصة الجميع بإنهاء حرب مستمرة منذ 18 عامًا.

أزمة تبادل الأسرى

بعد توقيع واشنطن اتفاقًا مع حركة طالبان أواخر فبراير الماضي، والذي بموجبه نص على أن تفرج الحكومة الأفغانية عن 5 آلاف سجين من طالبان، مقابل أن تفرج الحركة بدورها عن ألف سجين من القوات الحكومية.

وبعد محادثات الطرفين كابول، أملًا في وضع اللمسات النهائية على تبادل السجناء الذي كان مُقررًا في 10 مارس، أعلنت حركة طالبان وقف مشاركتها في محادثات وصفتها بـ”العقيمة” مع الحكومة الأفغانية بشأن تبادل السجناء الذي شكل بندًا أساسيًّا في اتفاقها مع الولايات المتحدة.

المتحدث السياسي باسم طالبان، سهيل شاهين، ألقى باللوم على إدارة الرئيس الأفغاني أشرف غني، في تأخير عملية إطلاق سراح السجناء معلنًا انسحاب فريقه من المحادثات.

على الجانب الآخر، أشار متين بيك، أحد أعضاء فريق التفاوض الحكومي، إلى تأخير الإفراج عن السجناء سببه أن طالبان تطالب بإطلاق 15 قياديًّا كبيرًا شاركوا في أعمال عنف خلال السنوات الأخيرة.

وأكد أن الحكومة الأفغانية مستعدة للإفراج عن 400 سجين غير قيادي من طالبان، كبادرة حسن نية مقابل خفض أعمال العنف، ولكن حركة طالبان رفضت العرض.

كانت واشنطن قد وقعت اتفاقًا مع طالبان يقضي بسحب قواتها والقوات الدولية من أفغانستان بحلول يوليو العام المقبل، شرط أن تبدأ طالبان بمحادثات مع كابول وأن تعطي ضمانات أخرى، ولكن انعكست أزمة تبادل السجناء على سير المفاوضات بشكل عام.

طالبان تنسحب

بعد ساعات من تعليق المحادثات بشأن عملية تبادل الأسرى مع الحكومة الأفغانية، أعلن سهيل شاهين المتحدث باسم حركة طالبان سحب مفاوضي الحركة من أفغانستان.

جاءت ذلك عبر تغريدة له على “تويتر” قال فيها: إن “التأخير المتعمد في الإفراج عن أسرانا يمثل خرقًا لاتفاق السلام، ولذلك سنعيد فريقنا الفني من كابول”.

وفي وقت سابق زعمت طالبان أنها قللت من هجماتها مقارنة بالعام الماضي وحذرت من أن استمرار انتهاكات اتفاق الدوحة من قبل الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية سيخلق “جوًّا من عدم الثقة” من شأنه “الإضرار بالاتفاقيات” و”زيادة مستوى القتال”.

بدوره، أوضح مدير مركز الباب للدراسات، جاسم القي، أن انهيار المحادثات بين الفرقاء الأفغان كان متوقعًا بسب غياب عامل الثقة بينها، لافتًا إلى أن الحكومة الأفغانية نفسها غير معنية بتنفيذ اتفاق تبادل الأسرى مع الحركة، لأنه سيقوي موقع طالبان في المشهد السياسي، والذي قد يفضي إلى أن تستلم زمام الأمور في البلاد، بديلاً عن الحكومة التي تعاني من الضعف – حسب وصفه.

وقد يؤدي قرار طالبان إلى حصول موجة جديدة من تصاعد العنف والذي سيؤدي بدوره إلى تهديد خطة انسحاب القوات الأمريكية، التي أعلن عنها في وقت سابق الرئيس دونالد ترامب.

وتعاني أفغانستان حربًا مستمرة، منذ أكتوبر 2001، حين أطاح تحالف عسكري دولي تقوده واشنطن، بحكم “طالبان”، لارتباطها بتنظيم “القاعدة”، الذي تبنى هجمات في الولايات المتحدة، يوم 11 سبتمبر من العام نفسه.

ويمثل الاتفاق الذي توصلت إليه الولايات المتحدة وطالبان في أواخر فبراير أفضل فرصة حتى الآن لوقف الحرب المستمرة منذ 18 عامًا في أفغانستان. وبموجب الاتفاق، ستنسحب القوات الدولية التي تقودها واشنطن مقابل ضمانات أمنية تقدمها طالبان، لكن السلام يتوقف على محادثات بين الحكومة الأفغانية وطالبان.

هل ستعود الحرب؟

تعثر المرحلة الثانية من اتفاق السلام سيؤثر بدوره على الوضع الميداني وعودة العنف والقتال مرة أخرة، ما يُنذر بدفع عملية السلام برمتها نحو شفير الهاوية، إذا استمر الوضع الراهن.

والحقيقة أن هذا الوضع لا يصب في مصلحة الحكومة الأفغانية الغارقة في أزماتها، ولا الولايات المتحدة الساعية لإخراج نفسها من المأزق الأفغاني، ولا حتى في صالح “طالبان” التي تواصل حربًا لا تعرف نهايتها.

وعندما اتهمت “طالبان” قبل أيام القوات الأمريكية والدولية والأفغانية بخرق التوافق، جاء الرد الأمريكي المتوقع احتوائه للأزمة، حيث أكدت القوات الدولية والأمريكية أن “طالبان” هي من تسبب بخرق التوافق؛ لأنها لم تخفض وتيرة العنف، ما دفع القوات الدولية إلى مساندة نظيرتها الأفغانية.

من جهته، قال المتحدث باسم مكتب مستشار الأمن القومي الأفغاني، جاويد فيصل، إن هجمات “طالبان” الأخيرة في زابل وبدخشان “لن تبقى بلا رد، ونحن مع حلفائنا نقوم بكل خطوة ممكنة ضدها”، متهمًا الحركة بالوقوف وراء أعمال العنف، وأن عليها أن تتخذ خطوات عملية باتجاه عملية السلام.

وفي ظل التصعيد والتهديد المتبادل بين الجانبين، مع تعليق الحوار بشأن تبادل السجناء والذي سيؤثر بدوره على تأجيل الحوار بين طالبان والحكومة الأفغانية لأجل غير معلوم، تصبح عملية السلام برمتها في مهب الريح. إلا أن عودة الجميع لطاولة الحوار يبقى خيارًا قائمًا فلا أحد قادر على إنهاء حرب مستمرة منذ 18 عامًا أرهقت الجميع وما زالت في إنهائها عسكريًّا.

ربما يعجبك أيضا