الاستخبارات الإسرائيلية في عصر “كورونا” .. عمليات سرية ودور غامض

محمد عبد الدايم
كتب – محمد عبدالدايم

في نهاية مارس الماضي ذكرت صحف إسرائيلية أن جهاز الاستخبارات (الموساد) قام بشراء ملايين الكمامات الطبية لمكافحة كورونا، وأعلنت الصحف هذا الخبر بعد نحو أسبوع من وصول الطلبية، معللة هذا بحساسية الخبر، وعدم وجوب الحديث عنه إلا بعد وصولها.

إضافة إلى الكمامات الطبية؛ جلب الموساد أجهزة التنفس الصناعي وأنابيب اختبار وجود فيروس كورونا، وآلافًا من كمامات طراز “N95”.
ليس هذا فحسب، بل وفي حينه نقلت وسائل الإعلام خبرًا مقتضبًا عن نجاح الموساد في جلب معدات طبية لمكافحة الوباء من دول لا ترتبط مع إسرائيل بعلاقات ديبلوماسية رسمية.

هذا الأسبوع وصلت طائرة إسرائيلية محملة بآلاف أجهزة ومعدات التنفس لمواجهة الفيروس، ووفقًا للرئيس التنفيذي لمنظمة يد ساراه (يد سارة: منظمة تطوعية إسرائيلية تنشط في مجال التمريض) فإن الطائرة جلبت أجهزة أكسجين وبالونات نفخ وأجهزة تنفس وأَسِرّة.

منذ بدأت إسرائيل تشدد إجراءات الغلق الكلي وإلزام المواطنين بالعزل المنزلي خرج بنيامين نتنياهو أكثر من مرة ليوجه خطابات للجمهور، وأعلن رئيس الموساد يوسي كوهين سيتولى مسئولية شراء أجهزة طبية من الخارج، ويبدو أن كوهين نجح بالفعل، قبل أن يدخل الحجر الصحي بعد مخالطته لوزير الصحة يعقوف ليتسمان الذي اتضحت إصابته وزوجته بالفيروس.
عمليات سرية لجلب أدوات صحية

دخول الموساد على خط مواجهة الوباء يلقي الضوء على دور الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية في تدعيم المنظومة الصحية الإسرائيلية، ولا يمكن عدم الربط بين هذا الدور، وبين الخبر الغامض عن جلب معدات طبية من دول ليست على علاقة رسمية بإسرائيل.

نجاح الموساد في توفير أجهزة طبية وكمامات لمكافحة فيروس الكورونا المستشري بإسرائيل يمكن ربطه أيضًا بحوادث الأسابيع الأخيرة، حيث تكررت سرقات الدول العظمى من بعضها مع النقص الحاد في الكمامات والمعقمات وألبسة الوقاية وأجهزة التنفس والأكسجين، وتزايد أعداد المصابين بالفيروس.
استولت الولايات المتحدة على كمامات كانت في طريقها لألمانيا، وشحنات أخرى كانت في طريقها لفرنسا، والأخيرة صادرت كمامات وقفازات كانت في طريقها لإيطاليا وأسبانيا، والتشيك استولت على أقنعة كانت في طريقها لإيطاليا، والأخيرة استولت على سفينة شحن محملة بالكمامات كانت في طريقها إلى تونس، كما أن دولا مثل أوكرانيا لم تستطع شراء كمامات من الصين بسبب دفع روسيا والولايات المتحدة وفرنسا الأموال نقدًا في مقابل الحصول على الشحنات بالكامل.

مؤخرًا وجه مقدم برنامج في إذاعة الجيش الإسرائيلي “جلي تساهل” (موجات جيش الدفاع الإسرائيلي) سؤالا لوزير الدفاع نفتالي بينت، مفاده: “هل يقوم الموساد بأعمال السرقة في أنحاء العالم من أجل جلب الدواء لاستخدامه في المستشفيات ولاستعماله في علاج مرضى وباء الكورونا؟” ، وأجابه الوزير: “كما هو مفهوم لن أرد على السؤال، لكن نعمل جميعنا بصورة هجومية وقوية، ونستخدِم حيلًا لتنفيذ المهمة، وهناك الكثير من التحركات الخلاقة، لتحويل الماكينات”.

عمليات الموساد السرية التي كانت تركز على التعقب والحصول على المعلومات والتصفية والعمليات السرية أصبحت منفتحة على مجال سرقة المعدات الطبية والكمامات، بالتعاون مع وزارة الأمن ودول أجنبية لم تسمها التقارير الإعلامية الإسرائيلية.
المشاريع الخاصة للوحدة 81

مع تدشينها كانت تحمل اسم “فرع الاستخبارات 8″، إنها الوحدة التكنولوجية الخاصة التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية بالجيش الإسرائيلي، وأصبحت معروفة باسم “الوحدة 81”.

هذه الوحدة مسئولة عن تطوير تكنولوجيا مساندة لعمليات القتال، وخصوصًا أجهزة اتصالات خاصة، والحبر السري والذكاء الصناعي وأجهزة الاستخبارات البصرية وتقنيات التجسس (السايبر).
مؤخرًا تم الإعلان عن تحول كبير في أهداف الوحدة 81، بعد الضغوط الكبيرة على النظام الصحي مع تفشي الوباء، حيث بدأت الوحدة في دعم المنظومة الصحية الإسرائيلية لمكافحة الفيروس، عبر تطوير أجهزة وأنظمة تكنولوجية تساعد في كشف الفيروس ومكافحته.
من بين الأجهزة التي قامت الوحدة 81 بالإعلان عن تطويرها جهاز تنفس صناعي وتهوية مخصص للاستخدام المنزلي، وتحويله ليتلائم مع المستشفيات لمساعدة مرضى الفيروس على التنفس والتهوية، وكذلك أوكِل للوحدة تقديم حلول تكنولوجية  لاحتواء تدفق الهواء في المستشفيات، إضافة إلى تطوير أقنعة واقية تحول دون نقل العدوى والتلوث، حيث نقلت الوحدة نحو 400 قناع واقي للفرق الطبية، وتستعد لتجهيز 1000 قناع يوميا.

كذلك بدأت الوحدة في تجهيز سيارات إسعاف خاصة بنقل الحالات المصابة بالفيروس، دون خطر على السائق، من خلال فصل نظام التكييف، وتكوين حماية بمثابة درع لمرافقي الحالة التي يتم إجلاؤها.

إضافة لما سبق؛ تم تدشين أدوات رقمية لتتبع مسارات المصابين المحتملين، عبر تطبيقات للهاتف المحمول، مع تطوير تطبيقات على شبكة المعلومات تسمح لوزارة الصحة بإدارة الفحوصات الطبية، من المفترض أن تسمح هذه التطبيقات لوزارة الصحة بالوصول إلى 15 ألف عملية فحص يومية.
جاهزية أمنية وتراجع صحي

من المؤكد أن إسرائيل تتمتع بجاهزية كبيرة لمواجهة التهديدات العسكرية، سواء على الجبهتين الداخلية والخارجية، غير أن تفشي الوباء أظهر صورة مغايرة لمنظومة الصحة الإسرائيلية ، حيث برز واضحًا التراجع الكبير في  القطاع الصحي الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة، نتيجة تركيز الدولة على المنظومة العسكرية والأمنية والاستخباراتية، مما قلل من ميزانيات الصحة والرفاه الاجتماعي، وهذا انعكس على حال الاقتصاد الإسرائيلي مؤخرًا، وكذلك على حال المستشفيات الإسرائيلية التي ترزح تحت ضغط كبير بسبب زيادة حالات الإصابة بالفيروس، مما استدعى حكومة نتنياهو لاعتماد على الاستخبارات الخارجية ممثلة في الموساد والاستخبارات العسكرية التابعة للجيش من أجل تأمين المعدات الطبية، بطريقة أو بأخرى، سرًا أو علنًا، أو بالمساعدة في تطوير تكنولوجيا تتبع ورصد لحالات الإصابة، وأدوات فحص وتهوية وتأمين، بما يشير إلى القدرات التي تتمتع بها أجهزة المخابرات والجيش مع استقطاع جزء كبير من ميزانية الدولة لصالحها على حساب مؤسسات الصحة والرفاه والتعليم في إسرائيل.

ربما يعجبك أيضا