“دبلوماسية الأقنعة” لن تُخفي الوجه الأسود للعثمانيين الجدد

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

في محاولة لتلميع صورة الدولة التركية، يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تلميع صورته وصورة النظام الحاكم في علاقاته مع الخارج بشتى الوسائل وبما في ذلك وسيلة المساعدات الإنسانية وخاصة في ظل الأزمة العالمية بسبب تفشي وباء كوفيد -19.

ويحاول أردوغان تقديم تركيا إلى العالم بوصفها قوة إنسانية في خضم وباء كوفيد-19 من خلال إرسال معدات طبية إلى إيطاليا وإسبانيا ومعدات الفحص إلى إسرائيل وبريطانيا وكوسوفو والسلطة الفلسطينية وليبيا وحتى الأدوية أرسلها إلى أرمينيا.

تأتي هذه المساعدات، بينما تركيا شريك في آلام دول المنطقة، بما تقدمه من دعم للجماعات الإرهابية وإذكاء لروح الطائفية والقتال.

رجل أوروبا

ترى المتخصصة في الدبلوماسية التركية في معهد باريس للدراسات السياسية جنى جبور أن لجوء تركيا إلى المساعدة الإنسانية ليس بجديد.

وذكرت لوكالة فرانس برس “لطالما أراد الرئيس أردوغان وضع تركيا كقوة إنسانية تستجيب لنجدة المحتاجين، سواء كانت الأقليات المسلمة المضطهدة أو الدول التي تعرضت للكوارث الطبيعية.

ولكن تركيا تعمل الآن، خلافا لتدخلاتها المعتادة، على مساعدة الدول المتقدمة التي دأبت على المساعدة عوض تلقيها.

وينتهز الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يحن إلى زمن إمبراطورية عثمانية أطلقت عليها القوى الغربية لقب رجل أوروبا المريض قبل انهيارها، هذه الفرصة ليأخذ بثأر رمزي.

وأوضحت جبور “إن الأمر يتعلق بإظهار أن تركيا هي قوة نافذة ولديها القدرة على تقديم المساعدة إلى الدول الأوروبية، التي أصبحت بدورها مريضة، بالمعنى الحرفي والمجازي”.

ولتعزيز هذه الصورة الموجهة لإرضاء الرأي العام التركي بشكل خاص، تلجأ تركيا إلى إلقاء الضوء بعناية على كل عملية شحن للمعدات الطبية إلى أوروبا وإقلاع الطائرة التي تبث مباشرة على شاشة التلفزيون، ونشر امتنان المستفيدين الحار في الصحف.

كما يحاول أردوغان، عبر إرسال المعدات إلى هذه البلدان التي تفتقر إليها بشدة، تهدئة العلاقات المتوترة مع الغرب منذ عام 2016.

وقال المتحدث باسم أردوغان الأحد إن تركيا هي “أول دولة في حلف شمال الأطلسي ترسل مساعدات لإيطاليا وإسبانيا”.

وقال المتحدث إبراهيم قالن إن “ترشح تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إيجابي لتركيا، لكن وجود تركيا إيجابي لأوروبا أيضًا. وللحقيقة، أثبت هذا الوباء أننا على صواب”.

وأشار إلى أن حوالي 100 دولة طلبت من تركيا المساعدة. ولفت أردوغان، الإثنين، إلى أن تركيا أرسلت مساعدات إلى 34 دولة.

الراعي العثماني

وأشار الباحث سونر كاجابتاي، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إلى أنه إضافة إلى العملية الدعائية فإن “هناك بعد استراتيجي في اختيار الدول التي تساعدها تركيا”.

ولفت كاجابتاي لوكالة فرانس برس إلى أن تركيا تريد عبر إرسال معدات الأسبوع الماضي إلى خمس دول في البلقان، التي كانت خاضعة سابقًا للحكم العثماني، تعزيز صورة العم السخي.

وفي مثال آخر، أرسلت تركيا إمدادات طبية إلى ليبيا، التي تعاني من نظام صحي منهك بسبب النزاع بين حكومة طرابلس، التي تدعمها أنقرة، والقوات المنشقة التي تدعمها الإمارات العربية المتحدة ومصر.

وأوضح كاجابتاي أن الهدف هو “ضمان عدم انهيار حكومة طرابلس تحت وطأة الوباء”.

كما سمحت أزمة وباء كوفيد-19 لأنقرة بمد يد الصلح إلى البلدان التي يشوب علاقتها الفتور مع تركيا.

وقال قالن الأحد إن أردوغان سمح ببيع دواء لأرمينيا دون أن يحد طبيعته.

وأضاف أن تركيا استجابت لطلب من إسرائيل بشأن الحصول على إمدادات طبية، رغم التوتر الشديد بين البلدين.

يذكر، أن العثمانيين الجدد، المقصود بهم الأحزاب الإسلاموية في تركيا الحديثة، ومنهم حزب العدالة والتنمية الحاكم. وتسعى هذه الأحزاب إلى التعامل مع الدولة العثمانية كإرث ومساحة نفوذ لهم.

لا إفراج عن السجناء السياسيين

وفي مؤشر على تناقض وجه تركيا، أقرّ البرلمان التركي، أمس الإثنين، قانوناً مثيراً للجدل يتيح الإفراج عن عشرات آلاف السجناء بهدف التخفيف من الاكتظاظ في السجون المهدّدة بوباء كوفيد-19 لكنّه يمنع إطلاق سراح سجناء سياسيين.

وأعلن البرلمان على تويتر أنّ “المشروع بات قانوناً بعد إقراره”.

وانتقدت منظمات للدفاع عن حقوق الإنسان مثل “هيومان رايتس ووتش” ومنظمة العفو الدولية النص لاستبعاده السجناء المدانين بموجب قانون مثير للجدل لمكافحة الإرهاب.

ودانت تلك المنظمات أيضاً عدم شمول التدبير الجديد العديد من الصحفيين والمعارضين السياسيين والمحامين الموجودين في الحجر الاحترازي ولم يخضعوا بعد للمحاكمة.

ومن بين هؤلاء متّهمون قيد المحاكمة أو ينتظرون بدء محاكماتهم، وموقوفون ينتظرون توجيه اتّهامات رسمية إليهم تمهيداً لمحاكمتهم.

ربما يعجبك أيضا