بذريعة “كورونا”.. اعتقال وترحيل قسري للعمال في قطر

كتب – حسام عيد

يبدو أن أكبر معسكر للعمالة الأجنبية في قطر ما هو إلا سجن افتراضي، في حالة إغلاق تام بعد إصابة المئات من عمال البناء بفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”.

وتحرس الشرطة محيط منطقة ضخمة داخل “المنطقة الصناعية”، تاركة آلاف العمال محاصرين في مخيمات مزدحمة ومكتظة بالسكان، حيث يمكن أن ينتشر الفيروس بسرعة، ومن ثم تتحول تلك المنطقة إلى بؤرة نشطة للوباء القاتل.

لا يمكن لأي شخص الدخول أو المغادرة، كما يقول العمال الذين يعيشون في المنطقة، والذين عمل الكثير منهم في مشاريع البنية التحتية لكأس العالم 2022.

الانتهاكات لم تقف عند هذا الحد، بل تزداد سوءًا اليوم، مع بدء السلطات القطرية في شن حملة اعتقالات شرسة في صفوف تلك العمالة الضعيفة المهاجرة من أجل كسب العيش ليس إلا، وذلك بعد إيهامهم بالخضوع لفحص الكشف عن الإصابة بفيروس كورونا، ولكن كانت هذه أكذوبة جديدة وحيلة خادعة بالملف القطري غير الآدمي والمهين لحقوق الإنسان.

ومن حاول كشف وفضح حقيقة ما يحدث من بعض العمال الأجانب عبر التواصل مع منظمات دولية، كان مصيره الترحيل القسري إلى بلاده دون عودة، وهذا ما أكدته وسلطت الضوء عليه منظمة العفو الدولية.

اعتقال المئات

في تقرير حديث نُشر، اليوم الأربعاء، الموافق 15 أبريل 2020، أكدت منظمة العفو الدولية أنها علمت إقدام السلطات القطرية على اعتقال المئات من العمالة الوافدة بعد إبلاغهم بأنه سيجري فحصهم للكشف عن الإصابة بفيروس كوفيد-19.

وقال ستيف كوكبيرن، نائب مدير برنامج القضايا العالمية في منظمة العفو الدولية، بعد التحدث مع 20 رجلاً من نيبال اعتقلتهم الشرطة القطرية، إلى جانب مئات آخرين، إنه “لم يلتق أيًا من الرجال الذين تواصلنا معهم أي تفسير لسبب معاملتهم بهذه الطريقة، ولم يتمكنوا من الطعن في عملية احتجازهم أو طردهم. وبعد قضاء أيام في ظروف احتجاز غير إنسانية، لم يُمنح الكثيرون حتى الفرصة لجمع أمتعتهم قبل وضعهم على متن الطائرات إلى نيبال”.

وأضاف، “ومما يثير القلق أن السلطات القطرية يبدو أنها استخدمت الوباء كغطاء لارتكاب المزيد من الانتهاكات ضد العمال الأجانب، الذين يشعر الكثير منهم بأن الشرطة ضللتهم بقولها إن “سيتم فحصهم”. فوباء كوفيد-19 ليس ذريعة لاعتقال الناس.

وأشارت المنظمة الدولية إلى أنه في يومي 12 و13 من شهر مارس الماضي، اعتقلت الشرطة مئات العمال الأجانب واحتجزتهم في أجزاء من الدوحة، بما في ذلك المنطقة الصناعية ومدينة بروة والمدينة العمالية. وتم القبض عليهم أثناء وجودهم في مكان إقامتهم، أو القيام ببعض المهمات أو التسوق لشراء البقالة.

ثم حُشر الرجال في حافلات، ونقلوا إلى مرفق احتجاز في المنطقة الصناعية حيث صودرت وثائقهم وهواتفهم المحمولة، قبل أخذ صورهم وبصماتهم. وتم احتجاز العمال في ظروف غير إنسانية، إلى جانب عشرات الأشخاص الآخرين من مختلف البلدان. وقد احتُجزوا في زنزانات مكتظة بدون أسرّة أو أغطية، ولم يُعطوا ما يكفي من الطعام أو الماء.

طرد وترحيل قسري

وأثناء احتجازهم، قيل للرجال الذين تواصلت معهم منظمة العفو الدولية إنهم سوف يُطردون، ولم يعلم بعضهم الآخر بذلك إلا أثناء نقلهم إلى المطار.

وتم طرد بعضهم في 15 مارس، والبعض الآخر في 19 مارس. ولم يتمكن أي منهم من الطعن في عملية احتجازهم أو طردهم.

ومُنح بعضهم بضع دقائق فقط لحزم أمتعتهم، في حين لم يُمنح البعض الآخر الفرصة لجمع أي شيء على الإطلاق. وقال أحد الرجال: “كُبلت يدي وعوملت كمجرم. ونُقلت إلى مخيمي لأجمع أمتعتي، ولكن كيف يمكنني جمع الأمتعة وحزمها وقد تم تقييد يدي؟”.

وقال معظم العمال إن درجة حرارتهم قد أخذت في مطار حمد الدولي قبل الصعود على متن رحلاتهم، ومرة أخرى عند هبوطهم في كاتماندو، العاصمة النيبالية.

وأكد البعض أن الشرطة هددت بتوجيه تهم جنائية ضدهم، وإبقائهم في مركز الاحتجاز لفترة أطول إذا اشتكوا أو حاولوا الاعتراض على الوضع.

نهب الرواتب والمستحقات

فيما قال اثنان فقط إنه تم الاتصال بهم من قبل الشركات التي عملوا بها، التي عرضت عليهم دفع رواتبهم. وقال رجل إن شركته أعطته نقودًا أثناء وجوده في الحجز، لكن ضابط شرطة أخذها منه لـ”حفظها” ولم يعدها إليه.

وقال الرجل الآخر إن شركته طلبت منه فتح حساب مصرفي لإرسال أجوره إليه.

وقد غادر جميع العمال قطر دون الحصول على رواتبهم المستحقة واستحقاقات نهاية الخدمة، وهو مصدر قلق خاص حيث أنفق الكثيرون مبالغ ضخمة على تأمين الوظائف في قطر، وربما يدفعون قروضاً مرتفعة الفائدة.

وقال أحد الرجال: “الأمر صعب الآن. فأطفالي ليس لديهم ملابس، ومن الصعب إطعامهم”. وقال آخر إنه تعرض للتهديد من قبل المُقرِضين، وكان يكابد من أجل إعالة أطفاله الخمسة.

أكاذيب قطرية جديدة

وردًا على الأدلة لتي قدمتها منظمة العفو الدولية، زعمت الحكومة القطرية، كعادتها، إنه أثناء تفقد المنطقة الصناعية كجزء من التصدي لوباء فيروس كوفيد-19، “كشف المسؤولون عن أفراد متورطين في أنشطة غير قانونية وغير مشروعة. وشمل ذلك تصنيع وبيع المواد المحرمة والمحظورة، إلى جانب بيع السلع الغذائية الخطرة التي يمكن أن تهدد بشكل خطير صحة الناس إذا تم استهلاكها”.

لكن 18 شخصاً من الذين قابلتهم منظمة العفو الدولية، قالوا إنهم ليسوا على علم بأي تهم قد وجهت إليهم.

واطلعت منظمة العفو الدولية على الوثائق باللغة العربية التي أعطيت للرجال، التي لا تشير بأنهم متهمين بارتكاب أي جريمة جنائية. وعلى أي حال، لم يُسمح لأي من الرجال الذين تمت مقابلتهم بالطعن في قانونية احتجازهم وطردهم كما هو مطلوب بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
 

ربما يعجبك أيضا