إخفاق الإعلام المصري في التوعية بمخاطر كورونا يمهد الطريق للمتطرفين دينيا

عاطف عبداللطيف

كتب – عاطف عبداللطيف

خلصت دراسة حديثة أعدها قسم بحوث وقياسات الرأي العام في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر، أن 59 بالمئة من المواطنين يتخذون مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية مصدرا أساسيا للمعرفة والتوعية بشأن انتشار فيروس كورونا في بلدهم، فيما انجذب 16 بالمئة فقط إلى القنوات التلفزيونية المصرية والتي من المفترض أن تشهد نسب مشاهدات مرتفعة في أوقات الأزمات التي تتزايد فيها الحاجة إلى المعلومات الدقيقة.

ورغم أن الدراسة العلمية أشارت إلى أن نسبة 82 بالمئة من الجمهور اهتموا بالأخبار المرتبطة بسبل الوقاية من انتشار المرض، فإن 90 بالمئة منهم استجابوا فقط لغسل اليدين بالماء والصابون دون وقاية أخرى، وانعكست تلك الأرقام على السلوكيات الملحوظة في الشارع، حيث طغت حالة من اللامبالاة بينما تتزايد أرقام الإصابات والوفيات يوميا.

تحذيرات وأرقام

وحذر رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أول أمس الخميس، من عدم التزام المواطنين بإجراءات الحظر وتدفقهم إلى الشوارع بكثافة خلال الأيام الماضية، وقرر إغلاق المنتزهات والحدائق العامة ومنع حركة المواصلات العامة بما فيها القطارات واتوبيسات الرحلات بين المحافظات يوم الإثنين، لمنع خروج الناس للاحتفال بشم النسيم.

وأظهرت صور التقطتها عدسات مواطنين اكتظاظ المئات من السيارات في طوابير طويلة أمام مدخل منتجع العين السخنة السياحي على البحر الأحمر، استغل أصحابها الإجازة الرسمية من أجل المكوث في المناطق الساحلية والاحتفال بشم النسيم ضاربين بقرارات الحكومة عرض الحائط.

فيما كشفت بيانات وزارة الصحة والسكان، أمس الجمعة، حول إصابات فيروس كورونا عن تسجيل أعلى معدل إصابات يومي منذ بدء الأزمة وحتى الآن بواقع 171 حالة ليبلغ إجمالي الإصابات 2844 حالة.

وأوضح بيان الصحة المصرية، أمس، أن عدد الحالات التي تحولت نتائج تحاليلها معمليا من إيجابية إلى سلبية لفيروس كورونا (كوفيد-19) ارتفع ليصبح 891 حالة، من ضمنهم الـ646 متعافيا.

وأضاف أنه تم تسجيل 171 حالة جديدة ثبتت إيجابية تحاليلها معمليا للفيروس، جميعهم مصريون، وذلك ضمن إجراءات الترصد والتقصي التي تُجريها الوزارة وفقا لإرشادات منظمة الصحة العالمية، لافتا إلى وفاة 9 حالات.

خطاب إعلامي

وفي الوقت الذي تعمل فيه الحكومة المصرية على تصدير خطاب إعلامي يبرر عدم اللجوء إلى الإغلاق العام نتيجة الظروف الاقتصادية والإمكانيات المحدودة وتجاهد لدفع المواطنين نحو البقاء في المنازل، وجد الإعلام المصري نفسه في مأزق جراء هذا الخلط والتداخل.

وعبر وزير الإعلام المصري أسامة هيكل عن خيبة أمله لعدم التزام المواطنين بالتعليمات الحكومية، غير أن مراقبين رأوا أن هناك أزمة في تواصل الإعلام التقليدي مع المواطنين، نتيجة انعدام الثقة فيه، إلى درجة أن الدراسة الأخيرة لفتت إلى أن 12 بالمئة فقط من الجمهور يتابعون أخبار كورونا عبر الإعلام الخاص الذي سيطرت عليه جهات حكومية أيضا.

فشل التوعية

وأوصت وحدة بحوث الرأي العام، في مركز البحوث الاجتماعية والجنائية في مصر التي أجرت الدراسة الأخيرة على عينة منتقاة من الحاصلين على الشهادات العليا بنسبة متساوية بين الشباب والفتيات، السلطات الحكومية باتخاذ إجراءات أكثر فاعلية للتواصل مع المواطنين وتوعيتهم.

وقال رئيس جمعية حماية المشاهدين، حسن علي، إن الإعلام التقليدي أخفق في التوعية، ولم يرتق أداء التلفزيون الحكومي والخاص إلى مستوى الأزمة التي تتطلب استخدام لغة علمية وموضوعية غابت طويلا عن الخطاب العام، فيما استمرت خطابات الحشد والتأييد الدعائية.

جرس إنذار

وأضاف حسن علي -بحسب موقع “العرب”- أن الدراسة الجديدة جرس إنذار لتغيير أسلوب التوعية الحالي، وتلقي الضوء على انحسار شعبية مذيعي برامج “توك شو” الذين تعاملوا مع الفشل في الوصول إلى الجمهور بنوع من العصبية ظهرت في نبرات أصواتهم المرتفعة، وكانت مثار سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، بل إن تلك البرامج تسببت في زيادة قلق المواطنين بدلا من طمأنتهم.

وطالت الانتقادات عمرو أديب مقدم برنامج “الحكاية” على فضائية “إم بي سي مصر”، وذهبت بعض التعليقات إلى التأكيد على أنه “يؤذن في مالطا”، في تعبير عن عدم التفات المواطنين لتحذيراته اليومية.

إخفاق إعلامي

ويرى متابعون أن الفشل في الحملات التوعوية لا ينفصل عن الكسل العام بعد غياب مؤسسات المجتمع المدني التي كانت تلعب دورا فاعلا في التأثير على المواطنين، وشكلت دعما موازيا للحكومة في المناطق الرخوة التي تتقلص فيها قدرتها على التواجد والانتشار.

وأفسح إخفاق الإعلام في التأثير المجال أمام بروز خطابات دينية تبناها مسؤولون كبار في الدولة، وتصدرت بيانات خرجت من الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء نشرات الأخبار المحلية.

وأدى اللجوء إلى الاعتماد على الخطاب الديني الرسمي إلى منح الفرصة للخطاب المتطرف الذي تتبناه جماعات سلفية ترفض الإجراءات الاحترازية المتعلقة بغلق المساجد ومنع صلاة التراويح في رمضان والاعتكاف.

وراجت خطابات المتشددين وجذبت إليها جمهورا على مواقع التواصل أجهض جانبا من رسائل التوعية التي تبنتها مؤسسات دينية رسمية.

وبرهن الاعتماد على الشخصيات الدينية والفنانين والرياضيين الذين يحظون بشعبية واسعة بين الجمهور على أن هناك أزمات عدة في الخطاب الإعلامي الذي يتسم بالسطحية دون احترام عقلية المواطنين، وأن شعارا توعيا مثل “خليك في البيت” تحول إلى كلمات عابرة لا يهتم بها أحد.

ربما يعجبك أيضا