عالم ما بعد كورونا.. تصدع للعولمة ومزيد من “الأتمتة”

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان
بعد أكثر من 3 أشهر من انتشار فيروس كورونا المستجد على نطاق واسع في غالبية بلدان العالم، وتسببه في وفاة أكثر من 160 ألف شخص، وتعطيل حركة الاقتصاد العالمي بدرجة يتوقع معها الخبراء أن يواجه العالم أعمق ركود منذ ثلاثينيات القرن العشرين هذا العام وربما العام المقبل أيضا، خرجت علينا أًصوات تتحدث عن سيناريوهات ما بعد الجائحة.

أحد هذه السيناريوهات، قدمها بنك أوف أمريكا في دراسة صدرت عنه حديثا تحت عنوان “كوفيد -19 بعد مرور 10 سنوات”، استنتجت  أن التخلص من العولمة وزيادة الاعتماد على “الأتمتة” سيكونان اتجاهين عالميين رئيسين في عالم ما بعد الفيروس التاجي.

نهاية العولمة
ترى الدراسة أن المؤسسات الاقتصادية بدول العالم بعد انتهاء الجائحة ستميل إلى مراجعة سلاسل التوريد التي أصبحت معقدة للغاية خلال السنوات الأخيرة، ذلك لأن غالبية هذه السلاسل تنطلق أو تعتمد من وعلى الصين، لذا كان من الطبيعي أن تشل حركتها مع تفشي الفيروس التاجي في الصين وإعلان البلاد الحظر الكامل على الحركة والسفر، وبالتبعية تراجعت حركة التجارة العالمية بشكل حاد، وسط توقعات بتراجعها خلال العام الجاري بنسبة قد تصل إلى 32%.

روبرتو أزيفيدو، مدير عام منظمة التجارة العالمية يقول: التوقعات الخاصة بحركة التجارة هذا العام “بشعة”، التراجع الحتمي في التجارة والإنتاج نتيجة إغلاقات كورونا سيفضي إلى حدوث عواقب مؤلمة على الأسر والشركات، فضلا عن المعاناة الإنسانية التي يسببها المرض، محذرا من أن حركة التجارة قد تتراجع على غرار ما حدث خلال فترة “الكساد الكبير” قبل 90 عاما.

تتوقع دراسة “بنك أوف أمريكا”، تراجع دور الصين في عالم ما بعد الجائحة أو بالأحرى تراجع الاعتماد عليها من قبل دول العالم، والانفتاح أكثر على التعاون مع دول آخرى يمكن أن تحل محلها، مرجحة أن يتحول تركيز الشركات الكبرى إلى الاقتصادات الآسيوية الأخرى، وإلى وسط وشرق أوروبا، وكذلك المكسيك، بما يجعل هذه الدول على موعد مع مزيد من الاستثمارات الأجنبية فيما بعد “كورونا”، وطفرة في الوظائف الجديدة.

خلال الربع الأول انخفض الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 6.8٪، مسجلة أول انخفاض منذ 1992، وسط توقعات بأن تسجل نموا هذا العام لا يتجاوز الـ4%، وهو الحد الأدنى خلال الثلاثين عاما الماضية.

هذه الأرقام والتوقعات بتراجع دول الصين، تؤكد التوجه السائد بأن عالم ما بعد “كورونا” سيشهد انهيارا للعولمة، إذ إن الصين كانت نقطة البداية لسيادة العولمة في القرن الماضي، عندما أغرقت الأسواق حول العالم ببضائعها الرخيصة.

جانب آخر لتوجه انهيار العولمة، هو أن الأزمة كشفت الجوانب السلبية لها، فالبعض يلقي باللوم عليها في انتشار المرض، فلولا حركة الأفراد المفتوحة بين الدول ربما كانت أعداد المصابين أقل بعض الشيء، لذا عادت قيود السفر بقوة للحد من انتشار الوباء.
لذا هناك تحوف من أن تتجه دول العالم بعد عبور أزمة كورونا، إلى مزيد من الانغلاق على نفسها، وتعود من جديد إلى فكرة الجزر الصغيرة المنفصلة.

الاعتماد على الأتمتة
الشهر الماضي قدرت الأمم المتحدة أن ينتج عن الجائحة فقدان ما يصل إلى 25 مليون وظيفة حول العالم، فيما توقع صندوق النقد الدولي، أن تسبب الأزمة في انخفاض بدخل الأفراد في 170 دولة هذا العام، بما يدعم توقعات منظمة أوكسفام، بأن تتسبب الجائحة في دخول نحو 500 مليون شخص حول العالم إلى دائرة الفقر.

إلى ذلك رجح مصرف “وول ستريت” الأمريكي، أن تكلف جائحة كورونا الاقصاد العالمي نحو 5 تريليونات دولار على مدى العامين المقبلين.

تقول دراسة “بنك أوف أمريكا” إن الإجراءات المالية المتخذة خلال الأزمة لتحفيز الاقتصاد وكبح تداعيات كورونا الاقتصادية، ستضغط على البلدان ذات الدين العام الكبير والاحتياطيات النقدية المنخفضة مثل، البرازيل وجنوب إفريقيا وتركيا.

وتضيف سيكون من الصعب على معظم الاقتصادات النامية أثناء وباء الفيروس التاجي وبعده التعافي اقتصاديا، ومن المحتمل أن يلجأ بعضها إلى استبدال 75٪ تقريبا من الوظائف بأجهزة الروبوت بعد الوباء، لتخفيف أعباء توظيف العناصر البشرية، ولدفع عجلة الإنتاج بشكل أسرع، إذ تتمتع غالبية البلدان النامية بحصة إنتاج أعلى منها في الاقتصادات المتقدمة.

ترى الدراسة أن المكسيك ستكون الأشد ميلا إلى هذا التوجه الآلي في العمل، حيث يمكن أن تنال الأزمة فيها من 80٪ على الأقل من الناتج المحلي.

على الرغم من أن الاقتصادات النامية أكثر مقاومة للصدمات بشكل عام مما كانت عليه في السابق، إلا أن العديد من العوامل السلبية ستعيق نموها بعد عبور الجائحة، ويتمثل ذلك بالنسبة للأرجنتين وتركيا في الدين الكبير بالعملات الأجنبية، وبالنسبة للبرازيل وإندونيسيا في سلبية الحسابات الراهنة بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.

يعتقد محللو بنك أوف أمريكا، أن الدول القادرة على تحفيز النمو وتحسين أنظمة الرعاية الصحية سريعا، ستكون قادرة على اجتياز هذه الفترة بهدوء نسبي.

كشفت أزمة كورونا العديد من أوجه القصور في النظام العالمي، وافتقاره للقدرة على مواجهة الأزمات الصحية أو بالأحرى الأزمات الخارجة عن السيطرة بشكل أكثر تنسيقا للجهود، كما أنها كشفت قدرة العالم على تقليل الاعتماد على البشر، فالكثير من الخدمات اليوم تتم بشكل رقمي تام، ما يهدد آلاف الوظائف بالاختفاء في المستقبل.

ربما يعجبك أيضا