المتطرفون يصطادون في الماء العكر.. عندما يتحدى العالم الإرهاب والجائحة!

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بأكمله بالتصدي لجائحة كورونا التي قلبت موازين الأمور رأسًا على عقب، وبينما تُشهر الدول أسلحتها لمحاربة هذا الفيروس القاتل، كانت مخططات الجماعات الإرهابية تعمل في الخفاء، وتصطاد في الماء العكر، في محاولة منها لسن أسلحتها لتصعيد ودعم هجماتهم المتطرفة.

الفكر المتطرف، الذي تعتمد عليه الجماعات والتنظيمات الإرهابية، منذ قديم الأزل، يلعب دائمًا على العامل الزمني، إذ يستغل فترات الفوضى والانشغال من أجل تنفيذ مخططات لا إنسانية.

استغلال الجائحة

1

يعتبر تنظيم داعش، بشكل عام أن الكوارث الطبيعية دليل على أن الله يدعمه في استهداف الخصوم، وظهر ذلك جليًا في أزمة فيروس كورونا، إذ أشار التنظيم إلى أن انتشار الفيروس في الصين بسبب، قمع مسلمي الإيغور، ورأى أعضاء التنظيم أن قوة الله تضرب الصين التي أعلنت الحرب على الإسلام والمسلمين.

وفي هذا الشأن، ومن خلال رصد وتحليل الخطاب الإفتائي لتنظيم “داعش” الإرهابي المتعلق بوباء “كورونا”، أكد العميد سمير راغب، مدير المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية لـ”رؤية”، على أن التنظيم حاول في بداية الأمر استغلال تفشي الفيروس في الصين وإيران، لصالح دعم ما ينشره من أفكار بشأن الدعم الإلهي له، وقضائه على الكفار، وهو ما بلغت نسبته (٣٠٪) من خطاب التنظيم الإرهابي المرتبط بكورونا.

وعلى سبيل المثال تناولت صحيفة النبأ التابعة للتنظيم في عدد شهر فبراير الماضي القضية، تحت عنوان “ضلَّ من تدعون إلا إياه” بقولها: “لنا في الرافضة المشركين اليوم آية وعبرة فهم يعبدون آل البيت من دون الله ويزعمون أنهم شركاؤه سبحانه في النفع والضرر .. ثم هم اليوم قد ابتلاهم الله تعالى بانتشار مرض قاتل في المدينة التي تضم عددًا من أوثانهم”.

وعن أزمة الولايات المتحدة، قال راغب: “أوضح مؤشر الفتوى العالمي، أن التنظيم الإرهابي لم يتوانَ عن استغلال حدث وباء كورونا لتعويض خسائره التي شملت خسارة نفوذه على الأرض ومقتل زعيمه أبو بكر البغدادي في أكتوبر ٢٠١٩، ليتجه بنسبة (٢٠٪) من خطابه الإفتائي المرتبط بالفيروس التاجي للترويج لوجود دعم إلهي للتنظيم وانتقام من الولايات المتحدة الأمريكية العاجزة عن مواجهة جند من جنود الله”.

وجاء ذلك تحت عنوان “لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا ..كورونا أنموذجًا” بعدد صحيفة النبأ الذي تضمن: “لا أمريكا ولا غيرها بقادرين على أن يرفعوا ما أصابهم من ضر.. ألا ضل من يعبد أمريكا وضل من يخافها ويرجوها من دون الله سبحانه”.

وتابع: “كذلك أوضح مؤشر الفتوى أن التنظيم الإرهابي قد انتهك كل المعايير الإنسانية؛ فبعد تفشي وباء كورونا عالميًّا وبعدما ظن أنه يمكن له استغلاله لاستعادة مجده الضائع؛ استغل خطابه بنسبة (٤٠٪) لصناعة (ذئابه المنفردة) بتحريض أتباعه على استغلال هذه (الهبة الإلهية) للتوسع في العمليات الإرهابية وتكثيفها استغلالاً للانشغال العالمي بالتصدي لتفشي الوباء المميت”.

وتأكيدًا لما كشف عنه المؤشر في الخطاب الإفتائي للتنظيم من حث أتباعه على تنفيذ عملياته حاليًا هو ما تحقق على أرض الواقع بعملية إرهابية لجماعة “بوكو حرام” التابعة للتنظيم، والتي أدت إلى مقتل 92 جنديًا من تشاد والنيجر، وإصابة 47 آخرين، وعملية إرهابية أخرى للتنظيم استهدفت مقرًا دينيًا للسيخ في كابول أسفر عن 25 قتيلًا و8 جرحى.

تنظيم القاعدة

في المقابل اهتم تنظيم القاعدة، بشكل كثيف بتفسير فيروس “كورونا” من منطلق عقائدي يؤدي في النهاية للتأكيد على الدعم الإلهي له، وبالتالي مزيد من التحريض بتكثيف عملياته الإرهابية.

وبتحليل المؤشر العالمي للفتوى، وجد أن نسبة (55٪) من خطاب تنظيم “القاعدة” فسَّر فيروس “كورونا” بصورة عقائديةـ على اعتباره عقوبة من الله للصين لاضطهادها للمسلمين، على نحو ما ورد في إصدار مرئي بعنوان “وباء كورونا في الصين بنظر المجاهدين”.

وتضمن الإصدار أن “البعض يقول إن سبب المرض عقاب من الله لهم جراء ما فعلوه تجاه مسلمي الإيجور من ظلم واضطهاد وهو ما نعتقده نحن المجاهدون.. احتلت الصين الملحدة الشيوعية تركستان الشرقية منذ زمن ومارست بحق المسلمين هناك أبشع أنواع الظلم والقهر والتعذيب وتناست أن لهؤلاء المسلمين ربًّا قادرًا على أن ينتقم لهم في أي وقت يريد”.

كذلك جاء في الإصدار: “وها نحن اليوم نشهد عذاب الله لهم بهذا الفيروس”، وتناسى التنظيم أن الفيروس لم يستثن دولة في العالم وأصاب دولًا إسلامية ليسقط زعمهم هذا.

تنظيم القاعدة لم يفسر الوباء باعتباره عقوبة للصين فقط، بل أكد مؤشر الفتوى على أن التنظيم اعتبر الفيروس عقوبة للمسلمين أيضًا بسبب الابتعاد عن الدين، ووجوب توبتهم والعودة لله وتجنب الفواحش.

وعن الفكر العقائدي لـ”نصرة الإسلام والمسلمين”، وحركة “الشباب المجاهدين”، كشف مؤشر الفتوى عن استغلالهما للفيروس باعتباره دعمًا إلهيًا لهم، حيث دعما هذه الفكرة بنسبة (45٪) من خطاب التنظيم المرتبط بالفيروس القاتل.

ومثال ذلك، ما ورد في إصدار مكتوب بعنوان “حول غزوة بمبا بمالي” لـ”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، متضمنًا: “جاءت هذه الغزوة المباركة في الوقت الذي سلط فيه الله سبحانه جندًا من جنوده على أعتى الدول المشاركة في هذه الحملة الصليبية على شعوبنا المسلمة في مالي”.

ونفس الأمر بالنسبة لـ”حركة الشباب المجاهدين” التي اعتبر أحد قياديها ويدعى “فؤاد شونغلي” أن المسلمين يجب عليهم الفرح بانتشار وباء “كورونا” في العالم باعتباره بلاء أرسله الله على الذين يشكلون عقبة أمام نشر الدين الإسلامي.

وبالتوازي مع هذه التصريحات كثفت الحركة من عملياتها في مناطق نفوذها في القارة الإفريقية خلال شهر إبريل حيث بلغ عدد العمليات في شرق إفريقيا: مناطق الحكومة الصومالية 45 عملية أسفر عنها ما تجاوز 120 قتيلاً، وفي مناطق حكومة كينيا 4 عمليات أسفر عنها ما تجاوز 40 قتيلاً.

وخلال شهر مارس، قامت الحركة أيضًا، بعقد اجتماع تشاوري لتكثيف عملياتها في كل الدول الإفريقية، حيث تضمن الاجتماع: “يجب على المجاهدين تكثيف الجهاد العيني الذي يدافعون به عن الدين والأرض والمسلمين .. إن ما يسمى بالحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية التي أنشأها الكفار في بعض أجزاء الصومال هي إدارات مرتدة تركت حظيرة الإسلام، محاربتهم واجبة كما يتضح في القرآن والسنة النبوية”.

تناقض وتضليل

بصورة متناقضة، ومع تفشي الوباء في معظم دول العالم، بما فيها الدول العربية والإسلامية، اتجه تنظيم داعش لتقديم بعض النصائح من خلال خطابه الإفتائي للمسلمين للوقاية من المرض والذي بلغ نسبة (10٪) من إجمالي فتاوى التنظيم المتعلقة بالفيروس، الأمر الذي لم يخل من التكهن بإصابة أعداد داخل صفوف التنظيم بالفيروس.

وظهر ذلك جليًا فيما ورد بمجلة النبأ التابعة للتنظيم، تحت عنوان “إن بطش ربك لشديد”، إذ جاء في العدد “الواجب على المسلمين اليوم أن يستعينوا بالله تعالى على اجتناب المرض وإبعاده عن بلدانهم، باللجوء إلى الله.. وباتخاذ ما يقدر عليه من الأسباب للوقاية من المرض ومنع انتشاره”.

في الوقت الذي يتلاحم فيه العالم لمواجهة وباء عالمي، بعد تفشي فيروس كورونا المستجد “كوفيد19” في البلاد، والذي أطاح بحياة أكثر من 171 ألف شخص، وأصاب أكثر من مليوني ونصف حالة حول العالم حتى الآن، استغلت الجماعات الإرهابية الأزمة لتكون أداة عنف وتفجير وتشكيل للخلايا الإرهابية التي تستهدف أمن واستقرار الدول.

لكن المؤشرات العالمية، قد كشفت عن الخلل الفكري لدى تلك التنظيمات، التي تفتقد إلى مبادئ الإنسانية، والتي جاءت على رأسها “داعش”، و”تنظيم القاعدة”، ولأجل تحليل الظاهرة قام “المؤشر العالمي للفتوى التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم” بدراسة تفاعل التنظيمات الإرهابية مع حدث تفشي فيروس “كورونا” الجلل؛ وبيان كيف استقبلوه؟ وكيف تفاعلوا معه؟ وذلك بتتبع الخطاب الإفتائي لهذه التنظيمات منذ شهر فبراير الذي برز فيه خطاب هذه التنظيمات بشأن الفيروس.

خطابات التطرف.. ما بين الشماتة والتخبط

المؤشر العالمي للفتوى، أكد في هذا الجانب على أن الخطاب الإفتائي للجماعات الإرهابية جاء في بداية أزمة “الوباء” متخبطًا واقتصر على إبداء “الشماتة” في الدول التي أصابها الفيروس مثل الصين وإيران، مثلما فعل تنظيم داعش الإرهابي.

الجماعات الإرهابية لم تستكمل استيعابها للأزمة بهذا الشكل، بل أصبحت بعد ذلك أكثر استقرارًا وبحثًا عن الاستغلال الأمثل للفيروس لخدمة أهدافها، سواء بالتحريض أو الاستقطاب أو التلاعب بالحقائق أو ادعائها قوة وهمية ودعم إلهي خرافي.

وكشف مؤشر الفتوى في هذا السياق، عن الاهتمام الكثيف في الخطاب الإفتائي من قبل بعض التنظيمات مثل تنظيم “القاعدة” بمختلف فروعه خاصة “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، و”حركة الشباب المجاهدين” باستغلال الفيروس، للترويج العقائدي بنصرة الله لهم، واستقطاب المسلمين وغير المسلمين لصالحهم.

ربما يعجبك أيضا