فلسطين.. بهجة الشهر الفضيل يزاحمها الزمن الثقيل‎

محمود

رؤية – محمد عبدالكريم

القدس المحتلة – تتكالب الأحداث تباعًا على الشعب الفلسطيني في الأراضي المقدسة، فلا تكاد تنتهي مصيبة لتطل أخرى برأسها، فبعد التواطؤ الأمريكي-الصهيوني على الشعب الفلسطيني لسرقة الأرض، إضافة إلى الانتهاكات اليومية المتواصلة من قتل واعتقال وانتهاكات مستوطنين والإعدامات في صفوف الأسرى في سجون الاحتلال بفعل الإهمال الطبي المتعمد، حتى جاءت أيضا جائحة كورونا لتضيف همًّا على هذه الهموم.

وفي خضم ذلك كله يحاول الفلسطينيون انتزاع الفرحة بقدوم الشهر الفضيل، ففي حين كانت العادة أن تنتشر فوانيس رمضان التي تضيء بالكهرباء والزينات الملونة في شوارع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية في الأيام التي تسبق شهر الصوم لكن الأمر اختلف هذا العام وسط القيود التي فرضتها جائحة فيروس كورونا والمشاكل الاقتصادية المتنامية.

وسيبدأ الفلسطينيون رمضان هذا العام فيما يبدو دون مظاهر الاحتفال التي يتجمع فيها أعضاء الأسر على الإفطار أو لأداء صلاة التراويح، خاصة في المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فالأجواء الحزينة سادت المدينة المحتلة، فلا دكاكين تعمل ولا باعة متجولون في المكان، ولا لجان لتنظيم دخول المصلين الذين غابوا عن المسجد ضمن التدابير الاحترازية لمواجهة “كورونا”.

وخلا المسجد الأقصى من المصلين إلا بضع عشرات من العاملين في باحاته، وسدنته من الحراس والأئمة والمؤذنين، الذين أدوا الصلاة في أروقته، مقارنة مع الجمعة الأولى من رمضان الماضي حيث صلى في المسجد قرابة 180 ألفًا بحسب تقديرات الأوقاف الإسلامية في حينه.

وقال مدير المسجد الأقصى المبارك عمر الكسواني، إنه تقرر استمرار تعليق صلاة الجماعة بالمسجد خلال رمضان بسبب انتشار فيروس كورونا، وذلك تماشيًا مع الفتاوى الشرعية والنصائح الطبية التي تحذر من التجمعات الكبيرة في ظل انتشار الوباء.

وما زال المقدسيون يواجهون خطر وباء كورونا وتصعيد الاحتلال الإسرائيلي، ساحة الغزالي التي شهدت معركة البوابات الإلكترونية قبل نحو ثلاث سنوات تبدو مهجورة تمامًا، على عكس ما تكون عليه في العادة قبل حلول الشهر الفضيل، لا شيء سوى حفر صغيرة تسبّبت بها الجرافات الإسرائيلية عند مدخل كاراج تديره دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، في حين غادر جنود الاحتلال نقطة تمركزهم عند بوابة المسجد الأقصى في منطقة باب الأسباط، حيث لا يطأ تلك الساحة إلا القليل من المقدسيين الذين غادروا منازلهم مكممي الأفواه لتفادي الإصابة بفيروس كورونا الجديد.

أما حي باب حطة في البلدة القديمة، حيث هناك بوابة تؤدي إلى الأقصى، فقد تركت هناك عربة لإعداد القهوة السادة تعود لعائلة الرازم المقدسية التي اعتاد أبناؤها تقديم القهوة لرواد المسجد الأقصى بعد انتهاء صلاة التراويح، وانسحب جنود الاحتلال من نقطة التفتيش الدائمة المقامة عند البوابة، ولم يبق سوى عنصرين عند مدخل باب الملك فيصل (من أبواب المسجد الأقصى).

أما ساحة الأناشيد والسهرات الرمضانية عند مدخل باب حطة، فلا وجود لها، بخلاف ما كان يحصل قبل شهر رمضان، بينما يبدو المشهد أكثر كآبة في حي باب حطة ذاته، الحي المقدسي الأشهر على الإطلاق في زينته الرمضانية التي اختفت تمامًا هذا العام بسبب جائحة كورونا.
ويعتبر شهر رمضان مناسبة لاجتماع الأقارب والأهل على مائدة طعام واحدة، فهو المناسبة التي قد تكون الوحيدة التي يتمكن فيها جميع أفراد البيت من الجلوس على طاولة الطعام معا في الوقت ذاته، على عكس الأيام العادية التي ينشغل فيها أحدهم أو أكثرهم في مختلف شؤون الحياة.
فيما أعطت الإجراءات الحكومية التي أعلنها رئيس الوزراء محمد اشتية قبل أيام، أصحاب محلات الحلويات الفرج الذي كان يأملون به، حيث ستسمح هذه الإجراءات لطوابير المواطنين بأن تنتظر دورها للحصول على القطايف والتي لها الأفضلية على باقي الحلويات في رمضان دون منازع.

لكن المطاعم والفنادق التي اعتادت على تنظيم السهرات الرمضانية والبوفيهات المفتوحة، ستبقى أبوابها مغلقة، ولن تتمكن بالتفكير في الإبداع من أجل اقناع الزبائن حتى يحطوا رحالهم فيها.

المشهد الصامت يسيطر أيضًا على الأسواق لبيع الخضار، ودرجت العادة أن تتنافس مؤسسات نابلس وعائلاتها في تزيين الأحياء القديمة، وتنظيم الفعاليات والأنشطة الرمضانية المختلفة، مثل “السوق نازل” و”الحكواتي”، إضافة للإفطار الجماعي، بالتزامن مع برنامج ديني مكثف، في مختلف المساجد التي تكون عامرة بالمصلين، والدروس والمواعظ لمجموعة من الأئمة والشيوخ، لكن كل ذلك سيتوقف نظرًا للحالة الراهنة.
وفي قطاع غزة الذي يعاني الحصار من سنين طويلة، تغيب مظاهر البهجة بحلول شهر رمضان المبارك عن قطاع غزة، الذي يعيش وضعا اقتصاديًّا صعبًا فاقمه انتشار فيروس “كورونا” المستجد”، وتدهور الأوضاع الاقتصادية بسبب الحصار الذي تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ 13 عاما.

حيث ازدادت نسبة البطالة بين أبناء القطاع، وباتت الحياة أصعب مما كانت عليه، عقب إغلاق منشآت اقتصادية قسرا، كانت تشغل آلاف العمال، حيث إن ما يزيد عن 45 ألف عامل فقدوا أعمالهم بسبب “كورونا”، إضافة إلى الخسائر الفادحة التي سيتكبدها أصحاب المنشآت الاقتصادية المغلقة”.

وفيما يتعلق بالقطاع السياحي من أكبر القطاعات المتضررة، وبلغت نسبة توقفه 100%، ويبلغ عدد العاملين في الانشطة ذات العلاقة بالقطاع السياحي في قطاع غزة نحو 8700 عامل.

ويرى اقتصاديون، أن القدرة الشرائية انخفضت إلى النصف، بسبب عدم وجود السيولة النقدية لدى المواطنين، والكثير من المحال التجارية أغلقت أبوابها وتكبد أصحابها خسائر فادحة.

وتتجاوز معدلات البطالة في قطاع غزة 50%، وبلغ عدد المتعطلين عن العمل أكثر من ربع مليون مواطن كما يقول الخبير الاقتصادي الطباع.

وبحسب البنك الدولي فإن معدلات البطالة في الشريط الساحلي تعتبر الأعلى عالميًّا.

كما ارتفعت معدلات البطالة بين فئة الشباب والخريجين في الفئة العمرية من (20-29 سنة) الحاصلين على مؤهل دبلوم متوسط أو بكالوريوس الى أكثر من 69%، علاوة على ارتفاع نسبة الفقر لتصل إلى 53%، فيما بلغت نسبة انعدام الأمن الغذائي لدى الأسر 68%، و80% من السكان يعتمدون على المساعدات الغذائية.

ومنذ بدء اتخاذ التدابير الاحترازية للحد من انتشار “كورونا” في قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من 13 عامًا، أغلقت المنشآت السياحية من مطاعم وفنادق واستراحات أبوابها.

وغابت في هذا العام المظاهر الرمضانية التي تضيف البهجة الى قلوب الغزيين تحديدا الأطفال، حيث المساجد مغلقة ولا صلوات فيها، وانعدام الولائم والعزائم والتزاور بين الناس، نتيجة للتباعد الاجتماعي، للحد من انتشار الفيروس، إضافة الى عدم مقدرة الكثير من الآباء على تلبية احتياجات أسرهم.

لكن هناك بعض المواطنين من أصروا على شراء “فوانيس” رمضان، وبعض أنواع الزينة الرمضانية المضيئة التي عرضها أصحاب المحال التجارية بطرق مختلفة لجلب الزبائن، ليدخلوا الفرحة إلى قلوب أطفالهم، بينما حال الوضع الاقتصادي دون تمكن آخرين من شرائها.

ربما يعجبك أيضا