رمضان لبنان الحزين…كورونا والغلاء يسرقان البهجة

مي فارس

رؤية – مي فارس

علنًا وبلا مواربة، يمكن اللبنانيين القول بالفم الملآن أن رمضان 2020 استثنائي بكل المعايير، وأنهم لم يشهدوا مثله في حياتهم ولا حتى سمعوا من أجدادهم عن ظروف مماثلة مرت عليهم خلال الشهر الفضيل.

لم تلبس شوارع بيروت زينة رمضان، فغابت القناديل التي كانت تعلق على أعمدة قلب العاصمة، ولم تضئ الأنوار شوارعه، وهجر الناس الأسواق.

وفرغت الجوامع من المصلين، ولم يتبق للعائلات إلا سقوف منازلها تلم الشمل حولها على موائد إفطار تبدل أيضًا شكلها.

فإلى وباء كورونا الذي فرض حجرًا على العالم بأسره وسرق أجواء العيد، تضيق أزمة اقتصادية خانقة لم يعرف لبنان مثيلًا لها في عز حروبه الطويلة، وغلاءٌ جنوني في الأسعار ضيق الخناق على العائلات واضطرها الى اختصار مآدبها الشهية في هذا الشهر، والاكتفاء بإفطارات عائلية محدودة.

لشهر رمضان المبارك تقاليد وعادات تراثية واجتماعية أصبحت جزءا من المظاهر المحبّبة والمألوفة في المدن اللبنانية، ولاسيما العاصمة بيروت، التي كانت تعتبر من المدن الزاهية وتزدان شوارعها بحلة العيد.

ولعل أبرز ما كان يميز العاصمة اللبنانية في هذا الشهر هو أنشطة مهرجان “رمضان بالساحة” التي كانت تحتضنها بيروت في “ساحة النجمة” التي تتحول إلى قرية رمضانية تجمع ثقافات وتقاليد متعددة، عبر فقرات وأنشطة متنوعة تناسب كل الأعمار.

منذ 2018، تتحول ساحة النجمة في رمضان إلى ملتقى حضارات مختلفة من خلال عرض لمطبخ وثقافات دول عربية وإسلامية، مثل بلاد الشام وشمال أفريقيا وشرق آسيا والخليج.

وكان يترافق ذلك مع عروض لفرق “الدراويش” وقصص يرويها الحكواتي، إضافة إلى “حزازير” رمضان وفقرات ترفيهية للأطفال ومعارض لحرفيين تزخر بأعمال يدوية.

ساحة النجمة هذه السنة مقفرة، وحتى البرلمان هجره نوابه إلى مقر الأونيسكو للوقاية من كورونا، أما الشوارع المتفرعة منها فعادت لتتحول إلى ساحات كر وفر بين المنتفضين ورجال الأمن، مع تحدي الانتفاضة إجراءات الوقاية من كورونا، للاحتجاج على التدهور الجنوني للوضع الاقتصادي.

أقفلت المطاعم التي كانت تتنافس في السنوات الماضية على إعداد الأطباق الرمضانية منذ بدء التعبئة العامة في الأسبوع الأول من آذار، واقتصرت نشاطات بعضها على خدمات التوصيل.

ولكن في ظل الضائقة الاقتصادية، باتت عائلات كثيرة تفضل تحضير أطباقها في المنزل.

ولأنه كان من الطبيعي أن ترتفع أسعار السلع والخضر في شهر رمضان، فإن الارتفاع استثنائي هذه السنة، مع استغلال التجار الفوضى التي تسود أسواق الصرف لرفع أسعار السلع بما يفوق قدرة اللبنانيين على تحملها.

فالحد الأدنى للأجور في لبنان لا يتجاوز 675 ألف ليرة أي ما يوازي 150 دولارًا بحسب سعر صرف العملة في السوق السوداء (الدولار يساوي 4000 ليرة لبنانية عند الصيارفة).

وفي المحال التجارية، باتت أسعار السلع تتبدل من يوم إلى آخر، وبلغ مثلًا سعر 300 جرام من الجبنة المحلية 9500 ليرة بارتفاع من 5500 قبل أقل من شهرين. وصار سعر كيلو الحامض خمسة آلاف ليرة.

لم يشهد لبنان في تاريخه ارتفاعًا جنونيًّا كهذا للأسعار ولا انهيارًا لقيمة عملته الوطنية، وصار راتب عاملة منزلية أعلى من الحد الأدنى للأجور.

وسط هذه الهموم المعيشية، باتت لقمة العيش هي الشغل الشاغل للبنانيين، حتى أنهم لم يعودوا مكترثين بإجراءات التعبئة العامة، بعدما التزموا الحجر المنزلي وإجراءات التباعد الاجتماعي طوال شهرين.

واليوم شارك مئات من  الغاضبين  في تشييع شاب قتل في أعمال شغب اندلعت ليل الإثنين-الثلاثاء في طرابلس بشمال لبنان، احتجاجًا على انهيار سعر العملة الذي أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار.

وفيما كان موكب التشييع يمر بشوارع المدينة، ألقى عشرات الغاضبين قنابل حارقة على واجهات مصارف ما أدى إلى إضرام النار في اثنين منها.

 وخرجت احتجاجات في مدن أخرى في لبنان ما أدى إلى سقوط عشرات الجرحى من المدنيين والقوى الأمنية التي سارعت إلى تفريق المحتجين.

وفي مقابل غياب المظاهر الرمضانية الاحتفالية، حافظ اللبنانيون على عادات دأبوا عليها في هذا الشهر ، وهي التبرع للمحتاجين، وانتشرت في المناطق المبادرات المحلية التي تجمع الملابس والمواد الغذائية للمحتاجين الذين يتكاثر عددهم في هذه الأزمة، ونشطت جمعيات على مواقع التواصل الاجتماعي لحض الميسورين على التبرع بملابس أو مال وحتى أطعمة لتقديمها لاحقًا للعائلات المحتاجة.

ربما يعجبك أيضا