ما بعد كورونا.. هل يصل الطموح الصيني إلى إضعاف الدولار؟

حسام عيد – محلل اقتصادي

قد تكون تداعيات جائحة كورونا الوبائية واسعة المدى، وربما تحدث تغييرات كبيرة في موازين القوى الاقتصادية الكبرى، لكنها لن تعصف بمن يهيمن على الاقتصاد العالمي، كما يروج البعض بأن الدولار الأمريكي سيفقد قدرته وقوته الشرائية الفائقة في التعاملات بمختلف الأسواق العالمية، مع استمرار الولايات المتحدة الأمريكية في ضخ حزم وتدابير اقتصادية للحد من الخسائر التي تتكبدها جراء الإغلاقات وتعطيل النشاط والحياة، وذهاب دول ومنظمات أخرى كـ”منظمة شنغهاي” للتخلي عن الدولار “عملة العالم” واعتماد العملات المحلية كـ”اليوان” في تعاملات أسواق المال والمبادلات التجارية والنفطية بين أعضائها.

ولكنها قد تخلق ما يسمى باقتصادات القوى الموازية، كالصين وروسيا والهند، ومن ثم البقاء رهينة نزاعات وحروب تجارية، الغلبة فيها للرسوم والعقوبات، والخسائر ستكون كبيرة ومشتركة لكلا الجانبين، وللعالم.

ويأتي ذلك بعد أعوام من قرار صرحت به بكين حول إمكانية تغيير عقودها الآجلة للنفط، لتكون باليوان بدلا من الدولار، مع ربط عملتها بأسعار الذهب، ما سيزعزع مكانة الدولار، حيث إن الصين تعد ثاني أكبر مستورد للخام في العالم.

دول منظمة شنغهاي يتخلون عن الدولار

وبما أن مواجهة الأزمة الحالية تركّزت على المستويين المحلي والحكومي، يرى كثير من المُفكّرين والسياسيين والخبراء الاقتصاديين أن هذا الوباء سيتسبَّب في تقوية الحكومات، لأن المواطنين ينظرون إلى حكوماتهم كالمُنقذ الوحيد من هذه الأزمة.

ويتوقع أن يسرّع هذا الوباء من الصراع القائم بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، فالأخيرة بدأت تتعافى من تأثير الوباء في الوقت الذي بدأت فيه الولايات المتحدة الأمريكية تفقد السيطرة مع ارتفاع أعداد الإصابات.

في شهر مارس الماضي اتخذت الدول الثماني الأعضاء في “منظمة شنغهاي” للتعاون (SCO)، التي تضمّ الصين والهند وروسيا وباكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، قرارًا لوضع خطة طريق لاعتماد العملات المحلية والوطنية في التبادل التجاري والاستثمار الثنائي وإصدار سندات، بدلاً من الدولار الأمريكي، وبالتالي تقوية اقتصادياتها.

وكانت روسيا بصفتها رئيس منظمة شنغهاي للتعاون، دعت إلى تقديم اقتراحات من جميع الدول الأعضاء للتجارة والاستثمار في العملات المحلية.

وفي سياق متصل تترقب كل من دول  إيران، وأفغانستان، وبيلاروسيا، ومنغوليا استثمار تجربة منظمة شنغهاي للتعاون – حال نجاحها – حيث  ترغب في أن تصبح عضوًا منتظمًا في المنظمة.

تنشيط المبادلات التجارية

وتقول التقارير إنه إذا بدأت التجارة والاستثمار بين الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون بالعملات الوطنية بدلًا عن الدولار، فستزيد التجارة وتقوى العملات الوطنية للدول الأعضاء، بما يعزز الاستثمار المتبادل.

ومنظمة شنغهاي للتعاون هي أكبر منظمة إقليمية في العالم من حيث التغطية الجغرافية والسكانية، وتغطي ثلاثة أخماس القارة الأوراسية، وما يقرب من نصف سكان الأرض.

وتتطلع الصين وروسيا والهند وتركيا، إلى جانب إيران والتي أنهكها الحصار الأمريكي، بشكل متزايد إلى إنشاء آليات تجارية بديلة وتجنب استخدام عملة العالم الأولى “الدولار”.

ويرجع ذلك جزئيًا إلى الطريقة التي تراقب بها الولايات المتحدة الآن جميع المعاملات المقومة بالدولار، ولكن أيضاً كوسيلة للتغلب على العقوبات المفروضة على دول مختلفة لتثبيط التجارة.

وتشمل الأمثلة روسيا، التي تتفاوض في التجارة مع تركيا بالروبل والليرة.

قوى موازية وحروب تجارية

لكن التقارير نفسها أكدت أنه إذا بدأت التجارة والاستثمار بين الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي بالعملات الوطنية، فسيكون ذلك بمثابة اختراق كبير.

فمنظمة شنغهاي لم يكن لها أي دور قوي منذ تأسيسها عام 1996، لكن القرار الأخير ربما يعيد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة لصدارة المشهد في العلاقات بين البلدين بعد أن هدأت قليلًا باتفاق جزئي قبل أزمة كورونا.

ويعني لجوء الهند والصين وروسيا إلى اعتماد العملات المحلية والوطنية في التبادل التجاري والاستثمار الثنائي وإصدار سندات، بدلاً من الدولار الأمريكي، ما ينهي عقوداً طويلة من الهيمنة الأمريكية على العالم في التجارة و​الذهب​ والتعاملات النفطية، بحسب ما أوردته شركة خدمات التحليل الاستراتيجي عبر أوراسيا “سيلك روود”.

أهمية هذه الخطوة وأثرها يتأتيان من كون الدول المذكورة تشكل ثقلاً سكانياً عالمياً يتجاوز نصف سكان العالم، وتحوز على قدرات وموارد اقتصادية وثروات نفطية وغازية ومعدنية هائلة وتملك التقنيات المتطورة في التكنولوجيا، والأبحاث العلمية، وتحوز على قدرات عسكرية منافسة بقوة للقوة الأمريكية الغربية، ما يجعل القرار له أثر كبير على التبادلات التجارية، ويؤدّي إلى تراجع كبير في اعتماد الدولار في العلاقات التجارية بحجم ما لهذه الدول من وزن ودور في ​الاقتصاد العالمي​.

من هنا فإنّ نتائج حرب كورونا سوف تشكل محطة فاصلة في تاريخ العالم، وتكرّس التحوّلات الدولية وموازين القوى الجديدة وبالتالي إعادة بناء النظام العالمي على أساس هذه الموازين التي تفرض التعددية في العلاقات الدولية بديلا من الأحادية.

الصين وطموح الريادة

وتخطط الصين إلى أن تصل حصتها من الناتج المحلي العالمي في 2025 إلى نحو 32 % من إجمالي إنتاج العالم، أي تساهم بثلث الاقتصاد العالمي تقريبًا -هي الآن تشكل أكثر من 15% من الاقتصاد العالمي – وهي تهدف إلى إزاحة أمريكا من سدة الريادة الاقتصادية.

ومع اكتساب اليوان الصيني سمعة الدولار الأمريكي في الاستقرار، التي يدعمها ضخامة وسيولة سندات الخزانة الأمريكية، تسعى الصين جاهدةً لتحويل عملتها “اليوان” إلى “عملة عالمية”، ما سيمنحها مزيداً من السيطرة على اقتصادها، مع تنامي قوتها الاقتصادية.

ويبدو أنّ مشروع منافسة عُملات أخرى للدولار الأمريكي المُهيمن بدأ بالفعل، فعلى مدى 600 عام الماضية، وُجِدت ست عملات احتياطية عالمية مختلفة، تسيطر عليها القوى العظمى العالمية، وهيمن فيها الدولار الأمريكي على العملات العالمية لنحو 88 عامًا.

وفي 2018، أعطى صندوق النقد الدولي الضوء الأخضر رسميًا لقبول العملة الصينية، اليوان، في سلة النقد الأجنبي للصندوق، وهذه الخطوة ربما تمهّد الطريق أمام الصندوق لوضع اليوان ربما “على قدم المساواة” مع الدولار الأمريكي.

ويحذّر البعض من أن أي تحرُّك من قِبل صندوق النقد الدولي لإحلال عملات أخرى محل الدولار الأمريكي قد “يكون كارثياً” على الاستثمارات الأمريكية. والآن، اتخذ صندوق النقد الدولي الخطوة الأولى.

ووفقاً لما أوردته صحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن قرار صندوق النقد الدولي بإعطاء الضوء الأخضر رسمياً لقبول العملة الصينية، اليوان، في سلة النقد الأجنبي الخاصة بالصندوق ستكون المرة الأولى في التاريخ التي يوسِّع فيها الصندوق عدد العملات الأجنبية، وهذا يعني أن عملة الصين ربما تصبح الآن بديلاً عالمياً قابلاً للحياة للدولار الأمريكي.

هل يمكن لليوان استبدال الدولار؟

قال ستيوارت أوكلي، المدير العام لشركة نومورا، في مقال كتبه عام 2013، “الصين تمتلك 5 تريليونات دولار من احتياطيات البنك المركزي غير المخصصة، ويمكن أن تكون هذه باليوان. ومع إنشاء مزيد من خطوط المقايضة الثنائية وتحرُّك بكين أكثر في مسارها لتحرير سوق رأس المال ستزداد شهية البنوك المركزية لامتلاك هذه العملة”.

وأضاف، “السؤال الأهم: هل يمكن أن يؤدي طموح الصين في جعل اليوان العملة العالمية إلى انهيار الدولار؟ على الأغلب لا. بدلاً من ذلك، ستكون عملية طويلة وبطيئة تؤدي إلى انخفاض الدولار، لا الانهيار”.

ربما يعجبك أيضا