اتفاق جانتس ونتنياهو .. استثمار لأزمة كورونا وقرار المحكمة العليا

محمد عبد الدايم

د.محمد عبدالدايم

أعلن بيني جانتس الرئيس الجديد للكنيست عن بلورة اتفاق لتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، بمشاركة بنيامين نتنياهو، تكون بمثابة حكومة “طوارئ وطنية”، لمدة ثلاث سنوات. 

جاء إعلان جانتس مساء يوم 20 أبريل، الذي وافق إقامة مراسم “ذكرة المحرقة والبطولة” التي تحيي فيها إسرائيل ذكرى ضحايا اليهود على يد النظام النازي إبان الحرب العالمية الثانية، وجاء اتفاق جانتس مع نتنياهو على خلاف اتفاقه مع رفاقه في تكتل كاحول لافان، وهو ما أدى لحل التكتل، وشروع جانتس في مفاوضات تشكيل الحكومة بصفته رئيس حزب حوسن ليسرائيل (مناعة لإسرائيل) وليس بصفته رئيس تكتل كاحول لافان.

الأولوية لكورونا والضم

في مقدمة الاتفاق أُعلِن أن الحكومة المزمع تشكيلها ستولي أولوية لمواجهة أزمة كورونا على المستويات الصحية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك خلال الشهور الستة الأولى التي ستمنح للحكومة اسم حكومة “طوارئ”، فلا إصدار لقوانين مهمة سوى ما يتعلق بالميزانية العامة، والقرار الأحادي بضم أراضي الضفة الغربية.

توزيع الحقائب

وفقًا للاتفاق؛ يتولى بنيامين نتنياهو، رئاسة الحكومة لمدة عام ونصف، ثم يترك منصبه لبيني جانتس الذي يتولى – تحت قيادة نتنياهو – حقيبة الدفاع بعدما يترك رئاسة الكنيست لأحد أعضاء حزب هاليكود، أما بقية الوزرات المهمة فيكون تشكيلها كالتالي:

الخارجية: جابي أشكنازي.
المالية: يسرائيل كاتس (هاليكود)
الاقتصاد: عمير بيرتس (هاعفودا)
القضاء: آفي نيسكورون (حوسن ليسرائيل)
الصحة: يعقوف ليتسمان (يهدوت هاتوراه)
الداخلية: أرييه درعي (شاس)

كما جاء الاتفاق بضمان حق الفيتو لنتنياهو، للاعتراض على تعيين المستشار القانوني للحكومة، والنائب العام الإسرائيلي، ويكون ممثل إسرائيل بالأمم المتحدة أحد أعضاء حزب هاليكود.

في المجمل جاء الاتفاق بتشكيل حكومة من 36 وزارة، وهو عدد كبير، يشارك فيها أحزاب هاليكود، حوسن ليسرائيل، هاعفودا، يهدوت هاتوراه، شاس، أي إن نتنياهو قد فك الارتباط مع تكتل يمينا الذي يضم أحزاب هايمين هاحداش (اليمين الجديد)، هابيت هايهودي (البيت اليهودي)، هاإيحود هالئومي (الاتحاد القومي)، وبالنسبة لجانتس فقد فك الارتباط مع تكتل كاحول لافان، وعلى رأسه يائير لابيد رئيس حزب ييش عاتيد (يوجد مستقبل)، وموشيه يعلون رئيس حزب تيلم (حركة قومية رسمية)، وهؤلاء جميعا ينضمون لصفوف الناقمين على الثنائي نتنياهو وجانتس، وفي مقدمتهم أفيجادور ليبرمان رئيس حزب يسرائيل بيتينو (إسرائيل بيتنا) والقائمة العربية المشتركة.

ضم الضفة في أسرع وقت

رغم أن تحرك جانتس لمشاركة الحكومة مع نتنياهو بسبب جائحة كورونا وما سببته من مشكلات صحية واقتصادية في إسرائيل؛ فإن تشكيل الحكومة التي سيمضي من خلالها نتنياهو ولايته الخامس هدفها الرئيس هو فرض السيادة الإسرائيلية على مستوطنات الضفة الغربية، في يوليو القادم، دون انتظار الانتخابات الأمريكية ومعرفة مصير ترامب، ودون الدخول في مفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

استفادة نتنياهو من الوباء

فيما يخص مواجهة كورونا، فقد تمكنت حكومة نتنياهو من احتواء الأزمة بشكل معقول، فالإحصائيات تشير إل أن نسبة الوفيات مقارنة بحجم المصابين قليلة، كما أن إسرائيل أخذت قرارات بالخروج التدريجي والعودة إلى الحياة الطبيعية ودوران عجلة الاقتصاد.

استثمر نتنياهو وباء الكورونا بأفضل الطرق الممكنة، حيث ضغط لاستمرار التواجد في الحكومة الجديدة، وظهر أمام الجمهور الإسرائيلي بصفته رجل الدولة ووجهها الوحيد، كما أخضع جانتس وفكك تكتل كاحول لافان، كما تخلص من ضغوط ليبرمان.

في الظروف الحالية، يمكن القول إن نتنياهو قد نجح في فرض أيديولوجيته على الجميع، بانتهاج أفكار اليمين العلماني الشعبوي القائم على سياسة شخص وأحد يحارب الجميع ويهادن الجميع من أجل تأكيد وجوده، وفي الوقت نفسه يصر على سياسة سلب الحقوق الفلسطينية والعربية، بالإصرار على ضم الضفة، والإعلان عن تمير قانون بالضم في يوليو القادم، والتأكيد على “قانون القومية.

نجح نتنياهو في استثمار وباء الكورنا ليضغط على جانتس بعدم تقديم قانون يمنعه من تولي مناصب حكومية، ويسعى لتحصين نفسه أمام القضاء باتفاقيات وقوانين، تضمن له كرسي الوزارة، وتضمن له البقاء كرئيس حكومة ثم وزير (إن صدق وترك الرئاسة لجانتس بعد عام ونصف) برغم لائحة الاتهام.

اتفاق جانتس مع نتنياهو ضمن للأخير تحطيم الأحزاب المعارضة والتكتلات، فحزب هاعفودا يقترب من غلق أبوابه، وييش عاتيد أصبح وحيدًا بعد تفكيك كاحول لافان، خصوصًا وأن تيليم برئاسة موشيه يعلون في طريقه للانزواء مع خروج عضوين منه لتشكيل حزب جديد ينضم إلى حكومة نتنياهو- جانتس، فيما تفكك الحلف بين هاعفودا وميرتس وجيشر، وانضمت أورلي ليفي أفيقاسيس رئيسة حزب جيشر إلى الداعمين لنتنياهو، فيما بقي ليبرمان وحيدًا.

ربما تكون الفترة السابقة، ابتداء من العام 2019 أكثر الفترات التي شكلت تحديًا لحزب هاليكود، لكنها في الأخير لم تكن تحديات قادرة على إسقاطه، بل يمكن القول إنه قد عاد من جديد ليصبح الحزب الأقوى، ويتضاءل خصومه أمامه، وسيظل هكذا في الصدارة طالما نتنياهو في المقدمة.

مواجهة مقبلة مع المحكمة العليا

هذا الاتفاق بين الثنائي نتنياهو وجانتس يعالج تفاصيل كثيرة، وتعديلات على قوانين “أساس”، مما يجعله عرضة للإلغاء على يد المحكمة العليا الإسرائيلية، بالتالي الذهاب لانتخابات رابعة، وبالفعل قدمت مجموعة من التكتلات السياسية والحركات والشخصيات العامة بالتماسات إلى رئيسة المحكمة العليا إستير حيوت ضد اتفاق تشكيل الحكومة، باعتبار أن نتنياهو متهم بالفساد وبصدد الوقوف أمام القضاء.

أعلنت رئيسة المحكمة العليا، القاضية إستر حيوت، أن هيئة القضاة الموسعة ستنظر يوم الأحد المقبل الالتماسات ضد تشكيل نتنياهو للحكومة، فيما تنظر يوم الإثنين في أمر الاتفاق الائتلافي بين هاليكود وبيني جانتس، كما أعلنت حيوت أن المحكمة العليا ستنعقد بتشكيلة موسعة تضم 11 قاضيًا، بوجود حيوت في الرئاسة ومعها نائب الرئيسة حنان ميلتسر، والقضاة: نيل هندل وعوزي فوغلمان ويتسحاق عميت وناعوم سولبرج ودفناه باراك إيريز وميِني (مناحم) مازوز وعنات بارون وجورج قرا ودافيد مينتس. كما من من المتوقع أن تُبَث جلسات المحكمة العليا على الهواء مباشرة، فيما سمحت المحكمة للمستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت بتقديم موقفه القانوني في موعد أقصاه الخميس المقبل.

وفي رد فعله على إعلان المحكمة النظر في الالتماسات طالب نتنياهو برفض الدعاوى المقدمة ضده وضد اتفاق الائتلاف، وصرح بأنها “تشكل محاولة لجرّ المحكمة إلى المساس بالنظام الدستوري، وبحق الجماهير في اختيار من يقودها، وليس للمحكمة صلاحية رفضه كشخص اختاره الجمهور”.

وحذر حزب هاليكود من استخدام لوائح الاتهام ضد نتنياهو، من قبل القضاء كذريعة للملاحقة السياسية لشخصية انتخبها الجمهور، ودافع مندوبو الحزب عن الاتفاق باعتباره جاء في “ظل ظروف استثنائية بعد ثلاث جولات انتخابية لم تسفر عن حسم وفي وقت طوارئ، ويعتبر تسوية سياسية للوصول إلى حكومة واستقرار سياسي”، وكذلك طالب ممثلون عن جانتس بإسقاط الدعاوى لأن حالة “الطوارئ” أوجبت هذا الاتفاق بالتناوب.

إذا ما قررت المحكمة العليا قبول الدعاوى وأصدرت قرارا ضد اتفاق نتنياهو- جانتس، فإن هذا من شأنه أن يسبب معركة كبيرة بين الجهاز القضائي والحكومة، ومن شأنه أن يجر إسرائيل إلى انتخابات رابعة، لكن رغم الزوبعة الكبيرة التي أثارتها المحكمة العليا بإعلان النظر في الدعاوى والالتماسات يبدو من المستبعد أن تُصدر قرارا حاسمًا برفض اتفاق الائتلاف، على أن يُعلن التشكيل النهائي وموعد تقديم الحكومة خلال الأسبوعين الأولين من مايو المقبل.

ربما يعجبك أيضا