في زمن “كورونا”.. العلاقات الإسرائيلية الصينية تحت أعين الولايات المتحدة

محمد عبد الدايم

كتب – د. محمد عبدالدايم

دفع تفشي فيروس كورونا إلى إعلان أغلب دول العالم تطبيق إجراءات العزل الكامل والإغلاق الكلي المتمثل في إيقاف حركة الطيران باستثناء تسيير رحلات إجلاء العالقين في دول أخرى، أو رحلات توفير مستلزمات طبية وأدوات وقاية شابها حالات سرقة وأعمال سرية لأجهزة استخبارات.

في إطار تحركاتها لمكافحة تفشي الوباء تحركت أجهزة الحكومة الإسرائيلية لتوفير كميات كبيرة من المعدات الطبية والمستلزمات، تشمل أقنعة جراحية وبدلات واقية وأجهزة تنفس صناعي، وأعلنت إسرائيل عن التنسيق بين وزارة الخارجية وبين شركة إل عال للطيران وشركة إسرائيل للكيماويات من أجل توفير مستلزمات المنظومة الصحية في مواجهة الفيروس.

بالإضافة إلى تكليف الموساد بتوفير المعدات الطبية من دول لم تشر التقارير إلى أسمائها أو طرق الموساد في الحصول على ما يكفي لمكافحة الوباء حتى تعود الحياة إلى طبيعتها.

الصين الداعم الأكبر

تعتبر الصين من بين الدول الأكثر تعاونًا مع إسرائيل في هذا الشأن، فقد نقلت تقارير إعلامية أن إسرائيل سيّرت في إبريل 11 طائرة تابعة لشركة إل عال من أجل نقل كميات هائلة من المعدات الطبية المنتجة بالصين، بمعدل طائرتين يوميا لمدة أسبوع.

بدأت إسرائيل بعد انتهاء أيام عيد الفصح والاحتفال بذكرى “يوم البطولة والمحرقة” في إجراءات تخفيف العزل والإغلاق، وأعلنت فتح الشركات والمحلات، ثم تقرر عودة الدراسة ابتداء من هذا الأسبوع، في الوقت الذي تتحرك فيه الحكومة لتقصي الآثار الاقتصادية السلبية الناجمة عن تفشي الوباء، مع التحرك لتنشيط منظومة الاقتصاد بالداخل والاستثمارات الخارجية مع دول عديدة، ومنها الصين.

تشير التوقعات إلى حدوث ضرر كبير محتمل في الاقتصاد الصيني وبالتالي العالمي، لأن الصين أصبحت تمثل حجر أساس ومركزية قوية للاقتصاد والتجارة العالمية، وتأثرها بتداعيات كورونا يمكن أن يضعف النمو العالمي.

لا شك أن الصين تتمتع الآن بقوة اقتصادية هائلة جعلتها واحدة من الكيانات الكبيرة بالعالم، وبالتأكيد سيكون لتفشي كورونا تداعيات اقتصادية على معدلات النمو الصينية، وتأثيرات على مستوى علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع إسرائيل التي بدأت في حساب مستوى الخسائر جراء الوباء ومعالجة الآثار الناجمة عنه، عبر معالجة انخفاض نسبة النمو وزيادة البطالة وتراجع الاستثمارات والصادرات.

العلاقات الصينية الإسرائيلية

شهدت العلاقات الصينية الإسرائيلية صعودًا وهبوطًا منذ خمسينيات القرن الماضي حتى استقرت في التسعينيات بالتطبيع الكامل بين الطرفين، وتوطدت العلاقات بن الطرفين خصوصًا في مجالات التجارة، والتبادل السياحي، وبالطبع تركزت العلاقات في مجال التعاون العسكري، خصوصا مع الحاجة الصينية الملحة لمصادر سلاح، والتقدم الإسرائيلي المطرد في إنتاجه وبيعه.

من أبرز محطات العلاقات المتبادلة بين الطرفين زيارة بنيامين نتنياهو إلى الصين في مارس 2017، وتوقيعه لاتفاقيات تجارية واستثمارات بلغت في حينه نحو 25 مليار دولار.

صفقات السلاح تحديدًا بين إسرائيل والصين كانت تتوارى خلف ستار من السرية، ولكن في منتصف سنوات التسعينيات بدأ تحول الصين إلى إسرائيل بصفتها مورد جيد للسلاح، مما أغضب الإدارة الأمريكية، باعتبار أن العلاقات العسكرية بين الصين وإسرائيل يشكل تهديدًا للولايات المتحدة في حربها الباردة مع الصين.

لكن؛ بالحديث عن الصادرات الإسرائيلية إلى الصين؛ فإنها شهدت نموًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، بلغ ذروته في 2018، حتى أصبحت الصين ثالث أكبر سوق للصادرات الإسرائيلية بعد الولايات المتحدة وبريطانيا، وفقًا لبيانات معهد التصدير الإسرائيلي.

بشكل عام فإن أهم عشرة أسواق للصادرات الإسرائيلية (باستثناء السلاح والماس) هي: الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وهولندا وتركيا وألمانيا وفرنسا والهند والبرازيل وإسبانيا، وفي المقابل أصبحت إسرائيل في نهاية 2019 أكبر سوق للواردات الصينية.

مدخول إسرائيل من الصين

رغم أن الصين أصبحت واحدة من الأسواق الواعدة بالنسبة للمنتجات الإسرائيلية؛ فإن التأثيرات السلبية لوباء الكورونا يبدو أنها لن تكون كبيرة على المدى الطويل، وفقا لمعطيات التبادل التجاري بين البلدين.

في عام 2018 وصلت مكاسب إسرائيل من صادراتها التجارية للصين إلى ذروتها، وفي العام التالي 2019 انخفضت المكاسب بنسبة 3% لتصل إلى نحو 4.6 مليار دولار (دون حساب مكاسب صادراتها من الماس)، ومن أهم صادرات إسرائيل للصين المكونات الإلكترونية ومعدات الاتصال التي تشكل 50% من الصادرات، إضافة إلى مواد كيميائية ومعادن، ومعدات زراعية وأدوات تحكم وقياس صناعي.

أما صادرات إسرائيل إلى الصين المتمثلة في خدمات الأعمال فتتمثل بشكل أساسي في صادرات البحث والتطوير وخدمات الحوسبة والإلكترونيات والبرمجيات، وبلغت في 2019 نحو 735 مليون دولار بزيادة نحو 9% عن نسبتها في 2018.

أما عن السياحة الصينية إلى إسرائيل ففي 2019 بلغ عدد السياح  ذوي الجنسية الصينية نحو 156 ألف بزيادة تقدر ب نحو 37% عن العام 2018، وتعتبر السياحة مصدرًا مهما للدخل في إسرائيل.

في ظل التطورات الأخيرة، وتوقعات انكماش الاقتصاد الصيني يمكن أن تتأثر التجارة مع دولة الإمبراطور الصيني باعتبارها وجهة مهمة للصادرات الإسرائيلية، لكن على المدى البعيد قد لا يمثل الأمر مشكلة كبيرة لإسرائيل التي تنشط في تصدير مكونات إلكترونية (خصوصًا الرقائق الإلكترونية الدقيقة والمعالجات)، وهذه المكونات تدخل في صناعة الأجهزة الإلكترونية التي تغزو العالم كله.

وتعتبر الصين واحدة من محطات إنتاج المعدات الإلكترونية، لكنها ليست الوحيدة في آسيا، حيث تملك الشركات العالمية محطات إنتاج أخرى يمكنها أن تستوعب الصادرات الإسرائيلية من المكونات الإلكترونية إذا ما تباطأ الطلب الصيني عليها.

من المهم أيضا الإشارة إلى أن مدخول شركة انتل إسرائيل (Intel) من تصدير المكونات الإلكترونية محسوب سلفا، فأسواقها محددة من خلال خطط عمل وتوقعات مُعدة للتعامل مع أية تقلبات اقتصادية.

أما صادرات إسرائيل من المواد الكيميائية والمعدات الزراعية والمعادن فليست مهدَدة بشكل كبير على المدى المتوسط، باعتبار أن عقود توريدها للصين موقعة في وقت سابق، وليست خاضعة للتقلبات قصيرة الأجل.

بالنسبة للسياحة، فمن المؤكد أن يتأثر المدخول الإسرائيلي من السياحة الصينية، وعدد السياح الصينيين القادمين إلى إسرائيل هو الأكبر على مستوى دول آسيا، ولكن رغم هذا ؛ فإنهم لا يشكلون سوى نسبة لا تتعدى 3.4% من نسبة السياح القادمين لإسرائيل من جنسيات أخرى.

يتأثر تصدير خدمات الأعمال الإسرائيلية إلى الصين بما يحدث لمراكز البحث والتطوير التابعة لشركات التكنولوجيا الصينية العاملة بإسرائيل، لكن هذا النشاط لا يتأثر بشكل مباشر بالحجر الصحي وتوقف الطيران والنقل، وإنما يتأثر بضعف أو تباطؤ نشاط الشركات الأم، وهذا ليس متوقعًا على المدى البعيد، بل يُتوقع زيادة حركة هذه المراكز ما إن تعود الحياة في إسرائيل إلى طبيعتها.

مدخول الصين من إسرائيل

وفقًا لمعهد التصدير الإسرائيلي؛ فقد بلغ مقابل واردات إسرائيل من الصين 11 مليار دولار، وتبلغ الواردات نسبة زيادة سنوية تقدر بنحو 10% منذ 2009.

بشكل عام تستورد إسرائيل من الصين آلات كهربائية ومعدات ميكانيكية وحاسوبية وحديد وصلب ومواد كيميائية عضوية بالإضافة إلى الملابس ومنتجات استهلاكية.

من الجدير بالذكر أن موقع علي إكسبريس التابع لشركة علي بابا يقدر إسرائيل كواحدة من أسواقه الرائدة على مستوى العالم، ويشهد إقبالا متزايدًا، ما دفع شركة علي بابا لشراء عدد من الشركات الصغيرة في إسرائيل، بالإضافة إلى إنشاء مراكز للأبحاث في تل أبيب.

استئناف التعاون بعد نهاية الإغلاق

إضافة إلى الرحلات التي سيرتها شركة إل عال إلى الصين لجلب المستلزمات الطبية؛ فإنه من المتوقع أن تكثف إسرائيل من نشاطها التجاري معها بمجرد عودة حركة الطيران، خصوصًا وأن متانة العلاقات التجارية بين الطرفين جعلت كلا منهما يعتمد بشكل رئيسي على الآخر، فالسوق الإسرائيلية تنتظر البضائع الصينية.

ظهرت الكورونا في الصين أولًا، وساعدها على بدء التعافي أنها طبقت الإغلاق الكلي بشكل صارم، كما أن توقيت تفشي الوباء جاء متوافقًا مع إغلاق كثير من المصانع بالصين بمناسبة عطلة نهاية العام، وقد حال هذا دون الإضرار الخطير بالاقتصاد الصيني، لأن العملاء في الصين وخارجها، بما فيها إسرائيل، قد اشتروا المنتج الصيني مقدمًا.

 ومع ذلك؛ فبالتأكيد تأثرت الصين بشدة من جراء الأزمة. وشهد يناير وفبراير انخفاضًا بنسبة  في مبيعات التجزئة مقارنة بعام 2019 ، وتراجعًا الإنتاج الصناعي والاستثمارات، وانخفاضًا في مبيعات السيارات، وتجميدًا في سوق السياحة، لكن استطلاعات الرأي تظهر توقعات بشفاء كبير وفي المقابل بدأت المصانع الصينية في العمل بشكل مكثف لتعويض فترة الإغلاق وأصبحت في أمس الحاجة للمنتجات الإسرائيلية، خصوصًا من المكونات الإلكترونية.

إمكانية زيادة الاستثمارات

في حوار نشره موقع ماكور ريشون مؤخرًا في إبريل، تحدث السفير الصيني لدى إسرائيل، داي يومينج، عن “إمكانية زيادة الاستثمارات مع إسرائيل، لأنها في الوقت الحالي لا تمثل سوى نسبة 0.4% من مجموع الاستثمارات الدولية للصين، وتنفتح الصين على تبادل كبير للمنافع مع إسرائيل دون أجندة جيوسياسية”.

تجنب غضب الإدارة الامريكية

في الأيام الماضية نقلت مصادر إسرائيلية أن مسئولين بالإدارة الأمريكية نقلوا تحذيرات للحكومة الإسرائيلية، لمراقبة الاستثمارات الخارجية، كيلا تتجه نحو السوق الصينية، خصوصًا في فترة الانكماش الاقتصادي التي يعيشها العالم حاليا.

ليس هذا التحذير الأول الذي تتلقاه الحكومات الإسرائيلية، فمنذ بدأت العلاقات الإسرائيلية الصينية في الازدهار بشكل علني في تسعينيات القرن الماضي كانت الإدارة الأمريكية توجه تحذيرات دائمة لإسرائيل لأنها تصدر أسلحة للصين، وتفتح معها علاقات تجارية تهدد النفوذ الأمريكي، لأن إسرائيل بهذا التعاون مع الصين تسمح لها بلعب أدوار عالمية أكبر وتقف ندًا للولايات المتحدة في آسيا أو في الشرق الأوسط.
من الواضح أن كلا الطرفين، إسرائيل والصين، يسعيان لزيادة الاستثمارات المتبادلة، فقد أصبحت إسرائيل في 2015 عضوًا في البنك الأسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) الذي أنشأته الصين عام 2014، ويضم الآن 78 دولة، ليس من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، وهو البنك الذي يعد داعمًا رئيسًا لمبادرة الحزام والطريق التي تثير مخاوف الإدارة الأمريكية ودول غربية.

بشكل عام؛ يشكل التعاون الكبير بين إسرائيل والصين نقطة خلاف كبيرة مع الولايات المتحدة، باعتبار أنها الداعم الأول لإسرائيل، بينما تعتبر الإدارة الأمريكية أن الصين تشكل تهديدًا كبيرًا لمصالحها الاقتصادية والسياسية، ناهيك عن اتهام ترامب للصين بأنها تعمدت نشر وباء الكورونا في العالم.  

في يناير الماضي، وقعت الولايات المتحدة والصين على “اتفاقية مؤقتة”، تمثل مرحلة أولى على طريق توقيع اتفاق شامل لإنهاء الحرب التجارية بينهما، ولكن تشير تداعيات الكورونا، إلى صعوبة تحول الاتفاق إلى دائم، مع استمرار اتهام ترامب للصين بالمسئولية عن تصدير الكورونا للعالم، وعدم تراجعه عن اتهاماته السابقة لها بالتجسس الصناعي وسرقة التقنيات الرقمية وحقوق الملكيات الفكرية.

بعد توقيع اتفاق يناير بين الولايات المتحدة والصين نشر معهد دراسات الأمن القومي تقريرًا عن تأثير هذا الاتفاق على مستقبل العلاقات الإسرائيلية الصينية، وحث كاتبا التقرير “دورون إيليه” و”شيرا عفرون” على ضرورة أن تنتهج إسرائيل سياسة متوازنة، بالتعاون مع الصين دون الإضرار بالعلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، مع ضرورة تحديد السياسة المثلى تجاه الصين، التي يعطي التعاون معها دعمًا كبيرًا للاقتصاد الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه تمثل الصين منافسًا كبيرًا لإسرائيل في مجال الإلكترونيات والتكنولوجيا، فيما تمثل الولايات المتحدة الكفيل الاستراتيجي الأهم، والذي لا يمكن التهور بإغضابه وخسارته.

ربما يعجبك أيضا