الحكومة الإسرائيلية على أعتاب حلف اليمين ..”الملك بيبي” يترك حلفاءه

محمد عبد الدايم
د محمد عبدالدايم
خلافات كبيرة، انتخابات متعاقبة دون تشكيل حكومة، استقالات وانشقاقات، قيام أحزاب وانزواء أخرى، تغييرات كثيرة على مدى عام ونصف، صدامات بين كيانات سياسية، وتحالفات بين أخرى، حتى أصبحت الحكومة الإسرائيلية الجديدة أخيرًا على أعتاب حلف اليمين.

تحولات درامية في إبريل ومايو بعد انتخابات الكنيست الـ 23، في مقدمتها انشقاق بيني جانتس بحزبه حوسن ليسرائيل (مناعة لإسرائيل) عن تكتل كاحول لافان (أزرق أبيض)  الذي أوصله للكنيست، ليعلن عن مفاوضات تشكيل مع بنيامين نتنياهو بالتناوب بينهما على رئاستها.

بالنسبة لجانتس فقد خرج من تكتل كاحول لافان وقد خسر حلفاءه، وعلى رأسهم يائير لابيد وموشيه يعلون، في الوقت الذي ظل بنيامين نتنياهو مستندًا بظهره إلى حلفائه من بلوك اليمين إلى آخر لحظة.
غضب قيادات هاليكود يؤجل القسم
كان من المفترض أن يُعلن نتنياهو عن انتهاء مشاوراته مع جانتس بشأن تشكيل الحكومة الأكبر عددًا في تاريخ إسرائيل، وبعدما تقرر أن يكون حلف الوزراء لليمين القانونية مساء يوم الخميس الماضي، تراجع بيبي فجأة وأعلن اتفاقه مع جانتس على تأجيل أداء الحكومة الجديدة للقسم إلى يوم الأحد هذا الأسبوع.
التأجيل المفاجئ كان سببه تململ أعضاء هاليكود ممن لم يحظوا بحقائب وزارية في الحكومة الجديدة، وإعلان بعض القيادات بالحزب عزمهم عدم التصويت بالموافقة على توزيع الحقائب الوزارية وتشكيل الحكومة بالتناوب مع بيني جانتس.
على رأس المعارضين على توزيع نصيب هاليكود من الحقائب الوزارية القيادي بالحزب آفي ديختر أحد القيادات الكبيرة بالحزب، والذي أعلن مقاطعته لمراسم حلف اليمين لأن بيبي لم يمنحه حقيبة وزارية، وكذلك عضو الكنيست تساحي هانجفي الذي تولى دائما مناصب وزارية في كل حكومات هاليكود منذ 1996، وأعلن هو الآخر مقاطعته مراسم اليمين لأن نتنياهو لم يمنحه حقيبة هذه المرة.
ربما هذه ليست المرة الأولى التي تظهر فيها معارضة داخل هاليكود على سياسة نتنياهو، لكن هذه المرة ظهر غضب المعترضين على توزيع الحقائب حتى إن نتنياهو اضطر لإلغاء حلف اليمين بعد أن استعد الجميع لرؤية الحكومة الإسرائيلية الجديدة، حتى أن بيني جانتس أعلن استقالته من رئاسة الكنيست، مثلما اتفق مع نتنياهو، ليتقلد منصبا وزاريا بجانب منصب نائب رئيس الوزراء، على أن يعود منصب رئاسة الكنيست إلى هاليكود.
يامينا في المعارضة

إلغاء مراسم حلف اليمين دال على الغضب الشديد على نتنياهو من كوادر كبيرة بالحزب، وفي الوقت نفسه أعلن كل من نفتالي بينط وأييلت شاقيد مؤسسا حزب هايمين هاحداش (اليمين الجديد)، وبتسلئيل سموتريتش رئيس حزب هاإيحود هاللئومي (الاتحاد القومي) رفضهما المشاركة في الحكومة الجديدة، وأعلنوا انضمامهم إلى صفوف المعارضة.

شكّلت أحزاب هايمين هاحداش وهاإيحود هالئومي مع حزب هابيت هايهودي (البيت اليهودي) تكتل يامينا (إلى اليمين) وظل هذا التكتل حليفا لبيبي حتى الخلاف على توزيع الحقائب في حكومة نتنياهو – جانتس.

بعد محادثات طويلة بين نتنياهو من جانب، وحلفائه من اليمين الديني والحريديم، أُعلن أن حزبي يهدوت هاتوراه وشاس سيشاركان في الحكومة الجديدة، بينما فشلت محاولات التقريب بين بيبي وتكتل يامينا ليخرج الثلاثي بينط وشاقيد وسموتريتش في مؤتمر صحفي يعلنوا فيه أن نتنياهو عمل كسارق في الليل، ليضمن وجوده في الحكومة، بدلا من تشكيل وزارة من اليمين مثلما وعد، لأنه كما قال بينط: “يهتم بالكرسي وليس الأيديولوجيا”.

رافي بيرتس يقوض تحالف يامينا

استمر تبادل الهجوم بين هاليكود ويامينا، وفجأة أعلن الحاخام رافي بيرتس رئيس حزب هاإيحود هالئومي ووزير التعليم في حكومة تسيير الأعمال انفصاله بحزبه عن تكتل يامينا وموافقته على الدخول في حكومة نتنياهو – جانتس ليمسك وزارة شئون القدس والتراث. بالإضافة إلى تعيينه مراقبا في الحكومة الإسرائيلية، وعضوا في “اللجنة الوزارية لشؤون التشريع”، ومسئولا عن ضخ ميزانيات لجهاز التعليم اليهودي المُتدين.

خسارة الوزارات المهمة
من المفهوم أن كلا من بينت وشاقيد تحديدا كانا يطمعان في وزارتين مهمتين سياديتين، وهي المطامع التي تفوق حجم وجود حزبهما في الكنيست الحالي، والآن خسر بينت وزارة الدفاع التي يشغلها في حكومة تسيير الأعمال، وخسرت شاقيد فرصة العودة إلى وزارة القضاء أو أية وزارة أخرى، وبانفصال رافي بيرتس عنهما فقد تفكك تحالف اليمين الذي ظل لمدة لعدة أشهر حليفا لنتنياهو ودرعا له، والآن يوجه له الهجوم ويصب عليه اللعنات.
حزام اليمين القابل للانفجار
الحزام اليميني الذي طالما دافع عن نتنياهو، وأعلن أعضاؤه مرارا التعهد بترشيحه وحده دون غيره كرئيس للحكومة، حتى ولو تأكدت الاتهامات بحقه أصبح الآن بمثابة حزام ناسف، يمكن أن ينفجر في أية لحظة في وجه بيبي وهاليكود والقوة السياسية اليمينية المتشددة، التي ظهر شبقها للمناصب السياسية التي تحقق مصالحها المتمثلة في تشديد القبضة اليمينة على الدولة، وتحقيق مكاسب للجماهير الحريدية والمتشددة، سواء كانت مكاسب مادية عبر زيادة المخصصات، أو سياسية احتلالية بالتوسع في الاستيطان وضم الأراضي الفلسطينية.
خروج يامينا من الحكومة الجديدة يثير أنصار الصهيونية الدينية ضد نتنياهو، مع استقطابه لغضب كوادر عديدة في حزبه هاليكود، لكن بيبي يراهن على الفرصة الأخيرة، والدورة النهائية له كرئيس للحكومة، فكل ما يسعى إليه هو التشبث بالفرصة التي لن تتكرر ثانية، بأن يكون رئيسا للحكومة لمدة عام ونصف على الأقل حتى يتخلص من الاتهامات الموجهة له، بأن تسقط أو يحصل على حصانة.
في ثلاث حملات انتخابية، على مدى عام ونصف حصن نتنياهو نفسه ببلوك يميني متشدد، لا يلوي على شيء، سوى مبايعة نتنياهو على طول الخط، والنهم للاستيطان وضم الأراضي الفلسطينية وتديين المجتمع الإسرائيلي وزيادة مكتسبات المؤسسات الدينية التعليمية.
نتنياهو يقدم: عرض رجل واحد
هناك تناقض ناشئ من هذه التحركات السياسية المتنافرة، فقد ظهر نتنياهو متفوقا على جانتس بمسافة كبيرة، خصوصا مع استثمار بيبي لتداعيات وباء الكورونا، ليفرض نفسه في عرض One Man Show، بينما لم يجد جانتس لنفسه مساحة للمناورة أو التحرك بحرية، أو إظهار صلابة سياسية، ومع ذلك لم يستغل نتنياهو ضعف جانتس ليُبقي على حلفائه معه في الحكومة الجديدة، لأنه ببساطة حقق أهدافه من التحالف مع يامينا، والآن انتهت مصالحه مع التكتل، ومن الممكن التخلي عنه الآن ببساطة.

تحولت كتلة اليمين إلى حصن يتخندق داخله بيبي، ويقف على أبوابه ليهاجم الجميع، مؤسسات الدولة، القضاء، النيابة، المعارضة، الإعلام، وبمجرد أن لاحت لنتنياهو فرصة للتحرك وحده؛ اقتنصها، لأنه في الأساس لا يهتم إلا بوجوده الشخصي ومسيرته السياسية، بعيدا عن الرسائل السياسية الممجوجة التي رددها مع حلفائه من اليمين على مدى عام ونصف، وتحرك أخيرا للتعاون مع خصمه جانتس، ويوافق على حكومة بعدد حقائب متساوٍ لكل طرف، لأنه يفكر الآن في نجاته فقط، ويترك حصنه، ويكسر بيده بلوك اليمين، ويتحرك حلفاؤه إلى جانب المعارضة، التي ستتشكل من طوائف متشتتة ومتصادمة: القائمة العربية وحدها في جانب، أفيجادور ليبرمان وحده في جانب، بقايا تحالف كاحول لافان في جانب، وأحزاب يامينا من جانب، وعلى قدر الخصومة التي تحملها هذه الطوائف تجاه نتنياهو الآن، على قدر ما تحمل مثلها تجاه بعضها، لتتشكل في الأخير كتلة رمادية كبيرة غير متوافقة من المعارضة بالكنيست الجديد.

ربما يعجبك أيضا