ألمانيا.. مسرح لنشاط استخباراتي دولي محموم

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

تشهد ألمانيا نشاطًا محمومًا لعدد واسع من أجهزة الاستخبارات الدولية، لعل أبرزها في هذه المرحلة، روسيا والصين، وربما يعود ذلك بسبب دورها المحوري والاستراتيجي في الاتحاد الأوروبي، وعضويتها في “الناتو” وكونها مركزًا لعدد من الشركات التكنولوجية  في العالم.

تقع واحدة من أكبر نقاط تبادل الإنترنت في العالم، بورصة الإنترنت التجارية الألمانية في فرانكفورت، والتي تمر من خلال تبادل الإنترنت من وإلى فرنسا وروسيا والشرق الأوسط وغيرها، ووفقًا لـ Der Spiegel ، فإن BND قادرة على الاستفادة من البورصة حسب الرغبة، مما يتيح لها الوصول إلى ما يصل إلى 1.2 تريليون اتصال يوميًا، هناك العديد من نقاط تبادل DE-CIX الأخرى في ألمانيا، بما في ذلك هامبورغ وميونيخ.

وقضت المحكمة الدستورية العليا في ألمانيا يوم 19 مايو2020 وفقا للمادة 10 بأن المراقبة الواسعة التي تقوم بها الاستخبارات الألمانية في الخارج تمثل في شكلها الحالي انتهاكًا للحقوق الأساسية.

وتم تحديد صلاحيات المراقبة الحالية للجهاز الذي يعمل فيه نحو 6500 شخص، في قانون صدر عام 2017 ، وحيثيات القضية تعود للعام 2017 عندما قدم عدد من رجال الصحافة من خلال، “صحافة بلا حدود” طلبًا للمحكمة الألمانية ضد جهاز الاستخبارات الخارجية BND.

واجه العديد من الصحفيين الأجانب وكذلك نقابات الصحفيين الألمان والمنظمات غير الحكومية كمراسلون بلا حدود، تحديًا قانونيًا للتعديل الأخير لقانون BND، الذي يحدد ما يمكن أن تفعله المخابرات الأجنبية “BND” وما لا تستطيع.

ووصف فرانك إبيرال، رئيس اتحاد الصحفيين الألماني DJV، الحكم بأنه “انتصار شامل لحرية الصحافة”، وقال في بيان: الخدمة السرية التي تريد حماية الديمقراطية لا يمكن أن تدوس على الحريات الديمقراطية الهامة.

لكن هيلج براون، رئيس أركان المستشارة أنجيلا ميركل، يخالف ذلك ويقول، إن مراقبة الاتصالات كانت حيوية لمنع الهجمات على الجيش الألماني في الخارج.

وأضاف أن قانون BND يتضمن “تدابير حماية ورقابة شاملة” كانت فريدة من نوعها.

قانون توسيع صلاحية الاستخبارات الألمانية الخارجية BND
صادق البرلمان الألماني عام 2016 على قانون توسيع صلاحية الاستخبارات الالمانية الخارجية BND ، بزيادة قائمة الأهداف التي تبرر اللجوء إلى التجسس، لتضم محاربة الإرهاب ومكافحة الجريمة الإلكترونية ومجابهة تجارة البشر، كما ضمت أهدافا جديدة أكثر غموضا، بينها  البحث عن معلومات ذات أهمية بالنسبة للسياسة الخارجية والأمن.

يدفع جهاز الاستخبارات الألماني بآلاف الموظفين الذين يعملون بسرية تامة في الخارج للحصول على معلومات المعلومات السرية، هذه المرة تتعلق بتنظيم داعش، أي استهداف البنى التنظيمية وقياداته.

عملاء الاستخبارات الخارجية المعنيين بالتجسس على تنظيم داعش وقياداته ومقراته، يُعتبرون بمثابة الجهاز الداعم للقوة الألمانية الموجودة هناك، في ذات الوقت تعتبر مصدر معلومات إلى مقر الاستخبارات الخارجية الألمانية.

كشفت تقارير عن أجهزة الاستخبارات الألمانية عن تواجد نحو 600 مقاتل ألماني بين صفوف تنظيم داعش في سوريا والعراق، وأن ما يقرب من 1000 شخص سافروا من ألمانيا إلى مناطق الصراعات في سوريا والعراق، ولقي 10% مصرعهم وعاد 30 % منهم.

جمع المعلومات عن عناصر تنظيم داعش 
وضمن جهود مكافحة الإرهاب تشارك وكالة الـ BND ضمن عملية Gallant Phoenix، لجمع معلومات عن مقاتلي تنظيم داعش في سوريا والعراق، وتتولى قيادة العمليات الخاصة المشتركة الأمريكية إدارة العملية انطلاقًا من قاعدة عسكرية في الأردن، وتتعلق بتقييم وثائق ووسائط تخزين بيانات حرزتها قوات خاصة في معاقل سابقة لـداعش.

يقول “شيندلر”، رئيس الاستخبارات الخارجية السابق، إن واضعي الدستور الألماني لن يرتاحوا في قبورهم إذا علموا أن اتصالات طالبان، الذين يهاجمون الجنود الألمان في أفغانستان، محمية بموجب المادة 10 في الدستور، أو أن الأوامر التي يتلقاها مقاتلو داعش العرب في سوريا عبر الاتصالات الخلوية بإعدام الأسرى، تقع تحت حماية المادة 10، هذا لا يمكن أن يكون هو المراد.

تجدر الإشارة إلى أن المادة 10 من الدستور الألماني تحمي سرية الخطابات والاتصالات للألمان.

وكالة الاستخبارات الخارجية الاتحادية الألمانية ( BND)
كشفت لجان مختصة في البرلمان “بندستاغ” تفاصيل جديدة حول حجم الأنشطة التجسسية التي مارستها وكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية على دول صديقة في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي حتى أكتوبر عام 2013.

وجاء في تقييم للجنة مختصة في البرلمان الألماني بالرقابة على الأنشطة الاستخباراتية أن وكالة (BND) تجسست على بضع عشرات من المسؤوليين في حكومات دول تابعة للاتحاد الأوروبي وحلف “الناتو”.

 تأسست الوكالة بشكلها الحالي عام 1952 تتبع بشكل مباشر إلى مكتب المستشار الألماني، وتشبه في عملها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وكان مقرها الرئيسي في ميونيخ  وانتقل عام 2016 إلى برلين.

وتعتبر وكالة (BND) بمثابة نظام إنذار مبكر لتنبيه الحكومة الألمانية للتهديدات الخارجية التي تتعرض لها المصالح الألمانية، حيث تقوم الوكالة بجمع المعلومات الاستخبارية عن طريق التنصت والمراقبة الإلكترونية للاتصالات الدولية.

منذ أن أكملت وكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية BND انتقالها إلى برلين عام 2019، حاولت تعزيز صورة الانفتاح أكثر من صورة الغموض عندما كانت في موقعها القديم جنوب ألمانيا.

وكانت وكالة الـBND، موجودة  في السنوات الأولى بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت مكاتبها مخفية في بلدة “بولاش” جنوب ميونيخ ولا أحد يعرف مقرها وأنشطتها لكنها اليوم شاخصة في وسط برلين، وتخضع الإستخبارات الخارجية لسيطرة مكتب المستشارة الألمانية مباشرة ويعمل في الاستخبارات الخارجية ما يقارب 6500 موظف.

ما زالت وكالة الـ BND تنشر إعلاناتها من أجل الحصول على عاملين وخبراء في الأمن السيبراني واستغلال شبكة الكمبيوتر للعمل داخل وخارج الأراضي الألمانية وتهدف الوكالة تجنيد عملاء قادرين على التسلل إلى شبكات الكمبيوتر الأجنبية.

ويقوا ماتياس شولز من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن أعمال القرصنة تعتبر سيئة السمعة أي أنها تسيء لسمعة أجهزة الاستخبارات.

ويخشى شولز من أن تؤدي القدرات الهجومية إلى تصعيد أو حتى سباق تسلح افتراضي، الأمر الذي قد يخرج عن نطاق السيطرة، وبدلاً من تعزيز القدرات الدفاعية، فإن شولز مقتنع بأن ألمانيا يجب أن تستثمر أكثر في أمن الإنترنت. 

وتستغل وكالات المخابرات دوما الأبواب الخلفية أي نقاط الضعف في البرامج التي تسمح بالوصول إلى المعلومات – يقول شولز- إذا بقيت هذه الأبواب الخلفية مفتوحة، يمكن لأي شخص استخدامها للوصول إلى الشبكات وأجهزة الكمبيوتر الرئيسية، بما في ذلك المجرمين الذين يسعون لسرقة البيانات أو إدراج برامج ضارة لمستخدمي الابتزاز.

يمكن وصف الاستخبارات الألمانية، من أكثر أجهزة الاستخبارات الدولية، غموضًا، أو لا يصدر عنها الكثير، لا عن تركيبتها ولا عن أنشطتها، خاصة الاستخبارات الخارجية، مبنى الاستخبارات الجديد، يعكس ذلك.

ينتج جهاز المخابرات الألمانية خمسة آلاف خبر يوميًا تقريبًا، على مستوى العالم، تختزل في نحو 450 تقريرًا يتم إرسالها شهريًا لأعضاء في الحكومة الألمانية وعدد من الأجهزة الأمنية.

إن تقليص صلاحيات جهاز الاستخبارات الالمانية الخارجية، هذا من شأنه أن يؤدي إلى تراجع، العمليات الاستباقية التي تنفذها الاستخبارات الخارجية في أعمالها اليومية، ضد الجماعات المتطرفة في مكافحة الإرهاب وضد أنشطة مكافحة التجسس المحتملة يقف خلفها عملاء أو مؤسسات.

القرار الألماني، الصادر من المحكمة الدستورية وفقًا للمادة 10، الذي يمنع الاستخبارات من تنفيذ عمليات مراقبة خارج أو داخل أراضيها ضد أفراد ومجموعات، لم تثبت تورطهم في عمليات إرهاب أو تجسس، يعكس “البيروقراطية التي تواجه الاستخبارات الالمانية، وربما هذا يتعلق أيضًا، بـ”عقدة” ألمانيا من إرث قديم ما قبل الحرب العالمية الثانية  مثلت استخبارات ألمانيا الشرقية سابقًا ” Staatssicherheit ” شتازي” الذي ما زالت ألمانيا لم تكشف عنه أرشيفه لحد الآن، لاحتمالات ما يسببه من فضائح للطبقة السياسية.

من المتوقع، أن تقوم اللجنة البرلمانية الخاصة بمراقبة جهاز الاستخبارات الألماني BND بمراجعة جديدة وهناك تسريبات من داخل البرلمان، تقول هناك احتمال أن يتم صياغة جديدة أو تعديلات يمكن الاستخبارات الخارجية الألمانية من استعادة أنشتطتها وربما يكون ذلك في غضون بضعة أشهر.

إن “كبح” جهاز ال BND، من شأنه أن يعرض الجنود الألمان خارج ألمانيا للخطر، أي تعرضهم لهجمات من قبل الجماعات المتطرفة، وفي ذات الوقت يطلق الحرية إلى عملاء وكالات الاستخبارات الأجنبية للنشاط داخل المانيا وخارجها. وهذا من شأنه أن يضعف المواقف السياسية لألمانيا إقليميًا ودوليًا، فبدون وجود دعم معلوماتي استخباراتي لصناع القرار، تبقى سياسات ألمانيا غير مؤثرة.

ربما يعجبك أيضا