انتفاضة المحرومين.. هل تواجه إيران موجة جديدة من الاحتجاجات؟

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

تركت الوتيرة المتصاعدة لتفشي فيروس كورونا في بعض المحافظات الإيرانية أثرًا سلبيًا على اقتصاد تلك المحافظات، ما أدى إلى فقدان الأسواق التصديرية وفقدان الوظائف وغلق المصالح التجارية وارتفاع نسب البطالة والتضخم في أسعار السلع، وهو ما يؤدي في النهاية إلى عودة الانتفاضات والاحتجاجات مرة أخرى في محافظات إيران.

وإعادة فتح المصالح وعودة الحياة إلى طبيعتها في إيران، في ظل خطة الحكومة المسماة “التباعد الذكي”، وفي ظل حاجة الاقتصاد إلى وقت طويل للتعافي؛ كل هذا يدفع المواطنين المتضررين إلى التظاهر من جديد، خاصة مع تردد كثير من الأخبار عن الفساد في إدارة الأسواق في الآونة الأخيرة. وأيضًا ضعف وعجز الخدمات في المناطق المحرومة الغنية بالنفط مثل خوزستان، وهو ما يقود إلى موجة جديدة من الاحتجاجات في المناطق المحرومة.

تراجع الاقتصاد بالسالب

وقد توقعت دراسة أجريت في مركز البحوث الجامعية حول آثار وباء كورونا على إيران، بأن معدل النمو الاقتصادي الإيراني عام 2020، بسبب هذا الوباء، سيتراجع إلى “سالب 4.17 بالمائة”، إذا عوضت الحكومة عن الأضرار بالكامل، أما إذا كانت الحكومة غير قادرة على تعويض الأضرار، فسيتراجع معدل النمو إلى “سالب 17.5 بالمائة”.

وأشارت الدراسة إلى أن شركات الخدمات الصغيرة والمتوسطة الحجم، التي تمثل نحو 40 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لإيران، تواجه حاليًا صعوبات مالية بسبب انتشار كورونا، وظهور الديون المتراكمة، ورفض الالتزامات المالية، وظهور موجة من الإفلاس، مما أدى إلى إغلاق بعضها.

وتشدد الدراسة على أن هذه القضايا، بالإضافة إلى مشاكل الشركات العاملة في مجال التجارة الدولية، سيتم نقلها إلى هياكل الاقتصاد الكلي، ومرافق الاقتصاد الكبیرة، وخاصة النظام المصرفي والمالي، وستؤدي إلى حدوث أزمة أخرى في متغيرات الاقتصاد الكلي مثل النمو الاقتصادي، والعمالة، والتضخم.

وبعد دراسة الاقتصاد الكلي، والتجارة الداخلية والخارجية، وعائدات النقد الأجنبي، والأسواق المالية، تناول هذا البحث، القطاعات الاقتصادية المتضررة من جائحة كورونا.

وفي هذا البحث أيضًا، تم عرض نتائج تقدير الناتج المحلي الإجمالي عام 2020، بسبب كورونا، في 4 سيناريوهات.

ونظرًا إلى آثار انتشار فيروس كورونا في إيران، تظهر نتائج هذه الدراسة، أن الإنتاج سينمو بنسبة “سالب 4.17 بالمائة”، وفي أسوأ الحالات، سينخفض إلى “سالب 17.5 بالمائة”، وذلك في أفضل السيناريوهات، وبافتراض استقرار الظروف الأخرى.

وقد تم إجراء هذا البحث في معهد أبحاث العلوم الإنسانية والدراسات الاجتماعية، تحت عنوان “تأثير جائحة كورونا على توقعات نمو الإنتاج الوطني عام 2020″، ونشر في المجلة الفصلية لمركز تقييم الأثر الاجتماعي في مؤسسة “الجهاد الجامعي”.

هذا، وكان مركز دراسات البرلمان الإيراني، قد نشر تقرير في أبريل/ نيسان الماضي، حول عواقب أزمة كورونا على الاقتصاد والأعمال في البلاد، وجاء في هذا التقرير أن فيروس كورونا أدى إلى تفاقم أوضاع التضخم والركود لجميع شرائح المجتمع، مشيرًا إلى أن الأسر المحرومة واجهت مشاكل أكثر من بقية شرائح المجتمع الأخرى.

عمال البناء

ﻻ تزال بطالة العمال في إيران مستمرة، فبعد تفشي فيروس کورونا المستجد في البلاد انضم مئات الآلاف من العمال إلى صفوف العاطلين عن العمل، ومن ضمنهم عمال البناء الذين ليس لديهم صاحب عمل ثابت ولا عقد تأمين، ولا يشملهم التأمين ضد البطالة.

وكانت الحكومة قد وعدت هؤلاء العمال، الذين كانوا عاطلين عن العمل أيضًا قبل تفشي فيروس كورونا الجديد، بقرضٍ قدره مليونا تومان، ولكن لم يتم دفعه حتى الآن، وكان توزيع حزم الدعم المعيشية، عملية استعراضية، حسب ما أفاد العمال أنفسهم.

كما أن الجوع وعدم وجود تأمين ومرافق صحية عرَّضا حياة العمال وأُسرهم للخطر.

وربما يكون عمال اليومية وعمال البناء أضعف فئة من العمال في مواجهة الأزمة التي سببتها كورونا؛ فهؤلاء العمال الذين كانوا في الغالب عاطلين عن العمل خلال فصل الشتاء بسبب ركود حركة البناء، لم يجدوا عملًا بعد تفشي كورونا؛ فكل يوم في ساحات المدن الرئيسية، ترى حشودًا من عمال البناء ينتظرون العمل لساعات، وفي الليل يعودون إلى منازلهم بلا أي شيء، ومن ثم يفعلون الأمر نفسه في اليوم التالي.

فصل عمال

وقد أفادت وسائل إعلام محلية في مدينة دزفول التابعة لمحافظة خوزستان، جنوب غربي إيران، بأنه تم فصل 38 من عمال الطوارئ، بعد أن احتجوا على عدم دفع رواتبهم لمدة 3 أشهر.

ويأتي فصل عمال الطوارئ في دزفول في وقت تعاني فيه محافظة خوزستان من تفاقم أزمة كورونا، خلال الأسبوعين الماضيين، وتضم دزفول حاليًا ثاني أكبر عدد من مرضى كورونا الجدد في محافظة خوزستان بعد الأهواز.

ومنذ يوم 4 مايو (أيار)، تم نشر العديد من التقارير حول فصل الممرضات وأعضاء الطواقم الطبية، خاصة عمال الشركات بالعقود الدائمة والمؤقتة، في مختلف المحافظات، ولا سيما محافظات كيلان، ومازندران، وأصفهان.

إضراب عمال مصنع شيراز

أضرب عدد من العمال في مصنع شيراز للزيوت النباتية عن العمل، احتجاجًا على عدم دفع رواتبهم.

وبحسب ما انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد احتشد العمال أمام مدخل المصنع، أمس الثلاثاء 26 مايو (أيار)، وهم يرددون هتافات ضد إدارته.

كما قام العمال بتعليق لافتات على أسوار مدخل المصنع للإعلان عن مطالبهم.

يذكر أن هؤلاء العمال لم يتلقوا رواتب شهر مارس (آذار)، وأبريل (نيسان)، ومايو (أيار)، من هذا العام، كما أن لهم مستحقات متأخرة ومكافأة العيد منذ العام الماضي.

وفي وقت سابق، في مايو (أيار) الماضي، كان عمال شركة شيراز للزيوت النباتية قد أضربوا أيضًا عن العمل، احتجاجًا على عدم دفع رواتبهم المتأخرة لأربعة أشهر.

عطش الغيزانية

بعد احتجاج أهالي منطقة الغيزانية بالأهواز، يوم السبت الماضي، على انقطاع المياه، وقطع طريق الأهواز- رامهرمز- العميدية، فتحت قوات الشرطة النار على التجمع الاحتجاجي، مما أدى إلى إصابة عدد من المتظاهرين، بينهم طفل.

ومنذ ذلك الحين، تداول نشطاء التواصل الاجتماعي على “تويتر”، و”إنستجرام”، على نطاق واسع، صورة تظهر إصابة أحد الشباب المحتجين برصاص مطاطي في ساقه، مما تسبب في انتقادات واسعة.

وقام بعض نشطاء التواصل الاجتماعي بمقارنة هذه الحادثة بالاحتجاجات العامة التي اندلعت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، بسبب ارتفاع أسعار البنزين بشكل مفاجئ، وقتل خلالها المئات من المحتجين على أيدي قوات الأمن.

أما الآن، وبعد ردود الفعل الواسعة، فقد نشرت وسائل إعلام النظام الإيراني، صورًا لإمام جمعة الأهواز في منزل هذا المحتج المصاب في الغيزانية والاعتذاره له.

وتعتبر كل هذا الأحداث مؤشرات على احتمال اندلاع موجة جديدة من التظاهرات الأخيرة التي وقعت في نوفمبر 2019 بسبب ارتفاع أسعار البنزين. وهي الانتفاضة الأكبر التي عبرت عن منحى جديدة في التظاهرات التي تقام على بواعث اقتصادية بين الطبقات المحرومة في إيران.

ربما يعجبك أيضا