فشل سياسة أقصى ضغط .. واشنطن تناور وطهران تستعد لخفض الالتزام النووي

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

تزامنًا مع السنة الثالثة لانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران، أعلنت الولايات المتحدة الأربعاء الماضي، انتهاء العمل بالاستثناءات التي كانت تسمح حتى الآن بمشاريع مرتبطة بالبرنامج النووي المدني الإيراني على الرغم من عقوبات واشنطن، في آخر خطوة لفك الارتباط الأمريكي بالاتفاق الدولي المبرم في 2015 وانسحب منه الرئيس دونالد ترامب في 2018.

وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في بيان: “أعلن انتهاء الاستثناءات من العقوبات المتعلقة بكلّ المشاريع النووية في إيران”.

ويعني هذا القرار عمليًّا أنّ الدول التي ما زالت ملتزمة بالاتفاق الدولي المبرم مع إيران حول برنامجها النووي والمنخرطة في هذه المشاريع النووية المدنية الإيرانية، أصبحت معرضة لعقوبات أمريكية إذا لم تنسحب من هذه المشاريع. وهذا الأمر يتعلق بروسيا بالدرجة الأولى، التي لها تعاون نووي مع إيران في مشاريع المحطات النووية.

وأوضح البيان، أن الاستثناءات من العقوبات المتعلقة بكلّ المشاريع النووية في إيران انتهت، معلناً فرض عقوبات على اثنين من الخبراء الإيرانيين الكبار في برنامج التخصيب.

وقال بومبيو: “النظام الإيراني واصل سياسة حافة الهاوية النووية بتوسيع أنشطته الحساسة في مجال انتشار الأسلحة.. هذا السلوك سيؤدي إلى زيادة الضغط على إيران”.

لكن بومبيو كشف أن الولايات المتحدة ستمدد لأجل 90 يومًا إعفاء يسمح للشركات الأجنبية بالعمل في مفاعل بوشهر للطاقة النووية الذي تبنيه روسيا “لضمان سلامة العمليات”.

وتشمل الإعفاءات، التي سينتهي أجلها بعد 60 يوماً، مفاعل أراك للأبحاث الذي يعمل بالماء الثقيل، وتوريد اليورانيوم المخصب لمفاعل طهران للأبحاث ونقل الوقود المستنفد خارج إيران.

وهددت الولايات المتحدة، منتصف أيار/ مايو الحالي، بتفعيل العودة إلى فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران إذا لم يمدد مجلس الأمن التابع للمنظمة الدولية حظر الأسلحة على طهران، المقرر أن ينتهي أجله في أكتوبر المقبل، بموجب اتفاق إيران النووي.

والهدف من هذه الخطوة، هو إجبار طهران على العودة للتفاوض حول برنامجها النووي. وكذلك الضغط على المجتمع الدولي من أجل عدم السماح لإيران برفع حظر التسليح عنها في أكتوبر المقبل.

وحصلت إيران على إعفاء من العقوبات بموجب اتفاق عام 2015 مع الولايات المتحدة وروسيا والصين وألمانيا وبريطانيا وفرنسا الذي يمنع طهران من تطوير أسلحة نووية.

وأعلن مايك بومبيو فرض عقوبات على اثنين من المشرفين على البرنامج النووي في إيران. وقال: إن تصنيف ماجد أغائي وأمجد سازغار على لائحة العقوبات، تم بسبب “انخراطهما أو محاولة الانخراط في أنشطة ساهمت عمليا أو تشكل خطراً في المساهمة المادية في انتشار أسلحة الدمار الشامل”.

وأضاف أن سازغار هو المدير الإداري لمنظمة الطاقة النووية الإيرانية المسؤول عن الإنتاج الصناعي لآلات الطرد المركزي وقد أشرف في عام 2019 على تركيب مثل هذه الأجهزة في مصنع فوردو لتخصيب الوقود. وأوضح أنه ومن خلال هذه الأنشطة ساهم سازغار في استمرار توسيع قدرات إيران النووية  بشكل استفزازي.

أما آغائي فقد شارك بشكل أساسي في عمليات الطرد المركزي الإيرانية، وهو مدير في منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ومسؤول عن البحث والتطوير لأجهزة الطرد المركزي المتقدمة، حسب بومبيو.

الضغط من أجل التفاوض

تزامنًا مع الأيام الأولى للذکرى الثالثة للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، أعلن الممثل الأمريكي الخاص بالشأن الإيراني برايان هوك أن سياسة “الضغوط القصوى” التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تخيّر إيران بين التفاوض مع الولايات المتحدة أو مواجهة انهيار اقتصادي نتيجة العقوبات.

وقال هوك مساء الأربعاء: “نظراً لضغوطنا، يواجه زعماء إيران خيارين، إما التفاوض معنا أو التعامل مع انهيار اقتصادي”.

استياء أوروبي

عبر الاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا وبريطانيا عن استيائهم من قرار الولايات المتحدة وقف العمل بالإعفاءات الأساسية من عقوبات فرضتها على إيران بسبب انتهاكاتها في الملف النووي.

وقالت فرنسا وألمانيا وبريطانيا السبت: إنها “تأسف” لقرار واشنطن إنهاء العمل باستثناءات أساسية لمشاريع في القطاع النووي المدني الإيراني تشكل “ضمانات” للطبيعة “السلمية” لبرنامج طهران.

وقال الناطقون باسم وزارات الخارجية في الدول الثلاث في إعلان مشترك وقعه أيضا وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، “نشعر بأسف عميق لقرار الولايات المتحدة إنهاء الإعفاءات الثلاثة التي تتعلق بمشاريع نووية أساسية في إطار خطة العمل المشتركة الشاملة، بما في ذلك مشروع تحديث مفاعل أراك”. وكان بوريل عبّر الخميس عن موقف مماثل.

وأضافوا أن “هذه المشاريع التي يدعمها قرار مجلس التباع للأمم المتحدة رقم 2231، تخدم مصالح مشتركة لعدم الانتشار النووي الإيراني وتزود المجتمع الدولي بضمانات سلمية وآمنة للأنشطة النووية الإيرانية”.

وأكدت الأطراف الأوروبية -في بيان نشر عبر الموقع الالكتروني للمفوضية الأوروبية للشؤون الخارجية تشاورها لتقييم نتائج هذا القرار من قبل الإدارة الأمريكية- مشيرين إلى أن خطة العمل الشاملة المشتركة هي إنجاز رئيسي وأساسي لضمان عدم الانتشار النووي الإيراني وهي الطريقة الوحيدة لضمان السلمية لبرنامج إيران النووي.

وقالت باريس وبرلين ولندن: إن هذه المشاريع “تخدم مصالح الجميع في مجال منع الانتشار وتؤمن للأسرة الدولية ضمانات تتعلق بالطبيعة المحض سلمية والآمنة للنشاطات النووية لإيران”.

وأضافت: إن الدول الثلاث الموقعة مع روسيا على الاتفاق النووي مع إيران، تتشاور مع شركائها “لتقييم عواقب القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة”.

استياء روسي

وقد علق ميخائيل أوليانوف، مبعوث روسيا لدى المنظمات الدولية في فيينا، على القرار الأمريكي، مساء الخميس، واصفًا إياه بأنه “انتهاك لميثاق الأمم المتحدة”.

وكتب أوليانوف -في حسابه على “تويتر”- “العقوبات الأمريكية غير القانونية على هذه المشاريع هي انتهاك آخر لميثاق الأمم المتحدة (المادة 25) وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (المادة 4).. الولايات المتحدة ما زالت تواصل تقويض عدم الانتشار”.

بدورها وصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، سلوك الولايات المتحدة بشأن الانسحاب من الاتفاق النووي بأنه مثير جداً للقلق”. وقالت: إن “الخطوة الأمريكية تؤدي إلى الفوضى في مجال العلاقات الدولية وخاصة في ضمان الاستقرار الاستراتيجي”.

ورأت أن الولايات المتحدة انسحبت من جانب واحد وبشكل غير قانوني من خطة العمل المشتركة الشاملة بشأن برنامج إيران النووي، وأنها أعلنت أن هذه الاتفاقية لم تعد مفيدة لهم ولا تعتبر هذه الصفقة مناسبة وجديرة بها، وأضافت: “بالنسبة لنا فإننا قلقون جداً ومن الممكن أن تتحول إلى فوضى، خاصة في مجال الأمن الدولي”.

رد إيران

شجب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، القرار الأمريكي، ووصفه بأنه “انتهاك واضح لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 وميثاق الأمم المتحدة”.

وأضاف موسوي أن “هذا الإجراء يتجاهل الحقوق المتأصلة لجمهورية إيران الإسلامية ويخل بالنظام الدولي عامةً”.

وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أن “جمهورية إيران الإسلامية تراقب عن كثب الآثار التقنية والسياسية لهذا الإجراء”، مضيفًا: “إذا أدى هذا الإجراء إلى آثار سلبية على حقوق إيران النووية بموجب الوثائق الدولية وأحكام الاتفاق النووي، فسيتم اتخاذ الخطوات العملية والقانونية اللازمة”.

مزيد من خفض الالتزام

ردًا على التصريحات الأمريكية المتداولة بعدم تجديد الإعفاءات من العقوبات على المشاريع النووية الإيرانية المرتبطة بالاتفاق النووي، قالت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية: إن “هناك أخبارًا سارة ستأتي من الصناعة النووية لجمهورية إيران الإسلامية”. وذلك دون أن تقدم المنظمة المزيد من التفاصيل في هذا الصدد.

وكان بهروز كمالوندي، المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، قد وصف عدم تجديد الإعفاءات بـ”الصخب الإعلامي”، مضيفًا، الخميس الماضي، أن هذه الخطوة “ليس لها أي تأثير على خطة عمل الجمهورية الإسلامية”.

وأكد كمالوندي أن “الوقود النووي الذي نحتاجه سيصلنا من روسيا، دون أية مشكلة، وفي حال نفاد هذا الوقود، فإننا قادرون على إنتاجه”.

وهذا يعني أن إيران تستعد للإعلان عن إنجازات نووية في إطار سياسة الرد بالمثل التي تتبعها، وستقوم بمزيد من خفض الالتزام النووي أمام سياسة التصعيد الأمريكية ضد البرنامج النووي والاتفاق النووي مع إيران.

فشل سياسة أقصى ضغط الأمريكية

يقول المحلل الإيراني، رضا تفي زاده، في تحليل نشرته قناة إيران إنترنشنال: إن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، استخدم “سياسة أقصى ضغط”، وهي استمرار لسياسة الولايات المتحدة القديمة ضد دول مثل الصين وإيران وفنزويلا.

وسعيًا لتحقيق أهداف “سياسة أقصى ضغط”، تم استخدم القوة الشرائية للولايات المتحدة، وأيضًا قوة الدولار في الأسواق العالمية والنظام المالي، کنقطة ارتكاز فعّالة في تلك السياسة.

إن الهدف الرئيسي من سياسة الإدارة الأمريكية الحالية في فرض العقوبات هو إجبار الطرف الآخر على قبول المفاوضات، وفي نهاية المطاف الحصول على امتيازات في التجارة والتمويل والسياسة والأمن.

وعلى عكس الإدارة السابقة في واشنطن، التي كانت تدعم المؤسسات متعددة الجنسيات، وكانت لديها نظرة مؤيدة للعولمة وإزالة الحدود، فإن نظرة إدارة ترامب انطوائية، وداعمة للحدود والدفاع عن المصالح الوطنية، وهي في الوقت نفسه نظرة تجارية، وبقدر الإمكان تتجنَّب المواجهات الساخنة.

وقد بدأت سياسة أقصى ضغط ضد النظام الإيراني تحت ذريعة الأنشطة النووية المشتبه في أن لها أبعادًا عسكرية إيرانية. وتدريجيًا، أُضيفت جوانب أخرى، من ضمنها دعم الإرهاب الدولي، وغسل الأموال، وإعداد وتنفيذ الحروب بالوكالة، وتهديد التجارة الحرة في مياه الخليج، وتعريض أمن دول المنطقة للخطر، وعدم احترام حقوق الإنسان داخل البلاد.

وكان اقتراح الولايات المتحدة للنظام الإيراني عبارة عن حوار مباشر و”غير مشروط” يهدف إلى تمديد واستمرار الاتفاق النووي، بهدف “تغيير سلوك” النظام الإيراني. وهو ما فسره الجناح الأصولي القوي داخل النظام المذهبي والحرس الثوري اﻹيراني، حارس النظام وشريك السلطة الكبير، على أنه “تغيير النظام”، لكن مسؤولي إدارة ترامب نفوا هذه المزاعم.

لكن هدف سياسة أقصى ضغط الأمريكية ضد إيران، لم يحسّن الوضع على مدى السنوات الثلاث الماضية، ليس ذلك فحسب، بل جعل النظام المذهبي الإيراني في مسارٍ أكثر خطورة من الماضي، وذلك في عملية طبيعية يمكن التنبؤ بها، ردًا على الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة.

ودلل تقي زاده على ذلك بقوله: قبل بضعة أشهر، ذكر الجنرال كينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية، بحق، أن النظام الإيراني- مثل جميع الديكتاتوريات التي تتعرض للضغوط- “أكثر خطورة من أي وقت مضى”.

ونتيجة للعمليات العسكرية الإسرائيلية، والنشاط المتزايد لتركيا وروسيا في سوريا، وبطبيعة الحال، استنفاد مصادر الدخل الأجنبي، أصبح الوجود العسكري الإيراني في سوريا والعراق أكثر محدودية في العام الماضي.

لكن طهران لم تتنازل بأي حال من الأحوال عن مواصلة الحروب بالوكالة في المنطقة، وعوضت جزءًا كبيرًا من القدرات النووية التي تم نقلها في تنفيذ الاتفاق النووي، ويفصلها اليوم أربعة إلى خمسة أشهر عن الوصول لقدرة التفجير النووي. ومع ذلك، تم تقدير الفارق بين “الهروب النووي” الإيراني في الماضي وقبل “التخفيض التدريجي للالتزامات النووية” بنحو عام.

وعلى الصعيد الداخلي أيضًا، ازداد عنف النظام ضد السخط العام بشكل كبير، مع تنفيذ مشروع “خطوة بخطوة” المصمم لتوحيد أجنحة السلطة، والقضاء التام على البراجماتيين والمعتدلين، وهو ما حدث في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

إن الوضع الاقتصادي والسياسي الحالي في فنزويلا، قابل للتكرار في إيران، مع عدم وجود اختلافات كبيرة. وهذا يعني أنه على الرغم من العقوبات الأمريكية، فإن النظام يمكنه أن يخفف من الفقر العام ويستمر في الحياة السياسية باللجوء إلى العنف ضد المعارضات والمعارضين وإظهار الأقلية الموالية بدلاً من الأغلبية الساخطة.

إن الاختلاف الكبير بين البلدين هو جغرافيتهما السياسية، حيث يكون التغيير السياسي السريع من اليسار إلى اليمين، والعكس، أمرًا عاديًا ومن دون عواقب إقليمية، في حين أن التغيير المتفجر وغير المنضبط في الوضع السياسي الإيراني يمكن أن يدق ناقوس خطر التهديد الأمني في قلب أوروبا.

ويؤكد تقي زاده، إن استمرار الوضع الحالي في إيران، أي استمرار أقصى ضغط من الخارج وتشديد السخط الداخلي، يجعل تطور اتجاه ثنائي القطب في المجتمع حول الفقر والثروة، والذي بدأ منذ فترة طويلة، لا مفر منه، ويجعل الانتقال السلمي للسلطة من النظام الحالي غير المستقر إلى الشعب أمرًا مستحيلًا.

والخلاصة أن سياسة أقصى ضغط الأمريكية واستمرار العقوبات ضد النظام الإيراني، في غياب خطة شاملة أخرى لإسقاط النظام، لن تؤدي إلى تغيير في سلوك هذا النظام الآيديولوجي والسلطوي والتوسعي الذي يحكم إيران، لكنها ستؤدي إلى تعريض أمن المنطقة لخطر أكبر من أسلحة الدمار الشامل، من خلال تأجيج الوضع المتفجر داخل البلاد.

ربما يعجبك أيضا