الشعب الإيراني لم ينس ضحايا نوفمبر.. والنظام ما زال يرفع عصا القمع

يوسف بنده

رؤية

يبدو أن النظام الإيراني، أمام الأزمات الاقتصادية التي يعايشها نتيجة العقوبات والفساد وجائحة كورونا؛ لا سبيل أمامه إلا استخدام سياسة العصا للسيطرة على غضب الشارع الإيراني؛ التي تنذر الاحتجاجات فيها خلال هذه الأيام، بمسار جديد نحو احتجاجات البطالة والفقر، وهو ما يُطلق عليه “ثورة الجياع”.

وتلعب الذاكرة الجمعية دورًا حيويًا في أذهان الإيرانيين وتحريكهم؛ ولذلك لن ينسى الإيرانيون ضحاياهم الذين قتلوا بيد النظام في احتجاجات نوفمبر الماضي.

احتجاجات فبراير

خلال الشهور الماضية، تصاعدت دعوات إيرانية في الأوساط البرلمانية والحزبية الإصلاحية والأكاديمية، إلى السلطات، للإعلان عن الأرقام الحقيقية لضحايا الاحتجاجات، لإنهاء الجدل حول تضارب الأرقام، لكن ليس واضحا بعد إن كان ما تحدّث عنه النائب البرلماني سينهي هذا الجدل، خصوصا أن هناك فارقا كبيرا بين الأرقام التي أعلنها وأرقام الجهات الخارجية والمعارضة الإيرانية.

یشار إلى أن احتجاجات نوفمبر 2019، قد اندلعت بعد قرار الحكومة المفاجئ برفع أسعار البنزين بنسبة 200 في المائة على الأقل في العديد من المدن الإيرانية، لكن هذه الاحتجاجات قوبلت بالقمع من قبل قوات الأمن. وقد أغلقت أجهزة الأمن والاستخبارات في الجمهورية الإسلامية الإنترنت في البلاد بالكامل، تزامنًا مع قمع المحتجين.

اعتراف الداخلية

وقد اعترف وزير الداخلية الإيراني، عبدالرضا رحماني فضلي، لأول مرة، السبت الماضي 30 مايو/ آيار، بأن 80 في المائة من القتلى في احتجاجات نوفمبر 2019 قتلوا بأسلحة حكومية.

وقال عبدالرضا رحماني فضلي، في مقابلة تلفزيونية، حول عدد ضحايا احتجاجات نوفمبر 2019: “نحو 40 أو 45 شخصًا، أي نحو 20 في المائة من الضحايا، قتلوا بسلاح غير حكومي لا تملكه الشرطة”.

تجدر الإشارة إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يذكر فيها وزير الداخلية الإيراني، ضمنيًا، أن ما بين 200 إلى 225 شخصًا قتلوا في احتجاجات نوفمبر 2019، وأن 80 في المائة منهم فقدوا أرواحهم بأسلحة حكومية.

أعداد أكبر

يذكر أن الأرقام التي أعلنها عبدالرضا رحماني فضلي تختلف عن عدد الوفيات التي أعلنتها المنظمات الدولية والمدافعون عن حقوق الإنسان.

وفي هذا الصدد، أعلنت منظمة العفو الدولية، الأسبوع الماضي، تفاصيل حصيلة القتلى الموثقين لديها، وقالت: إن ما لا يقل عن 304 أشخاص قتلوا خلال الاحتجاجات في نوفمبر 2019 في 37 مدينة، و8 محافظات في إيران. لكن “العفو الدولية” أضافت أن العدد الفعلي للقتلى في نوفمبر 2019 ربما كان أعلى من ذلك بكثير.

وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن المناطق التي شهدت مقتل أكبر عدد من الأشخاص هي، الأحياء الفقيرة في ضواحي طهران بـ163 قتيلاً، تلتها محافظة خوزستان بـ57 قتيلاً، ثم محافظة كرمانشاه بـ 30 قتيلاً.

وكانت وكالة “رويترز” للأنباء قد نشرت، يوم 23 ديسمبر الماضي، تقريرًا خاصًا، نقلا عن “ثلاثة مصادر على صلة وثيقة بمقربين من المرشد الإيراني علي خامنئي”، أكدت فيه أنه “خلال أقل من أسبوعين من الاضطرابات التي بدأت يوم 15 نوفمبر الماضي، تم قتل ما لا يقل عن 1500 شخص”.

يشار إلى أنه لم يتم حتى الآن تقديم إحصاءات دقيقة عن أعداد الوفيات في هذه الاحتجاجات، ولكن وزير الداخلية الإيراني دعا إلى بث الاعترافات الإجبارية للمعتقلين على التلفزيون.

وقد نشرت منظمة “العدالة من أجل إيران” الناشطة في مجال حقوق الإنسان، قبل أسبوعين تقريرًا كتبت فيه أنه بناء على المعلومات التي تم التوصل إليها عبر عائلات 48 شخصًا من ضحايا احتجاجات نوفمبر، فإن “السياسة المعتمدة” لدى المرشد الإيراني هي “اعتبار قتل المحتجين عملا قانونيا”، مضيفة أن هذه السياسة أدت إلى عدم تشكيل ملف قضائي للجناة ومحاكمتهم حتى الآن.

وتظهر المعلومات التي أدلت بها عائلات الضحايا أن سياسة المرشد الإيراني تم تنفيذها عبر طريقين، هما: تهديد وتخويف الأسر لمنعها من تقديم شكاوى، والثاني اتخاذ إجراءات لكي تؤكد الأسر الروايات الرسمية حول مقتل أبنائها.

تفاصيل أكثر

بعد ثلاثة أيام من تصريحات وزير الداخلية، قدم مجتبى ذو النوري، النائب عن مدينة قم في البرلمان الإيراني، مزيدًا من التفاصيل حول الإحصائيات الرسمية لقتلى ومصابي احتجاجات نوفمبر.

ووفقًا لوكالة “فارس”، قال ذو النوري للصحفيين، أمس الإثنين أول يونيو/ حزيران، على هامش اجتماع اللجنة الاجتماعية بالمقر الوطني لمكافحة كورونا: “في أحداث نوفمبر 2019، أصيب 2000 شخص من المشاركين في الاحتجاجات، و5000 من عناصر الأمن، فيما كان عدد القتلى 230 شخصًا.”

وبحسب ما ذكره هذا النائب البرلماني، فقد “تم تدمير497 مركزًا حكوميًا و422 سيارة خاصة، و230 سيارة حكومية، وإضرام النار في 569 مركبة لعناصر الأمن”.

وقد وصف ذو النوري المحتجين بـ”مثيري الشغب”، وتابع قائلاً: “المخازن التي تحتوي على كميات كبيرة من الوقود كانت ستحدث دمارًا في محيط 500 متر لو اشتعلت فيها النيران، وهو أمر صعب، تم تدريب مثيري الشغب عليه”.

وقال ذو النوري: إن “22 في المائة من القتلى من أصحاب السوابق”، مضيفًا أن “7 في المائة من الضحايا قتلوا في اشتباكات مسلحة و16 في المائة أثناء الهجوم على مراكز الشرطة، و26 في المائة منهم لم يكونوا من المحتجين وقتلوا في ظروف مجهولة، و31 في المائة قتلوا أثناء اقتحام أماكن عامة.”

وبينما تشير تقارير من مصادر مستقلة ومنظمات حقوقية إلى مقتل الكثير من الأشخاص في الاحتجاجات، قال ذو النوري: “إن الإحصائيات يمكن التحقق منها وأهم مرجع لنا هو الطب الشرعي”.

استمرار آلة القمع

نشر مرصد حقوق الإنسان في إيران، أمس الإثنين أول يونيو، تقريرًا أكد فيه تشديد النظام الإيراني من ضغوطه القضائية والأمنية على النشطاء السياسيين والمدنيين والأقليات الدينية، تزامنًا مع تفشي فيروس كورونا في مختلف المحافظات الإيرانية.

وأشار المرصد الحقوقي في تقريره إلى حالات انتهاك حقوق الإنسان في إيران، خلال شهر مايو الماضي، لافتا إلى أن العديد من السجناء الذين تم منحهم إجازة بسبب تفشي فيروس كورونا في السجون الإيرانية، تمت إعادتهم إلى محبسهم مجددًا.

كما لفت المرصد إلى تدهور “الظروف في السجون الإيرانية سيئة السمعة”، مشيرًا إلى إصابات بفيروس كورونا في بعض السجون، مثل: سجن قرجك ورامين، وسجن أرومية المركزي، وسجن شيبان في الأهواز، وسجن إيفين، وفشافويه، ووكيل آباد في مشهد.

إلى ذلك، انتقد التقرير عمليات اعتقال النشطاء الحقوقيين، والمحامين، والمشاركين في الاحتجاجات السلمية، خلال شهر مايو/أيار الماضي، وإصدار أحكام قضائية مغلظة ضد بعض هؤلاء المعتقلين.

وذكر التقرير أيضًا اعتقال عدد من النشطاء الشباب من قبل الحرس الثوري الإيراني ووزارة الاستخبارات الإيرانية.

وأفاد المرصد بأن من بين انتهاكات حقوق الإنسان إصدار أحكام بالسجن ضد 16 شخصًا من المحتجين على إسقاط الطائرة الأوكرانية بصاروخ الحرس الثوري، دون تمتعهم بمحاكمة عادلة، وحرمانهم من الحصول على محامين.

تجدر الإشارة إلى أن منظمات حقوقية دولية شددت على ضرورة عدم استخدام الحكومات حول العالم لقوانين الطوارئ في ظل جائحة كورونا، وعدم اتخاذ ظروف الوباء ذريعة لقمع المعارضين.

ربما يعجبك أيضا