جرائم حرب في الخفاء.. ويكيليكس يعري الجيش الأمريكي

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

رفض المدعون الأمريكيون تضمين أحد أكثر الفيديوهات الصادمة لـ”ويكيليكس” في لائحة الأدلة ضد جوليان أسانج، ما أثار اتهامات للولايات المتحدة بأنها لا تريد الكشف عن “جرائم الحرب” علنا.

أسانج وهو مواطن أسترالي، أسس في عام 2006 موقع ويكيليكس، الذي يهتم بنشر الوثائق والصور، وهو محتجز في سجن بلمارش بلندن بينما تحاول الولايات المتحدة تسليمه ليواجه 18 تهمة بموجب قانون التجسس، بتهمة التآمر لتلقي معلومات سرية والحصول عليها والكشف عنها.

تتعلق الاتهامات إلى حد كبير بإدارة الولايات المتحدة للحروب في العراق وأفغانستان، بما في ذلك نشر أسانج لقطات تظهر جنودا أمريكيين يقتلون مدنيين من مروحية في العراق.

تقول صحيفة “الجارديان” البريطانية، أنه “من العار ألا تتضمن لائحة الاتهام” التي تبني عليها واشنطن مطالبتها بريطانيا بتسلم أسانج “الفيديو المسرب الذي يظهر مروحية أباتشي أمريكية تقتل 11 مدنيا عراقيا بينهما صحفيان من رويترز”.

تزعم قضية الادعاء أن أسانج خاطر بأرواح أمريكيين بإطلاق مئات الآلاف من وثائق المخابرات الأمريكية، حيث يسلط الفيديو الضوء بشكل صارخ على قواعد التراخي المتساهلة التي سمحت بقتل الرجال الذين لم يكونوا متورطين مع القوات الأمريكية ولا يهددونها.

جرائم حرب

في عام 2007، كان الصحفي دين ياتس يتولى رئاسة مكتب وكالة رويترز في العراق عندما جرى قتل الصحفيين العراقيين نمر نور الدين وسعيد شماغ، اللذين كانا يعملان بالوكالة، خلال الحادث الذي صنفته وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” “حادث قتل عرضي”.

ولفتت الصحيفة إلى إن ياتس كان يجلس أمام مكتبه في بغداد في ذلك الوقت من صيف عام 2007 في مقر وكالة رويترز للأنباء في المنطقة الحمراء وكان يستعد لتغطية واقعة تفجير سيارة مفخخة في أحد الأسواق الشعبية في المدينة وكانت الأجواء بعد ذلك هادئة”.

ويتذكر ياتس الأنين المرتفع في المكتب ثم دخول أحد الزملاء العراقيين وعلى وجهه علامات الحزن والصدمة قائلا لقد تم قتل نمر وسعيد”، مضيفا أن شهود العيان قالوا إن نمر وسعيد كانا يبحثان عن لقطات مصورة لآثار غارة جوية جرت في الفجر من جانب مروحية أمريكية في منطقة الأمين.

تقول الصحيفة أن كل الكلمات التي صدرت عن الجيش الأمريكي بخصوص عملية القتل كانت بالنسبة لرئيسهما في العمل مجرد أكاذيب، لكن نشر أسانج الفيديو بعنوان القتل الجماعي في أبريل 2010 كشف الحقيقة الوحشية الكاملة لعمليات القتل.

وتشير الجارديان إلى أن ما فعله كان 100٪ عملاً من قول الحقيقة، فضح للعالم كيف تبدو الحرب في العراق وكيف كذب الجيش الأمريكي، والولايات المتحدة تعرف كم هو محرج جريمة القتل العمد، وكم هو مخجل للجيش.

ولفت ياتس إلى أنه رغم ضغطه حينئذ على المسؤولين العسكريين في قوات التحالف في بغداد لمعرفة المزيد من التفاصيل، فإنه لم يفلح وخرج الناطق الرسمي ليشير إلى وقوع اشتباكات مع مسلحين وسقوط 9 قتلى بينهم مدنيان ومعتبرا أن ذلك كان عن طريق الخطأ.

ويضيف: “الوكالة استرجعت بعد أيام معداتها واطلعت على ما صوره نمر بكاميرته حيث التقط مشاهد لآثار اشتباك بالرصاص ثم بعد دقائق قليلة وقبل مقتله صور سيارات هامفي تابعة للجيش الأمريكي توقفت بشكل هادئ عند مفترق طرق قريب، ولم يكن هناك أي مسلحين أو اشتباكات مع الجنود، ثم انقطع التصوير”.

ويتابع: “بعد 3 ساعات من مقتل نمر التقطت الكاميرا منشأه عسكرية وجنديا أمريكيا، من الواضح أن الجنود الذين جمعوا المتعلقات عبثوا بالكاميرا فالتقطت هذه الصور”.

وذكرت الصحيفة، إن رويترز تحدثت مع 14 شخصا من شهود العيان في المنطقة وأجمعوا على أنه لم تقع أي اشتباكات في ذلك الوقت قد تكون استدعت تدخل المروحية بالقصف.

بعد مدة التقى ياتس وزميل آخر بجنرال أمريكي لمناقشة التحقيق في الواقعة وكشف لهم الكثير من التفاصيل، يقول ياتس “أطلعنا على أجزاء من شريط الفيديو المصور للواقعة من المروحية دون أن يسمح لنا بالحصول عليه أو الاطلاع عليه كاملا”.

ورغم المطالبات المتكررة رفض البنتاجون منحهم الشريط، لكن في العام 2010 نشر مؤسس ويكيليكس جوليان أسانج الشريط الذي يظهر المروحية تتابع نمر وهو يترنح محاولا الاختباء خلف حاوية للقمامة قبل أن يتم تفجيره بقذيفة مع آخرين، ثم دار الحوار التالي داخل المروحية: “انظروا إلى أشلاء هؤلاء، لطيف، تصويب رائع، شكرا”.

وكشف الفيديو أن المروحية التقطت صورة سعيد، الذي كان لايزال حيا بعد الضربة الأولى، يزحف بيأس ويتمسك بالحياة رغم إصابته الجسيمة لكن المروحية دارت حول الموقع وعادت لتصوب عليه، لكن سيارة مارة فيها رجل وأطفاله يحاولون مساعدة سعيد ويحملونه فيها فتطلق عليها المروحية قذيفة ويعلق الطاقم بأصوات تغمرها السعادة: “انظروا.. مباشرة من خلال النافذة”.

خداع 

ويضغط  المحامي الأسترالي جريج بارنز هو المستشار القانوني لحملة أسانج الأسترالية، التي تعمل بشكل وثيق مع ممثلي أسانج في المملكة المتحدة، بما في ذلك فريقه القانوني على الحكومة الفيدرالية الأسترالية للضغط على أقرب حليف لها وهو الولايات المتحدة لسحب التهم ودفع بريطانيا لضمان سلامة أسانج.

وقال بارنز إنه بينما لم تذكر لائحة الاتهام الأمريكية ضد أسانج “القتل العمد بشكل صريح فهي جزء كبير من قضية الملاحقة العامة، بسبب ما توضحه عن قواعد الاشتباك الأمريكية، وهي أحد الأسباب العديدة لمعارضة ما يحدث لأسانج”.

ويضيف: “القتل العَرضي يُظهر القتل غير القانوني من قبل أقرب حليف لأستراليا، إنه شيء نستحق معرفته، كان نشرها ولا يزال، يصب في المصلحة العامة بشكل واضح”.

قال السناتور من تسمانيا جرينز بيتر ويش ويلسون، العضو المؤسس للأصدقاء البرلمانيين متعددي الأحزاب لمجموعة Bring Julian Assange Home Group: “إن لقطات القتل المتسربة من لائحة الاتهام، لم تكن في مصلحة حكومة الولايات المتحدة لتسليطها الضوء على الظلم والخداع وجرائم الحرب”.

وأشار إلى أن النيابة الأمريكية تركز على توجيه الاتهام وتسليم جوليان لتهديد حياة الولايات المتحدة أو التحالف، لكن ماذا عن الأرواح العديدة التي يعرضونها للخطر من خلال قواعد الاشتباك؟، فالقتل العمد كشف عن خسائر في الأرواح البريئة على أيدي الجيش الأمريكي، والتستر والأكاذيب والخداع الذي رفضت الولايات المتحدة الاعتراف به.

ربما يعجبك أيضا