الاستخبارات التركية.. شبكة تجسس واسعة من أجل تعقب المعارضة في ألمانيا

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

الاستخبارات التركية، تضع ألمانيا، وتحديدًا الجالية التركية، على قائمة أولوياتها في أوروبا، وربما يعود ذلك إلى حجم الجالية التركية في ألمانيا الذي وصل إلى ما يقارب ثلاثة ملايين، والعلاقات التاريخية ما بين البلدين، واتخاذ المعارضة التركية ألمانيا “دولة حماية”. وهذا الاهتمام من شأنه دفع الاستخبارات التركية إلى تصعيد وتكثيف أنشطة تجسس وعمليات اغتيال على الأراضي الألمانية والأوروبية، خاصة من الناشطين الأكراد وكذلك من الأرمن، أو من معارضين سياسيين مثل جماعة “غولن”.

كشف تحقيق استقصائي وفق تقرير سكاي نيوز في 17 يونيو 2019 أن الرئيس أردوغان، شن حملة غير مسبوقة على القادة العسكريين في جيشه ممن تولوا مهام حساسة في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، أو شغلوا مناصب في السفارات التركية.

الاستخبارات الألمانية تحذر من استغلال أردوغان للمنظمات الدينية

حذرت الاستخبارات الألمانية مجددًا من استغلال أردوغان للمنظمات الدينية  المرتبطة في تركيا من أجل اختراق معارضي رئيس النظام التركي في ألمانيا ونشر الأفكار المتطرفة، فضلا عن استهداف المجتمع الكردي. التحذيرات شملت أيضا، منظمة الاتحاد الإسلامي “ديتيب”، التي تعمل على نشر الأفكار المتطرفة بين مسلمي ألمانيا، بجانب تجسسها على معارضي نظام تركي. 

الاستخبارات التركية تستهدف المعارضة داخل ألمانيا

الاستخبارات الألمانية الداخلية أكدت أن الاستخبارات التركية الخارجية، لديها ما يقارب 6000 مخبر في ألمانيا، و800 عميل مخابرات مدرب جيدا. الاستخبارات التركية من جانبها كثفت أنشطتها غير الشرعية في ألمانيا. الحكومة الألمانية، كشفت أن المخابرات التركية تدير شبكة جواسيس واسعة على الأراضي الألمانية والأوروبية.

ويستهدف جهاز المخابرات التركية المعارضة التركية من خلال التصنت على الهواتف والمراقبة بالكاميرات. وكشف تقرير إعلامي ألماني في “دير شبيغل” الألمانية وشبكة “إيه آر دي” عن اتهام طالبي لجوء أتراك موظفين في هيئات ألمانية معنية بشؤون الأجانب بالوشاية ضدهم لدى وسائل إعلام مقربة من السلطات التركية، وفي تقرير استقصائي مشترك تحدثت مجلة “دير شبيغل” الألمانية وشبكة “إيه آر دي” عن لاجئين أتراك، حددت صحف أو محطات تليفزيونية تركية أماكن إقامتهم في ألمانيا، ووصمتهم بالإرهاب.

وفي تطور آخر، مصادر إعلامية داخل البرلمان الألماني، وأعضاء في كتلة حزب اليسار الألماني، كشفوا خلال عام 2017، أن الاستخبارات التركية طلبت من نظيرتها الألمانية دعم حكومة أنقرة في مكافحة حركة الداعية التركي المعارض “فتح الله غولن” وأكدت ذلك  “مجلة شبيجل” الألمانية التي أفادت بأنها تمكنت من الاطّلاع على وثائق سرية بهذا الشأن. ووفقًا لهذه الوثائق، فإن الجانب التركي طالب جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني “بي إن دي” بالتأثير على صانعي القرار والمشرّعين في ألمانيا من أجل التصدي لأنصار “غولن” وتسليمهم.

وقد كشف مدير مجلس اللاجئين في ساكسونيا السفلى، كاي فيبر، أن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا أبلغ حتى الآن 448 شخصاً أنهم قد يكونون معرضين للخطر بسبب اعتقال المحامي، كما جاء في طلبي إحاطة من حزب اليسار في البرلمان.

الطلب التركي أثار حفيظة الحكومة الألمانية، مما دفع لجنة الأمن في البندستاغ، البرلمان الألماني، أن تراجع عمل جهاز الاستخبارات الداخلية، وراح ضحيتها عدد من رؤوس الاستخبارات الألمانية.

وهنا يجدر الإشارة، أن تركيا كانت تساوم الحكومة الألمانية، بمنحها حق زيارة قاعدتها العسكرية آنذاك قبل نقلها إلى الأردن، مقابل تقديم معلومات حول معارضين أتراك. مخاوف البرلمان الألماني، كانت مشروعة، فهناك فرق ما بين التعاون الأمني وتبادل المعلومات والعمل بالوكالة، وهذا أمر خطير في أمن المعلومات .

وشهدت العلاقة ما بين الاستخبارات الألمانية والتركية تطورًا خطيرًا، عندما اعتقلت السلطات التركية خلال شهر نوفمبر 2019، محاميًا يعمل مع السفارة الألمانية في تركيا، كان مكلفاً بفحص مستندات قدمها طالبو لجوء. الآن منظمة ألمانية تطالب السلطات بالكشف عن الملفات التي تم تكليف المحامي بها وذلك لتحذير أصحابها.

وفي أعقاب ذلك طالب مجلس اللاجئين في ولاية ساكسونيا السفلى السلطات بالكشف عن الملفات التي كلفوا المحامي التركي في السفارة الألمانية في تركيا بها. وأضاف المجلس خلال شهر مارس 2020 أنه ووفقاً لوسائل إعلام تركية فقد صادرت السلطات التركية ملفات تحوي معلومات عن نحو أربعة آلاف طالب لجوء في ألمانيا، وذلك عندما اعتقلت المحامي التركي الذي كان يعمل مع السفارة الألمانية في تركيا.
النتائج

 ـ تبقى ألمانيا، والجالية التركية، تحتل الأولوية لدى الاستخبارات التركية، في تعقب طالبي اللجوء وكذلك من المعارضة، بينها جماعة “غولن” والأكراد والأرمن، وكذلك حتى من الأتراك الرافضين إلى سياسة أردوغان. يذكر أن تركيا تستهدف أيضا كثيرا على الجاليات في الخارج أبرزها ألمانيا، في باب الانتخابات العامة في تركيا والحصول على أصوات، وهذا ما يدفع الاستخبارات التركية إلى تصعيد عملياتها في ألمانيا.

ـ الانتقادات ما زالت توجه إلى ألمانيا، الحكومة تحديدا، بأن موقفها ما زال متراخيا، أمام سياسات أردوغان، وقد تعلق الأمر في أنشطة التجسس للاستخبارات التركية على الأراضي الألمانية، وطالبت كتلة اليسار ، أن يكون هناك موقف أكثر شدة ضد سياسات أردوغان.

ـ الحكومة الألمانية، ربما لم تعلن مواقفها أو رد فعلها إزاء وجود هذه الأنشطة وهذا الكم من الأعداد، ربما الأمر يتعلق بمواقف سياسية ـ ألمانيا لا تريد أن تدخل في جدل مع أردوغان، كون ذلك يعطيه الكثير من الدعاية لأغراض الداخل التركي. فنيا، ممكن القول بإن الاستخبارات الألمانية، تريد أن تترك أنشطة شبكة عمل الاستخبارات التركية، من أجل تعقب اتصالاتها وأهدافهاـ قانونيا، لا يمكن توقيف أو احتجاز أشخاص في ألمانيا، بتهمة التجسس أو الإرهاب إلا بعد الشواهد والأدلة، من أجل أصدار الأوامر القضائية، هذه الأسباب مجتمعة ممكن أن تكون وراء “الصمت” الألماني .

من المرجح أن يستمر التوتر في العلاقات التركية الألمانية، مع بقاء أردوغان وحزبه في السلطة، وممكن أن يتم الكشف مستقبلا عن عمليات تجسس أو اغتيالات تنفذها الاستخبارات التركية في ألمانيا.

ربما يعجبك أيضا