رابعة العدوية.. مناجاة في حب الله

أماني ربيع

أماني ربيع

هي رابعة بنت إسماعيل العدوية ولدت عام 100 هحرية، بالبصرة في العراق، ولقبت بـ “أم الخير” ومولاة آل عتيك، أنجب والداها أربع بنات، هي رابعهن، لذلك سميت برابعة، أما لقب العدوية فقد لحق بها لانتمائها لقبيلة تدعى بني عدوة.

تيتمت في سن صغيرة من الأب والأم، وعاشت مع أخواتها في فقر شديد، وفي كتابه “تذكرة الأولياء”، ذكر المؤرخ فريد الدين العطار، أن أباها لم يترك سوى قارب كان يقل به الناس عبر النهر بدراهم معدودات.

وذات يوم بعدما ضربت المجاعة البصرة بسبب الجفاف، خطفها أحد قطاع الطرق وباعها بستة دراهم إلى سيد أشقاها في العمل، وفي أحد الأيام خافت خوفا شديدا من رجل يلاحقها فاختبأت وأخذت تناجي ربها بكل قلبها، وذكر المؤرخ عبد الرحمن بدوي أن هذه كانت لحظة فارقة في حياتها، وقال في كتابه “شهيدة العشق الإلهي”:

“هذه اللحظة في حياة رابعة يجب أن تُعدّ نقطة التطور الحاسمة في حياتها الروحية، شأنها شأن تلك الأحوال التي أتينا على ذكرها عند أضرابها من كبار الشخصيات الروحية في العالم، لكنها لا تزال في الأسر المادي لدى ذلك السيد القاسي الذي أرهقها فكان لهذا الإرهاق والقسوة، فضل انفجار روحها الباطنة النبيلة.”

ورفض بدوي ما أشيع عنها بأنها اتجهت لحياة اللهو والملذات، وقال كان أباها بلقب بالعابد، وحفظت القرآن في صغرها ونشات عابدة.

وبعدما نالت حريتها، التقت رابعة بصوفي من البصرة اسمه رياح بن عمرو القيسي، وزهدت في الحياة ولجأت إلى مناجاة ربها بالزهد والتصوف، واعتبرت مؤسسة مذهب العشق الإلهي في تاريخ التصوف الإسلامي.

كانت تحيي لياليها بالتهجد والمناجاة، ومن فرط محبتها لله، كانت تنشد الشعر، وأشهر قصائدها تلك التي يقول مطلعها:

عَرفتُ الهَوَى مُذْ عَرَفْتُ هَوَاكَ/ وأغْلقْتُ قَلْبِيَ عَمَّنْ سِوَاكَ

وكنتُ أناجيكَ يا مَنْ تَرَى/ خفايا القلوبِ ولسْنا نَرَاكَ

أحبّكَ حُبَّينِ حُبَّ الهَوَى/ وحُبّاً لأنكَ أهْلٌ لِذَاكَ

وعاشت حياتها في البصرة زاهدة متعبدة، واشتهرت بحبها الشديد لربها، ورفضت الزواج رغم قدوم خيرة رجال قومها لخطبتها.

وروت خادمتها عبدة بنت أبي شوال، أن رابعة كانت تصلي مئات الركعات في اليوم، فإذا سئلت “ما تطلبين من هذا؟”، قالت: “لا أريد ثوابا بقدر ما أريد إسعاد رسول الله حتى يقول لإخوته من الأنبياء: انظروا هذه امرأة من أمتي… هذا عملها”.

ومما قيل عنها في الأثر، إنها كانت إذا صلّت العشاء قامت على سطح لها، قالت:

“إلهي! أنارت النجومُ، ونامت العيون، وغلّقت الملوكُ أبوابها، وخلا كلّ حبيب بحبيبه، وهذا مقامي بين يديك”، ثم تُقبل على صلاتها.

وكانت تقول: “وعزّتك لو طردتني عن بابك ما برحتُ عنه لما وقع في قلبي من محبّتك”.

ويرى المؤرخون أن حرمانها من الدنيا أوصلها بالآخرة، وجعلها تصبر على ما تكره، وتطمئن من خوفها في جوار الله، وسألت في مرة مريديها عن سبب عبادتهم الله، فقال أحدهم: إننا نعبده خوفا من النار، وقال آخر: بل نعبده خوفا من النار وطمعا في الجنة.

فقالت رابعة: ما أسوأ أن يعبد العابد الله رجاء الجنة أو مخافة النار! وتساءلت: إذا لم تكن هناك جنة ولا نار، أفما كان الله يستحقّ العبادة؟

فسألوها: فلماذا تعبدين أنتِ الله؟ فقالت: إنما أعبده لذاته، أفلا يكفيني إنعامه عليّ بأنه أمرني أن أعبده؟

كانت رابعة أول من أدخل فكرة الحب الإلهي الطاهر في الفكر الصوفي، لتصير كلمة الحب لفظا أساسيا لدى مذاهب الصوفية عموما.

واختلف المؤرخون حول تاريخ وفاتها ويرجح أنه بين 180 إلى 185 هـ، ودفنت في البصرة.

ربما يعجبك أيضا