بعيدًا عن أمراء الحرب.. كيف يقاتل فنانو كابول في الشوارع؟

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

مِن قتل جورج فلويد في الولايات المتحدة وغرق اللاجئين الأفغان في إيران، إلى توقيع اتفاق الولايات المتحدة مع طالبان من أجل السلام والقتل الوحشي لعمال إغاثة يابانيين، اتخذت مجموعة من الفنانين الأفغان فرشاة الرسم لتزيين اللون الرمادي لكابول، وتحويل الجدران إلى صور حية، تم تحويل الحواجز الخرسانية إلى لوحات مستوحاة من الأوضاع السياسية، والتي يأمل الفنانون أن تخلق “حواراً بصرياً” وتزيد من الوعي بالفساد والظلم.

تمتلئ العاصمة الأفغانية التي مزقتها الحرب بهذه الحواجز الخرسانية الضخمة، التي تفصل في كثير من الأحيان المقرات الدبلوماسي والحكومية عن بقية المدينة من التلال والبيوت القديمة.

وبسبب الوضع الأمني ​​المتدهور والهجمات التي لا تعد ولا تحصى، تم بناء المزيد من الجدران الخرسانية في جميع أنحاء كابول، مما أدى إلى إغلاق الطرق لفصل المباني والأشخاص من التفجيرات الانتحارية المحتملة.

وتحاط المنطقة الخضراء في كابول، وهي منطقة محصنة للغاية تضم السفارات ووكالات الأنباء بالجدران الخرسانية الضخمة والثقيلة.

منذ عام 2014 توجه مجموعة “أرت لودرس” لوحاتها لكل الناس خاصة طالبان وأمراء الحرب والمخدرات الذين يواصلون تأجيج الحرب في البلاد دون أي اعتبار للأرواح التي تفقد.

رسمت المجموعة مؤخرًا صورة لجورج فلويد، الأمريكي من أصول أفريقية والبالغ من العمر 46 عامًا الذي قتلته الشرطة في مينيابوليس، بالإضافة إلى لوحة جدارية للاجئين الأفغان وهم يغرقون في نهر في إيران بعد فرارهم من وطنهم، ويُزعم أن حرس الحدود الإيراني أجبروهم على دخول الماء تحت تهديد السلاح.

قال كرار: “لقد رسمناها في يوم واحد، عادة ما نعرض الصورة إلكترونيا على الجدار ثم نبدأ في عملية الرسم بالفرش والسلالم ومجموعة من المتطوعين”.

“دعونا لا نزرع أي شيء سوى بذور الحب والصداقة في هذه الأرض النقية”، كتبنا هذه الكلمات بجوار لوحة جدارية، لرئيس وكالة الإغاثة اليابانية تيتسو ناكامورا، المتخصصة في مشاريع الري والذي قتل على يد مسلحين في مدينة جلال آباد الشرقية في ديسمبر، وذلك بعد وقت قصير من مقتله، بحسب “كرار”.

عندما تم تأسيس “أرت لودرس”، كانت الأوضاع صعبة جدا في أفغانستان، ففي ذلك الوقت تولى الرئيس أشرف غني منصبه لأول مرة في عام 2014 بعد نزاعات مع منافسه عبدالله عبدالله، ثم أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن الوقت قد حان “لقلب الصفحة على عقد من الزمان تركز فيه الكثير من سياستنا الخارجية على [الحرب] في أفغانستان”، قائلاً إنه يخطط لسحب القوات الأمريكية بحلول نهاية عام 2016.
 
وانطلاقا من الخوف وعدم اليقين في أوقات الانكماش الاقتصادي، ترك العديد من الأفغان البلاد، وبعض منهم انضم إلى موجة من اللاجئين التي تتجه نحو أوروبا.

كل هذا ألهم مؤسسي “ارتلوردز” عميد شريفي وكبير مكمل لرسم أول لوحة جدارية، وهي عبارة “زوج من العيون وعبارة “أراك” – بهدف استجواب “الحكومة الفاسدة وخلق حوار”.

ومنذ ذلك الحين، رسمت المجموعة ما يقرب من 2000 لوحة جدارية في 19 من مقاطعات أفغانستان الـ34، وقد كلفت وكالات الأمم المتحدة وسفاراتها ببعض الأعمال لرفع مستوى الوعي بجدول أعمال التنمية، لكن القطع المستقلة الأخرى تهدف إلى إثارة الجدل السياسي.

وتضم المبادرة الفنية 10 من الموظفين، بما في ذلك بعض الفنانين، وحوالي 35 متطوعًا، كما واجهت المجموعة -التي تمولها الآن الجهات المانحة الدولية بشكل رئيسي- المديح والنقد.

وتساءل البعض عما إذا كان تجميل الجدران المقاومة للانفجار ينكر غرضها، لكن بادرة “أرت لودرس” قالت إنها ستواصل تعزيز رسائل السلام والعدالة الاجتماعية، وكذلك استخدام عملها لاستهداف الفساد الحكومي المزعوم.

يقول بانيز موسوي ناتانزي، الذي يدرس السياسة في أفغانستان: “زاد الفنانون من الاستخدام المسموح به للكتابة على الجدران الخرسانية التي تفصل الجهات العسكرية والحكومية عن الجمهور ومعها حولت جدران المدينة إلى لوحات عامة”.

ربما تسببت بعض الجداريات في الجدل، ولكن حتى الآن تمت إزالة واحدة فقط، وقبل عامين، رسمت المبادرة صورة لحميدة البرماكي، أستاذة القانون والناشطة في مجال حقوق الإنسان التي قتلت مع زوجها وأطفالها الأربعة في هجوم انتحاري في عام 2011 تبناه متشددون من حزب الإسلام.

وأزال رجال حكمتيار بسرعة اللوحة الجدارية التي رسمت على إحدى الجدران بالقرب من منزل زعيم المسلحين قلب الدين حكمتيار – زعيم المجاهدين السابق الذي دخل الحكومة الأفغانية منذ ذلك الحين.

قال كرار: “قاموا بالطلاء عليها، كنا نأمل أن نوضح نقطة، انظروا لقد انضم إلى الحكومة، لكنه قاتل”، حيث تم العفو عن جرائمه من قبل الحكومة الأفغانية كجزء من اتفاق سلام.

“نريد أن نكون صوتًا للناس من خلال فننا، نريد أن نتأكد من أن أولئك الذين هم في السلطة يسمعون هذا الصوت ويشعرون بالخجل، حسب ما قال شريفي ردا على تخريب جدارية بارماكي التذكارية، مضيفا: “يجب أن يعرفوا أن الناس لم ينسوا الجرائم التي ارتكبوها خلال السنوات الماضية”.

وأضاف كرار: “من الناحية السياسية، نحن نواجه مستقبلاً غامضًا في أفغانستان، حيث يخشى كثير من الناس من اكتساب طالبان القوة؛ الكثير يتأثر مباشرة بالقتل والهجمات، ونأمل أن تتمكن جدارياتنا من معالجة المعاناة والظلم الذي يواجهه الناس وأن يتحول ذلك إلى السلام”.

ربما يعجبك أيضا