أمام قسوة العقوبات .. إمبراطورية الإعلام الإيراني الموجه للخارج تتهاوى

يوسف بنده

رؤية

استثمر نظام ولاية الفقيه في إيران، بشكل كبير في بناء آلة إعلامية دعائية في الداخل والخارج، وفي الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، التي هي هدف الرسائل التي تبثها مؤسسات إعلامية حكومية متعددة ومؤسسات “غير حكومية” يسيطر عليها النظام.

وحسب تقرير قناة العربية، يرى مراقبون أنه ينبغي على صانعي السياسة والمحللين في الولايات المتحدة الانتباه جيدًا إلى محاولات النظام تشكيل الرأي العام الأوروبي والأمريكي، تحت غطاء لاستفادة من الأزمات.

وتركز المؤسسات التي تدير عمليات نفوذ طهران كل منها على مهمة محددة، وهناك تداخل بين ما تقوم به، بحسب تقارير متخصصة، أكدت أن أهم هذه المنظمات وزارة الخارجية، وقنوات وإذاعات إيران (IRIB) ، وأذرع المعلومات التابعة لفيلق الحرس الثوري، ومجموعة من المنظمات الدينية التابعة لها بما في ذلك منظمة التنمية الإسلامية، وجامعة المصطفى الدولية ومكتب الدعاية الإسلامية بكلية قم.

وتعد وزارة الخارجية، وتحديداً قسم “الدبلوماسية العامة” أحد ركائز جهود طهران للتأثير على الرأي العام الأمريكي، ولقد تعمل هذه الآليات على بناء صورة مضللة عن وزير الخارجية محمد جواد ظريف، بأنه دبلوماسي عاقل عبر التظاهر بأنه مسؤول مختلف عن أيديولوجية المتطرفين الدينيين الذين يشكلون ركائز النظام الإيراني.

وتخصص ميزانية عام 2020-2021 مبلغ 105 ملايين دولار لعمليات التأثير التي تستهدف الشتات الإيراني من المغتربين، وهو مبلغ يساوي ثلاثة أضعاف تمويل العام السابق. وتشير هذه الزيادة الملحوظة وسط ضغوط مالية شديدة على النظام إلى قيمة هذه الجهود وتوسعها.

مع احتكارها للبث الإذاعي والتلفزيوني، تلعب إذاعة وتلفزيون الجمهورية الإيرانية (IRIB) دورًا حاسمًا في الداخل والخارج، فإنها ولتشكيل الخطاب السياسي في الخارج تدير IRIB قنوات تلفزيونية باللغة الإنجليزية أبرزها “برس تي في” والإسبانية “هيسباني تي في” وبلغات رئيسية أخرى.

وقد ظهر قادة سياسيون مثل جيريمي كوربين من حزب العمال البريطاني، وبابلو إغليسياس من Podemos الإسباني وكانوا مستشارين في المحطات الإيرانية في الخارج، كما تبدو أهمية قنوات IRIB للنظام واضحة من ضخامة ميزانيتها. وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة، ستتلقى الشبكة ما يقرب من مليار دولار هذا العام بزيادة كبيرة عن 488 مليون دولار قبل عام.

كما تسمح الميزانية بتحويل 150 مليون يورو إضافية متاحة، ما يقرب من 165 مليون دولار، من صندوق التنمية الوطني الإيراني إلى قنوات المحطات الرسمية، كما يظهر أن هذه الأموال لا تشمل عائدات الإعلانات الكبيرة التي تحققها IRIB بفضل احتكارها للبث وهو مبلغ قد يكون بمئات الملايين، يصب في ميزانيتها الرسمية، ويخصص حوالي 16% للبث الأجنبي.

بداية النهاية

يبدو أن حملة الضغوط القصوى الأمريكية على إيران، التي تسببت بما قد يكون أقسى أزمة اقتصادية تعيشها البلاد في تاريخها، بدأت تترك تأثيراً ملحوظاً على النفوذ الإيراني المتمدد إقليمياً وبعض أدواته، التي تحتاح إلى صرف مبالغ ضخمة، مثل إمبراطورية وسائل الإعلام، التي تمولها إيران، خارج حدودها. ففي 10 يونيو/حزيران، قال مساعد رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية للشؤون الدولية بيمان جبلي، أن طهران قد تلجأ إلى غلق عدة قنوات تابعة لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الحكومية تبث بلغات مختلفة، نتيجة نقص التمويل والديون المتراكمة بذمتها. وقال إن القرار قد يشمل قنوات مختلفة من بينها “العالم”، التي تبث باللغة العربية، وقناة برس تي في” باللغة الإنجليزية، بسبب “ديون بالعملة الأجنبية”.

ونقل موقع قناة “إيران إنترناشينال” آنذاكن إن السلطات قررت في وقت سابق إغلاق “راديو دري”، بعد أربعين عاما من العمل في العاصمة الأفغانية “كابول” بسبب الديون.

وأضافت أنه في الأشهر الخمسة الماضية، لم يتم تخصيص أي مبالغ بالعملة الأجنبية بـ”الدولار أو اليورو أو الدرهم أو الدينار” لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية.

كذلك نشرت، اليوم الأربعاء، صحيفة الجريدة الكويتية، نقلًا عن مصدر بالقسم الإعلامي في “الحرس الثوري”، لـ “الجريدة”، أن قائد “فيلق القدس” الذراع الخارجية للجهاز، اللواء الركن إسماعيل قآني، خلافاً لسلفه الراحل الفريق قاسم سليماني، لا يُعير اهتماماً كبيراً لوسائل الإعلام، وعلى هذا الأساس فإنه قام باقتطاع قسم كبير من المساعدات، التي كان يقدمها “الفيلق” لوسائل الإعلام الموالية لإيران خارج البلاد، وخصوصاً من خلال “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية” المسؤول بشكل كبير عن تمويل الإعلام الخارجي.

وأوضح المصدر أن “الحرس” يحمّل الحكومة مسؤولية اقتطاع ميزانية هذا الاتحاد، بسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن العقوبات وتفشي “كورونا”، مضيفاً أن الحكومة، بذريعة العجز المتزايد في الميزانية، قامت بتجميد قسم من الميزانيات المخصصة للجهاز. وبموجب صلاحياته، فضل اللواء قآني الاقتطاع من رواتب “الإعلاميين”، على أن يصل الأمر الى رواتب “المقاتلين”.

وقف التمويل الرسمي

وكان بيمان جبيلي مساعد القسم الدولي لرئيس “مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيراني”، كشف في تصريح لـ “وكالة أنباء الطلبة”، الأسبوع الماضي، أن حكومة الرئيس حسن روحاني جمّدت قسماً من ميزانية المؤسسة، وخصوصاً تلك التي تتطلب مدفوعات بالعملات الصعبة، وهو ما نتج عنه عجز المؤسسة عن دفع اشتراكاتها في الشبكات الأجنبية للأقمار الصناعية، وبالتالي فإن بث شبكات “برس تي في” و”الكوثر” و”هيسبان تي في” و”العالم” و”سحر” توقّف بالفعل، على بعض الأقمار الصناعية، ومن الممكن أن يتوقف بثها بشكل كامل إذا استمر الأمر على هذا المنوال.

ويقوم القسم الدولي في “مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيراني”، بتمويل أكثر من 60 شبكة تلفزيونية تابعة له، بشكل مباشر أو غير مباشر، في شتى أرجاء العالم، يُبث معظمها من داخل إيران، إضافة إلى نحو 200 إذاعة جميعها تبث بلغات غير فارسية.

من جانبه، يقوم “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية” بتمويل أكثر من 200 شبكة تلفزيونية، و600 إذاعة دولية ومحلية، وأكثر من 5 آلاف محطة إخبارية، ونحو 50 وكالة أنباء تنشر أخبارها بلغات غير الفارسية، في أرجاء العالم، ومعظمها يعمل من خارج إيران.

وفي حين أن الشبكات التابعة لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيراني مسجلة باسم المؤسسة بشكل مباشر أو عبر وسيط، فإن وسائل الإعلام التي يمولها “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية” مسجلة باسم أشخاص موالين لإيران في أرجاء العالم، ورسمياً ليس هناك أي صلة إدارية لها بطهران.

وحسب المصدر، فإن وسائل الإعلام التابعة لفصائل “الحشد الشعبي” في العراق، كانت قد أسست “اتحاد التلفزيونات والإذاعات العراقية”، لكي يكون لها استقلال نسبي عن إيران، وكانت تتلقى مساعدات من الحكومة العراقية، إلى جانب التمويل الذي يصلها من “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية”، لكن بعد وصول مصطفى الكاظمي إلى رئاسة الحكومة في بغداد، فإنه قام باقتطاع قسم كبير من المساعدات، التي كانت مخصصة للمؤسسات الإعلامية التابعة لـ “الحشد”، مما يعني أن هذه المؤسسات ستعاني شحاً في التمويل من مصدرين.

وكشف مصدر آخر، أن بعض وسائل الإعلام الموالية لإيران، الناطقة بالعربية، والتي تعد مؤثرة وفعالة، مثل فضائية “الميادين” أو صحيفة “الأخبار” اللبنانية، التي تتلقى تمويلاً إيرانياً غير مباشر؛ ستتأثر بهذه القرارات، وستعاني أزمة مالية بشكل أو بآخر.

ربما يعجبك أيضا