الاستخبارات البريطانية.. جملة سياسات أمنية احترازية لما بعد “البريكست”

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد 

تتزايد التحديات الأمنية للحكومة البريطانية، في أعقاب خروجها من الاتحاد الأوروبي، وهناك إجماع لدى المراقبون، بأن بريطانيا سوف تخسر الكثير من وسائل الدعم الأمني الخاص بأمن المعلومات، وهذا ما دفع بريطانيا إلى اتخاذ جملة سياسات وإجراءات، يمكن وصفها بالسياسات الاحترازية ما بعد البريكست.
 
اتخذت بريطانيا قرارها خلال عام 2016، بالخروج من الاتحاد الأوروبي، في أعقاب التصويت الذي أجرته في يونيو من نفس العام، بريطانيا اتخذت قرار الخروج، رغم كل المخاوف الاقتصادية والأمنية التي يمكن أن تواجه لندن بعد البريكست.

وفى أكتوبر 2018 توصلت الحكومة البريطانية والاتحاد الأوروبي بعد المفاوضات الصعبة إلى اتفاق حول نص الوثيقة التي تحدد شروط خروج المملكة من الاتحاد  “البريكست”. 

وسبق أن اعتمدت دول الاتحاد الأوروبي خلال 2017، وثيقة خارطة طريق لإقامة اتفاق اتحاد للأمن في أوروبا أعطت فيها مسالة مكافحة الإرهاب والأمن الأوروبي الأولوية من خلال تبني تدابير جديدة للأمن في أوروبا، وأجرت المفوضية الأوروبية إجراءات عدة من أجل الوصول إلى أمن موحد داخل أوروبا، من خلال تبادل المعلومات في إطار نظام شنغن المعلوماتي ومركز مكافحة الإرهاب الأوروبي التابع لليورو بول.

لتصبح الوثيقة بنكا معلوماتيا لتغذية وكالات الأمن الأوروبية، ويقوم المركز الأوروبي بالتنبيه إلى التهديدات الأمنية وجمع وتحليل المعلومات ودعم الدول والمؤسسات برسم الخطط الخاصة في مكافحة الإرهاب. 

هل ستكون بريطانيا أكثر عرضة للإرهاب بعد “البريكست”؟ 

إن خروج بريطانيا من الاتحاد، ممكن أن يجعلها أكثر عرضة للإرهاب، وربما يعود ذلك إلى فكرة، أن الإرهاب لم يعد مستوردا بل أصبح محليا وأن بالخروج من الاتحاد سوف تخسر بريطانيا بعض وسائل الدعم الأوروبي في مجال الأمن والتعاون الأمني أهمها:

ـ حرمانها من الوصول إلى قاعدة البيانات التي تتتيح لها مشاركة المعلومات مع الشرطة الأوروبية بشأن المشتبه بهم وبالتالي ستفشل في تنفيذ استراتيجتها الجديدة لمواجهة الإرهاب المسماة “كونتيست”، والتي أعلنت عنها في يونيو 2018 فهى تعتمد على تبادل للمعلومات على نحو أسرع بين جهاز “إم اي 5” والشرطة والسلطات المحلية وكذلك القطاع الخاص. 

ـ خسارة نظام “شنغن” المعلوماتي  الذى يتيح لها الوصول إلى قاعدة البيانات الخاصة للمهاجرين عبر الحدود الأوروبية.
 
اليمين المتطرف في بريطانيا
تواجه بريطانيا تهديدا كبيرا من الإرهاب اليميني المتطرف المنظم، حيث يعد التهديد الإرهابي اليميني أكثر أهمية وتحديا من التهديد الجهادي، فقد كشفت وزارة الداخلية البريطانية زيادة مهمات المركز المشترك لتحليل الإرهاب الذي يقوده جهاز الاستخبارات الحربيّة البريطانيّة، لتشمل تقييم التهديد الذي يحمله الإرهاب اليميني المتطرّف.
 
ويعتقد مارتن إيفانز في تحليل بعنوان “صعود اليمين المتطرف”، بأن صعود جماعات مثل “العمل الوطني” يشير إلى أن اليمين المتطرف يتسم بأنه أكثر تنظيما، ويشير إلى تحذير رئيس وحدة مكافحة الإرهاب في الشرطة البريطانية من أن الشركات المالكة لوسائل التواصل الاجتماعي تساعد في تقوية أيدولوجيات المتطرفين، إسلاميين ويمينيين، لأنها تساعدهم في الدعاية والنمو، كما تساعد الناس في تشكيل خلايا وشبكات من الأفراد التي تتفق في أفكارها.
 
الجماعات الإسلاموية المتطرفة 
تواجه بريطانيا معضلة خطيرة أمنيا وهى عودة المقاتلين الأجانب  العائدين من ساحات القتال في سوريا والعراق، وطالبت السلطات البريطانية بعدم السماح  لهم بالعودة للبلاد، إذ تعتقد أن الأسلوب الوحيد للتعامل مع المواطنين البريطانيين الذين يحاربون إلى جانب تنظيم داعش في سوريا والعراق هو القضاء عليهم، وتعتبر بريطانيا العائدين من المقاتلين وعائلاتهم، تهديدا لأمنها.

هذا التهديد لا يتحدد فقط في العائدين البالغين بل حتى القاصرين، في المستقبل المنظور، وعادة ما يكون العائدين أكثر خبرة بالحروب والمعارك وتنفيذ الهجمات الإرهابية، كذلك يصعب مراقبتهم بشكل دقيق.
 
ويقول أحد  كبار المسؤولين في الاستخبارات: إن بريطانيا لا يمكنها منع مواطنيها المنتمين لـ”داعش” من العودة إلى بلادهم، إن مثل هؤلاء لا يمكن منعهم إذا ما قرروا العودة للمملكة المتحدة، رغم احتمال تمثيلهم خطرا بالغا.

وتابع: لكن ربما هناك حاجة لقدر كبير من المعلومات للتأكد من كونهم لا يمثلون تهديدا. 

تدابير جديدة  لما بعد البريكست

ـ تدير شرطة مكافحة الإرهاب بمختلف أرجاء المملكة المتحدة قاعدة بيانات سرية تحوي معلومات تفصيلية عن آلاف الأفراد، في إطار برنامج “منع” لمكافحة الإرهاب الذي يتم بمشاركة عدة أجهزة حكومية ويمكن لجميع أفراد الشرطة عبر إنجلترا الدخول إلى هذه القاعدة، وبإمكان مسؤولي وزارة الداخلية طلب الحصول على بيانات منها.  

– العمل بقانون جديد لمكافحة الإرهاب، منذ إبريل 2019 من شأنه أن يمنح الشرطة السلطات التي تحتاج إليها في الإحباط المُبكّر للمؤامرات الإرهابيّة. 

ويقول نيل باسو رئيس وحدة مكافحة الإرهاب ببريطانيا في 7 أغسطس 2019 إنه إذا غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي بلا اتفاق، فستفقد الشرطة إمكانية الاطلاع على البيانات من خلال نظام معلومات شنغن وسجلات أسماء الركاب والقدرة على استخدام أوامر الاعتقال الأوروبية. 

ـ عندما يتعلق الأمر بمسألة تقييم المخاطر والتهديدات، فإن المركز المشترك لتحليل الإرهاب يكون مسؤولا عن تحليل التهديدات التي قد يتعرض لها المواطنون على المستوى المحلي والداخلي، وأيضا تحليل التهديدات الخارجية التي قد تتعرض لها المصالح الحيوية الخارجية لبريطانيا. 

تسعى بريطانيا إلى تعزيز سياساتها وإجراءاتها الأمنية، تحسبا لما بعد البريكست، فقد اتخذت بريطانيا جملة سياسات خلال السنتين الأخيرتين، منحت فيها صلاحيات واسعة لأجهزة الأمن والاستخبارات، محاولة منها للوقاية من التطرف والإرهاب. 

إن خروج بريطانيا من الاتحاد ومسك الحدود الخارجية، لا يمنع وقوع عمليات إرهابية على الأراضي البريطانية، فقد كشفت التقارير والبيانات، أن غالبية من نفذوا العمليات الإرهابية في بريطانيا خلال الثلاث سنوات الأخيرة هم من المحليين.
 
وهذا يعني أن تهديدات اليمين المتطرف والجماعات الإسلاموية، تبقى قائمة في بريطانيا، ونجاحها بدون شك يعتمد على مدى قدرة أجهزة الأمن البريطانية من انتزاع المبادرة من الجماعات المتطرفة بكل أنواعها. 
 

ربما يعجبك أيضا