“طفح الكيل”.. حراك شعبي فلسطيني ضد الفساد في زمن الكورونا‎

محمود

رؤية – محمد عبدالكريم

“عندما يفتقر المرء.. ينبش أقدم دفاتره” مثل شعبي  فلسطيني يختزل واقع الحراك في الشارع الفلسطيني ضد الفساد في أروقة السلطة الفلسطينية، بعد أن تفشت الأزمة الاقتصادية، كتفشي جائحة الكورونا، التي دفعت الاقتصاد الفلسطيني إلى حافة الانهيار كما حذرت الأمم المتحدة.

كان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لعملية السلام نيكولاي ملادينوف، قد حذر من أن الوضع الاقتصادي في فلسطين على حافة الانهيار، إذ انخفض الدخل بنسبة 80 في المائة، إضافة إلى أن الفلسطينيين في أمسّ الحاجة إلى خدمات ودعم أكثر من أي وقت مضى، بحسب ملادينوف.

وتطرق ملادينوف للحديث عن انتشار فيروس كورونا وارتفاع عدد الإصابات في ظل الأزمة الاقتصادية المتصاعدة الناتجة عن إغلاق الشركات وتزايد البطالة، كما تزايدت الاحتجاجات بسبب تبعات كورونا والإغلاق والقيود المفروضة خلال الفترة السابقة، كما تطرق إلى تصاعد المواجهات السياسية المدفوعة بالتهديد بالضم الإسرائيلي لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة، والخطوات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية، بما فيها إنهاء التنسيق الأمني وما نجم عنه من حجب للأموال الفلسطينية لدى الاحتلال وهو ما يضاعف سوء الوضع الاقتصادي أكثر وأكثر.

91% من الفلسطينيين لا يثقون في السلطة 
ووفقاً لاستطلاع للرأي العام نشره مركز مراقبة الفساد الفلسطيني “أمان” فإن 91٪ من الفلسطينيين الذين شملهم الاستطلاع لا يثقون في السلطة الفلسطينية.

وبحسب المركز فإن سوء الممارسة السياسية والمالية للسلطة أدى إلى فقدان الثقة في وقت تتركز فيه أولوية السلطة على الاستثمار والسيطرة على جميع موارد البلاد لصالح “فتح”، وأنه غالباً ما يظهر الفساد السياسي من خلال تعيين كبار المسؤولين على أساس الولاء أو المحسوبية بدلاً من الجدارة.

منظمة الشفافية الدولية: فلسطين الثانية عربيا من حيث مظاهر الفساد المختلفة
وفي أواخر العام المنصرم، كشفت نتائج مقياس الفساد العالمي للمنطقة العربية، أن فلسطين تحتل المرتبة الثانية بالمقارنة مع لبنان في غالبية مظاهر وأشكال الفساد على مستوى الدول العربية، التي يراها المراقبون بأنها الأخطر؛ لأنها ما زالت في طور النشوء ومرحلة التحرر الوطني.

وبينت النتائج أن 17% من المواطنين المستطلعة آراؤهم كانوا قد دفعوا رشوة مقابل الحصول على خدمات حكومية خلال الـ 12 شهرا الماضية، فيما استخدم 39% منهم الواسطة من أجل الحصول على الخدمات العامة، و12% عُرِضت عليهم رشوة مقابل الإدلاء بأصواتهم في العملية “الديمقراطية” الانتخابية، و21% تعرّضوا للابتزاز الجنسي أو يعرفون شخصا تعرّض له لدى محاولة الحصول على خدمات حكومية في فلسطين، وهي نسبة بحاجة للوقوف عندها طويلا.

وأشارت النتائج الى أن شخصاً واحداً من بين خمسة أشخاص تعرض إلى الابتزاز الجنسي لدى محاولته الحصول على خدمة ما من المصالح الحكومية في مختلف القطاعات كالصحة أو التعليم أو خدمات إسناد بطاقة الهوية، أو الشرطة أو القضاء أو المرافق العامة، حيث جاءت نتائج المقياس الدولي الذي نفذته منظمة الشفافية الدولية متجانسة ومتوافقة إلى حد كبير مع نتائج استطلاع رأي المواطنين الذي تعده “أمان” بشكل سنوي، والذي يقيس انطباعات المواطنين حول واقع الفساد في فلسطين وجهود مكافحته، واعتمد على عينة  مكونة من 1025 فردا من المجتمع الفلسطيني من الضفة الغربية والقدس وغزة.

وأشارت نتائج المقياس، إلى أن 62% من المواطنين المستطلعة آراؤهم في فلسطين يرون أن الفساد تفاقم خلال 12 شهرا الماضية، فيما قيّم 51% من المواطنين أن أداء الحكومة يعد ضعيفاً في مجال مكافحة الفساد، فيما يرى 45% من المواطنين أنه جيّد، و5% هامشية بأنهم لا يعرفون.

حراك ضد الفساد.. صرخة في وجه الفساد
وفي ظل هذه المعطيات، ومع تدهور الوضع الاقتصادي  فقد بدأت مرحلة شعبية جديدة من مكافحة الفساد تعيشها الضفة الغربية، مع انتشار وثائق مالية وإدارية تكشف حجم الفساد الذي ينخر مؤسسات ودوائر السلطة الفلسطينية، وحكوماتها المتعاقبة، كان آخرها وثيقة كشفت رفع قيمة رواتب الوزراء إلى 5 آلاف دولار وتقديم بدل إيجار بـ10 آلاف دولار.

وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي وثائق عديدة تظهر حجم الفساد والتغول على المال العام لمصلحة طبقة المسؤولين في الوقت الذي تفرض فيه العقوبات على غزة بذريعة الأزمة المالية.

الأحد الماضي، اعتقل الأمن الفلسطيني 20 من أعضاء الحراكات التي كانت تنوي تنفيذ تظاهرة ضد الفساد وسط مدينة رام الله، واتهم أعضاء في الحراكات المنظمة للوقفة أجهزة الأمن باعتقال أكثر من عشرة أشخاص، من ضمنهم الناشط عامر حمدان والناشط فايز السويطي والناشط جهاد عبدو.

وطالب الحراك أن تكون هناك رقابة على السلطة التنفيذية؛ قائلا: إن السلطة التنفيذية تتغول في البلاد دون رقيب ولا حسيب، والمسؤولون التنفيذيون يتسلطون على مفاصل البلد ويقومون بتعيين كل من يمت لهم بصلة على حساب الكفاءات التي يتم تهجيرها، ومطلبنا مكافحة الفساد ومراجعة التعيينات، وإقرار قانون حق الحصول على المعلومات، ووجود سلطة تشريعية تراقب على السلطة التنفيذية.

المعتقلون يضربون عن الطعام
وأعلن المعتقلون على خلفية الحراك قبل أسبوع، الإضراب عن الطعام احتجاجاً على اعتقالهم، بعد أن مدّدت النيابة العامة، توقيفهم بتهمة التجمهر غير المشروع ومخالفة قانون الطوارئ، وكان آخرهم الناشط محمد القروي الذي اعتقله الأمن الفلسطيني من مكان عمله وانضم للمضربين عن الطعام، ليصل عددهم إلى 13.
 
الأمم المتحدة والعفو الدولية تدعوان السلطة الفلسطينية للإفراج الفوري عن المعتقلين
ودعا مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين، أول أمس الجمعة، إلى الإفراج عن جميع المعتقلين لدى الأمن الفلسطيني على خلفية ممارسة حرياتهم الأساسية.

وعبر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين في بيان صحافي، عن قلقه البالغ إزاء اعتقال النشطاء في مكافحة الفساد من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية خلال الأسبوعين الماضيين.

ووفق البيان، فإنه منذ 7  يوليو 2020، تم اعتقال 24 شخصاً على الأقل على خلفية نشاطهم عبر منصات التواصل الاجتماعي أو نشاطاتهم المدنية، حيث تم اعتقال بعضهم لأكثر من مرة وأحدهم بشكل عنيف بينما كان يرافقه طفل صغير، وحتى تاريخ 23 يوليو 2020 ما زال ثلاثة عشر منهم قيد الاحتجاز، فيما أعلن عشرة منهم الإضراب عن الطعام احتجاجاً على احتجازهم.

وأكد مكتب الأمم المتحدة أنه يجب على دولة فلسطين أن تحترم حرية الرأي والتعبير وحرية تكوين الجمعيات والتجمع، وفقاً لالتزاماتها الدولية بحقوق الإنسان، التي ما تزال سارية على الرغم من إعلان حالة الطوارئ بسبب “كوفيد- 19”

وذكرت الأمم المتحدة أنه لا يجوز اعتقال أي شخص لتعبيره عن رأيه بصورة سلمية، مشيرة إلى أن “التحقيق في الخروقات المحتملة والمرتبطة بإجراءات الصحة العامة مثل القيود على الحركة والتجمع والمعاقبة عليها لا يجب أن تكون ذرائع لسلب الحرية”.

كما طالبت منظمة العفو الدولية، السلطة الفلسطينية، بالإفراج الفوري عن المعتقلين الذين أضرب بعضهم عن الطعام احتجاجاً على اعتقالهم على خلفية تظاهرة سلمية ضد الفساد برام الله.

الهيئات الحقوقية الفلسطينية: الاعتقال معيب والإفراج الفوري مطلب عاجل
كانت “الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان” قد طالبت، بالإفراج عن النشطاء الموقوفين، مشيرة إلى أن الشرطة قامت بتوقيف عدد منهم قبل أو لحظة وصولهم إلى المكان المحدد للاحتجاج. وتابعت أنه في الوقت الذي تؤكد فيه ضرورة الالتزام التام، ومن قبل جميع المؤسسات والفعاليات من دون استثناء، بإجراءات السلامة والتباعد الاجتماعي، إلا أنها تعتبر أن توقيف الناشطين المجتمعيين يتضمن عقوبة مقنعة على خلفية نشاطهم المجتمعي وتدويناتهم التي تتضمن انتقادات لبعض المؤسسات والشخصيات العامة، مطالبة بضرورة الإفراج الفوري عنهم جميعاً، والتوقف عن استخدام إجراء التوقيف أو الحجز الاحتياطي كعقوبة.

ورفضت “شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية”، في بيان لها، التذرع بحالة الطوارئ السارية في البلاد بفعل انتشار جائحة كورونا، ومنع التجمعات أو التظاهر، واتخاذها مبرراً لممارسة انتهاك القانون.

وتابعت: “على العكس من ذلك، ترى الشبكة أن مسألة استمرار المراسيم وحالة الطوارئ ذاتها هي التي تحتاج لنقاش حول ملاءمتها، وتطابق الاجراءات المتبعة خلالها مع القانون، والتقيد به، والصلاحيات التي تناط بجهات عديدة لإنفاذ القانون”.

ورأت الشبكة في اعتقال النشطاء مساً صارخاً بالقانون الأساسي، وحرية الرأي والتعبير المكفولة بالقانون، وأنها تمثل اعتداءً صارخاً على قيم وتقاليد ترسخت عبر سنوات طويلة تكفل حق الاختلاف والتباين في إطار مبدأ سيادة القانون، واحترام التعددية التي تكفلها أيضاً وثيقة الاستقلال الفلسطيني الصادرة عن المجلس الوطني الفلسطيني العام 1988، وعبّرت عن مساندتها لكل التحركات والأنشطة الهادفة لمكافحة الفساد باعتبارها أحد أشكال مواجهة الاحتلال.

من جانبها، دعت مجموعة “محامون من أجل العدالة”، مساء اليوم، “كافة النشطاء والحراكيين وكل من يتعرض للاعتقال على خلفية ممارسة حرية الرأي والتعبير، لضرورة التزام الصمت منذ لحظة الاحتجاز لدى الشرطة وعند الاستجواب لدى الجهات الرسمية باعتباره حق مكفول بموجب القانون، وذلك احتجاجاً على حملة الاعتقالات العشوائية وغير المبررة التي تستهدف حرية الرأي والتعبير، ورفضاً لسياسة تكميم الأفواه التي تمارسها السلطة التنفيذية بغطاء قضائي دون مراعاة لحقوق الناس وحرياتهم”.

ربما يعجبك أيضا