“يوم عرفة”.. ركن الحج الأعظم

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

من تلك الأيام العظيمة القدر الكثيرة الثواب والأجر يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، ويعتبر من أفضل الأيام عند الأمة الإسلامية ففيه تتنزل الرحمات، وفيه يقف الحجاج على جبل عرفات حيث إن الوقوف بعرفة يعد أهم أركان الحج، ولهذا اليوم فضل كبير فهو الذي أتمّ الله فيه نعمته على عباده، وأكمل لهم دينهم فيه، ولكن اليوم ووسط جائحة كورونا فقد تقلصت أعداد الحجيج بشكل كبير، ولم يسمح سوى لحجاج بلاد الحرمين من المواطنين والمقيمين بتأدية المناسك.

يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: “يأتي المسلمون من آفاق الأرض الأربعة، أفراداً ثم ينتظمون جماعات، ثم يدورون حول الكعبة قلب الأرض المسلمة، ثم ينتشرون في عرفات رئة الجسم الإسلامي فتصفي نفوسهم من أكدار الشهوات، وتنقى أوضار الذنوب، ويعودون إلى بلادهم أطهاراً، قد استبدلوا بتلك النفوس نفوساً جديدة كأنها ما عرفت الإثم، ولا قاربت المعاصي، لذلك كان الحج أكبر أُمْنِية يتمناها لنفسه المسلم، ويتمناها له إخوانه وأصدقاؤه، فهم إذا دعوا له دعوة صالحة دعوا له بالحج.

فضل يوم عرفة

ووردت الأحاديث النبوية التي تتحدث عن فضل هذا اليوم منها: ما رواه أبو هريرة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادى جاءوني شعثاً غبراً”، وما روته عائشة عن النبي محمد أنه قال: “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو يتجلى، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ اشهدوا ملائكتى أنى قد غفرت لهم.

كما قال الإمام الأوزاعي: أدركتُ أقواماً كانوا يُخبِّئون الحاجات إلى يومِ عرفة ليسألوا اللهَ إياها !.

ويوم عرفة بحسب كتب الفقه أحد الأيام العشر التي أقسم الله بها منبها على عظم فضلها وعلو قدرها قال الله – عز وجل- : (وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) [سورة الفجر:2]. قال ابن عباس – رضي الله عنهما – : إنها عشر ذي الحجة قال ابن كثير: وهو الصحيح.

موقع الجبل

يقع جبل عرفة (عرفات) على الطريق بين مكة والطائف، حيث يبعد عن شرق مكة المكرمة حوالي 22 كيلومتراً، وعن منى 10 كيلومترات، وعن مزدلفة 6 كيلومترات، ويعد جبل عرفات المشعر الوحيد من مشاعر الحج الذي يقع خارج الحرم، وهو عبارة عن سهل منبسط به جبل عرفات المسمى جبل “الرحمة” الذي يصل طوله إلى 300 متر، وبوسطه شاخص طوله 7 أمتار، ولعرفات أربعة حدود، تم وضع علامات تبينها، وهي من ناحية الحرم نمرة وثوية وذي المجاز والأراك، والتي لا يجوز للحاج الوقوف بها كونها خارج عرفة، كما يوجد هناك علمان في بداية المنطقة وآخران في نهايتها، وبين الأعلام تقع بطن عرنة التي قال فيها نبينا عليه الصلاة والسلام �عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة، ويحد عرفات من الغرب “وادي عرنة” الذي يقع فيه مسجد نمرة، ومؤخرا أصبح المسجد بعد التوسعة داخل منطقة عرفة، عدا مقدمته التي هي خارج حدود عرفة.

سبب التسمية

وعلماء المسلمين اختلفوا في سبب التسمية فمنهم من قال: إن آدم وحواء حينما أنزلهما الله من الجنة إلى الأرض، أنزلهما في مكانين مختلفين، فكان موقع جبل عرفات هو المكان الذي التقيا فيه، وتعارفا على بعضهما فيه.

فيما قال بعض العلماء إنه ورد أن جبريل كان يطوف إبراهيم عليه السلام ويعلمه المناسك والمشاهد، وكان يطوف به في الجبل، ويردد له قوله “أعرفت، أعرفت”، وكان يرد عليه بقوله “عرفت، عرفت”، فيما ذهب البعض الآخر إن الناس يجتمعون في يوم عرفة على صعيد الجبل، ويتعارفون على بعضهم البعض، وعلى ربهم، فهو يوم تتنزل فيه الرحمات، وتعتق فيه الرقاب، وهو من خير الأيام التي يستحب فيها عمل الخير، وصيام ذلك اليوم يكفّر سنة ماضية وأخرى آتية لصاحبه.

صوم يوم عرفة

أما غير الحُجّاج من المسلمين فيحرصون على صيام يوم عرفة لما فيه من فضل، فيستدل أهل السُنّة بحديث رسول الله محمد: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده�، وأنه لا يجوز للحاج صيامه كون النبي محمد كان مفطرًا حينما وقف في يوم عرفة، وقد جاء في الحديث: “نهى رسول الله عن صوم يوم عرفة بعرفة”.

يقول المؤرخ المسيحي فِيلِيب حِتّي عندما تحدث عن قيمة واحدة من قيم عبادة الحج فيقول: “ولا يزال الحج على مرّ العصور نظاماً لا يدارى في تشديد عرى التفاهم الإسلامي والتأليف بين مختلف طبقات المسلمين، وبفضله يتسنّى لكل مسلم أن يكون رحّالة، مرة على الأقل في حياته، وأن يجتمع مع غيره من المؤمنين اجتماعا أخَويا، ويوحد شعوره مع شعور سواه من القادمين من أطراف الأرض. وبفضل هذا النظام يتيسر للزنوج والبربر، والصينيين والفرس والترك والعرب وغيرهم، أغنياء كانوا أم فقراء، عظماء أم صعاليك، أن يتآلفوا لغة وإيمانا وعقيدة”.

ربما يعجبك أيضا