في يومها “سيئ السمعة”.. ما علاقة جاكسونفيل بحملة ترامب؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان
يعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غدا، إلى مكانه المفضل “المنصة”، ليتوجه بخطاب لجمهوره وأعضاء حزبه “الجمهوري” معلنا قبوله الترشح رسميا لانتخابات 2020، ولولا جائحة كورونا لكان ترامب ضيفا على مدينة جاكسونفيل في ذكرى أسوأ أيامها على الإطلاق.

في يوليو الماضي أعلن ترامب أنه قرر بسبب تفشي كورونا في جنوب البلاد، إلغاء استضافة جاكسونفيل بولاية فلوريدا لمؤتمر الحزب الجمهوري “الكبير”، وتقرر عقد أغلب فاعليات المؤتمر عبر الإنترنت، وبالفعل انطلق المؤتمر من يومين بخطابات افتراضية لممثلين عن الحزب وأفراد أسرة الرئيس، وفقط في اليوم الأول اجتمع 300 مندوب جمهوري يمثلون جميع الولايات بقاعة المؤتمرات في مدينة شارلوت بولاية كارولاينا، لإعلان ترشيح الرئيس بشكل رسمي عن الحزب الجمهوري.

اختيار مثير للجدل
كان اختيار ترامب لمدينة جاكسونفيل لاستضافة المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، مثيرا للجدل، كما هو الحال الآن لاختياره لحديقة الورود بالبيت الأبيض لإلقاء خطاب قبول الترشح الليلة منها، إذا ينظر لـ”البيت الأبيض” كرمز سياسي، ويعد استغلاله لأغراض سياسية أو ضمن الحملة الانتخابية للرئيس مخالفا للتقاليد الأمريكية التي تراعي الفصل بين النشاط السياسي للرئيس كشخص يسعى لولاية جديدة ومنصبه كرئيس للدولة، إلا أن ترامب لا يبالي بهذا الكلام وهو لا يعرف قاعدة ثابتة إلا وحاول كسرها، عندما لا تتفق مع مصلحته.

بالعودة لمدينة جاكسونفيل التي تقع في شمال شرق ولاية فلوريدا، وتعد من أكبر مدن الولاية بمساحة 2264.6 كم� وتضم أهم القواعد العسكرية وثالث أكبر ميناء بحري، كانت بالنسبة لترامب اختيار جيد لينطلق منها خطاب قبوله الترشح لولاية جديدة، لكن بالنسبة لمنتقديه اختيار مثير للجدل، لا سيما وأن التاريخ المحدد لخطابه هو 27 أغسطس.

هذا التاريخ يتزامن مع ذكرى سيئة للغاية لدى الغالبية التي تقطن المدينة من ذوي الأصول الأفريقية أو الآسيوية، عندما هاجم نحو 200 عنصر من عصابات “البيض” أو العنصرية البيضاء تجمع لمناهضي العنصرية في “هيمنج بارك” وسط المدينة، وقاموا بنشر الذعر وضرب كل مواطن من أصل أفريقي وقعت أعينهم عليه بـ”الفؤوس”، تحت أنوف شرطة المدينة ودون أن تحرك ساكن، إلا لحماية هؤلاء العنصريين البيض كما قال أحد شهود العيان لصحيفة الجارديان.

يضيف نات جلوفر وهو عمدة سابق للمدينة، عندما كنت مراهقا في العام 1960 كانت هذه العصابات وأبرزها جماعة “كو كلوكس كلان” تنشر الذعر في كل مكان وتلاحق أًصحاب الأصول الأفريقية سواء بالقتل أو الضرب والتهديد، موضحا أنه كان بين أولئك الذين طاردتهم هذه العصابات.

يتابع: الآن بعد مرور 60 عاما، أصبح لدينا عمدة أمريكي من أصل أفريقي، ولدينا سبعة أعضاء في مجلس المدينة من أصول أفريقية، وكان من الممكن أن يكون جيدا انعقاد مؤتمر الحزب الجمهوري في المدينة لتسليط الضوء على هذه الإيجابيات، فقط لو أن اليوم لم يكن يتزامن مع ذكرى تلك الأحداث المأساوية، ما كان سيجعله فرصة لنكأ الجراح.

ترامب وأزمة العنصرية

الواقع وبحسب ما أظهرته حركة الاحتجاجات التي حملت عنوان “حياة السود مهمة” وتأججت عقب مقتل جورج فلويد “مواطن أمريكي من أصل أفريقي” على يد الشرطة في مايو الماضي، أن جاكسونفيل وفلوريدا بل والولايات المتحدة ككل لم تتخلص بعد من آفة العنصرية ولم ينسِ سكانها الأصليين عصور الاضطهاد المظلمة، مثال على ذلك ما شهدناه منذ يومين في ولاية ويسكونسن عندما تعرض رجل من أصل أفريقي لإطلاق نار كثيف من الشرطة، والاحتجاجات التي أشعلت المدينة عقب الحادث وتوجيه الرئيس ترامب باستدعاء الحرس الوطني لقمع المتظاهرين، ومثال آخر على الأزمة تجلى في يونيو الماضي عندما أقدم المتظاهرون على تحطيم وتخريب التماثيل التي تعود إلى هذه العصور خلال الاحتجاجات التي اعتبرها ترامب حالة من الفوضى يحركها مخربون ينبغي أن يتحرك جيش البلاد لقمعهم!

وفي جاكسونفيل خرب المتظاهرون في يونيو الماضي، تمثال لـ”أندرو جاكسون” الرئيس السابع للبلاد في أوائل القرن التاسع عشر، الرجل الذي يملك تاريخا ظلاميا ضد السود، وأمتلك خلال حياته أكثر من 500 عبد وتسبب في مقتل العديد من العبيد والهنود.

في يونيو الماضي نشر ترامب عبر حسابه على “تويتر” فيديو لأحد مؤيديه وهو يرفع شعارات تدعو إلى تفوق العرق الأبيض إلى جوار شعار “أمريكا أولا”، مع تغريدة يعلق فيها بالقول” شكر سكان فيليجيز الرائعين”، لكن الرئيس أدرك الخطأ الذي وقع فيه وقام بحذف الفيديو بعد ساعات قليلة.

ويُتهم ترامب بأنه مقرب لدعاة تفوق العرق الأبيض، وأنه أحيانا يزل لسانه بعبارات تعبر عن هذا من وقت لأخر، ولعل ما زال حاضرا أمامنا كيف انتقد بشدة منذ شهر ونصف تقريبا محاولات المتظاهرين الغاضبين لهدم تماثيل رموز الرق في التاريخ الأمريكي، وعوضا عن محاولة امتصاص الأزمة وتهدئة المتظاهرين تبنى نبرة تزيد من حدة الصراع وتؤجج روح الانقسام.

جاكسونفيل وفلوريدا عموما صوتت عام 2016 لترامب ورجحت كفته على هيلاري، هذا الأمر ربما لم يعد مضمونا في زمن الجائحة، فغالبية مؤيدي الرئيس في المدينة والولاية هم فوق الـ60 عاما وهذه الفئة كانت من أكثر المتضررين من الجائحة، إذ راح 84% منهم ضحية للمرض، ويعتقد المتقاعدين في فلوريدا أن ترامب فشل في إدارة الأزمة وسيكون من المزعج إعادة انتخابه، بحسب استطلاع للرأي أجرته أخيرا “فرانس برس”، ووفقا لاستطلاع لـ “كوينيبياك” المرشح الديمقراطي جو بايدن حاليا يتفوق بفارق 3% على ترامب لدى فئة المتقاعدين.

الفارق بين ترامب وبايدن على الصعيد الوطني يرجح كفة الأخير بهامش يتراوح ما بين 8 إلى 11%، لكن الفجوة بين الرجلين تتسع بصورة مرعبة عندما يتعلق الأمر بقضايا الأخلاق والعنصرية، ففي استطلاع لـ”نيويورك تايمز” نشر الشهر الماضي، وافق فقط 29% على طريقة تعامل ترامب مع احتجاجات “حياة السود مهمة” وأظهر 33% رضاهم عن إدارته لملف العلاقات العرقية، وفي المقابل لا يفوت بايدن فرصة للتأكيد على أن الانتخابات المقبلة ستكون معركة من أجل روح الأمة، في إشارة إلى أزمة العنصرية.

وكان واضحا للغاية خلال المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الأسبوع الماضي، كيف حاول بايدن وحزبه التأكيد على ضرورة تصحيح المسار باختيار رئيس يعالج جراح الأمة.

 

 

 

ربما يعجبك أيضا