وسط قلق أمريكي ودولي وتوعد تركي بـ”الخراب”.. التوتر يضرب شرق المتوسط مجددًا

حسام السبكي

حسام السبكي

تطورات خطيرة تشهدها منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، خلال الساعات والأيام الأخيرة، ربما تشهد مراحل أكثر خطورة، في ظل تصعيد تركيا حدة تصريحاتها على لسان مسؤوليها، في حين تبحث اليونان عن تأمين مصالحها وحقوقها البحرية السياسية والاقتصادية، بينما تبدي الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بشكلٍ عام، قلقًا متزايدًا، مع دعوات بالتهدئة واحتواء الموقف، وتعدد جهود الوساطة لحل الأزمة قبل أن تذهب إلى الكارثة!.

مصادقة يونانية.. ومناورات مشتركة

في مساء أمس الأربعاء، أعلن البرلمان اليوناني، مصادقته بالأغلبية على اتفاقيتي ترسيم الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط مع مصر وإيطاليا لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة.

وبموجب هاتين الاتفاقيتين، تعترف الدول الثلاث بأن الجزر اليونانية لها جرف قاري ومنطقة اقتصادية.

بالتزامن مع ذلك، أعلنت وزارة الدفاع اليونانية انطلاق عمليات مشتركة مع كل من قبرص وفرنسا وإيطاليا على السواحل القبرصية في شرق البحر المتوسط.

ووفقا لبيان لوزارة الدفاع، نشرته على موقعها الإلكتروني، الأربعاء، فإن العمليات ستستمر حتى الجمعة.

ونقلت وكالة “بلومبرج” للأنباء عن الوزارة أن الدول الأربعة، الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، اتفقت على “تعزيز التواجد البحري والجوي في شرق البحر المتوسط، من خلال مبادرتها الرباعية للتعاون من أجل تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة بشكل عام ولضمان حرية الملاحة”.

تركيا.. تصعيد ووعيد

على مدار الأيام الماضية، تصاعدت حدة التهديدات والتصريحات الواردة من أنقرة، على لسان المسؤولين الأتراك، والتي وصلت إلى التوعد بـ”الخراب”!.

فقد ذكر، وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، أول أمس الثلاثاء، إن قبرص الرومية واليونان تزيدان التوتر في شرق المتوسط، وإنه لا ينبغي للأخيرة تعريض نفسها للخطر.

وأضاف أوغلو، إن تركيا تحث اليونان على “عدم تعريض نفسها للخطر، عبر التقاط الطُعم من بعض بلدان شرق البحر المتوسط”.

واعتبر أن “اليونان وقبرص الرومية هما من تزيدان التوتر في شرق البحر المتوسط وليس بلاده”.

وحذر الوزير التركي أثينا من مغبة الوقوع في أخطاء في شرق المتوسط، قائلًا إن بلاده مستعدة لفعل “كل ما هو ضروري. وإذا اتخذت اليونان خطوات خاطئة فسنفعل ما يلزم”.

وأردف قائلًا: “ندعو اليونان إلى عدم الانخداع بما تقوله الدول التي تحاول الدفع بها لمواجهة الأسطول التركي، فنحن جيران ونعرف التقاسم العادل”.
وبالأمس، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن الجميع سيرى أن تركيا ليست بلدا يمكن اختبار صبره، مضيفا: “إذا قلنا سنفعل فسنفعل ومستعدون لدفع الثمن”.

وخلال كلمة ألقاها الأربعاء بمناسبة ذكرى مرور 949 على معركة “ملاذكرد” بين الدولة السلجوقية والإمبراطورية البيزنطية، أكد أردوغان مجددا تمسك بلاده بحقوقها في بحر إيجة والبحرين الأسود والمتوسط، مشددا على استعداد أنقرة للقيام بكل ما يلزم سياسيا وعسكريا واقتصاديا للحصول على حقوقها.

كما جدد الرئيس التركي التأكيد على أن بلاده لن تقدم أي تنازل في الدفاع عن مصالحها المرتبطة بالنفط والغاز في شرق المتوسط، داعياً اليونان إلى تجنّب أي خطأ يمكن أن يؤدي إلى “خرابها”.

وساطة فاشلة.. وخطأ جسيم

مع توالي التصريحات من الجانبين، سعت الخارجية الألمانية، وبدعم من الناتو، إلى القيام بدور المصالحة والوساطة بين أنقرة وأثينا، لاحتواء فتيل التوتر في شرق الأوسط، إلا أن جهودها لم تأتي بالثمار المرجوة!.

وكان وزير الخارجية الألماني هايكو ماس قد دعا أنقرة وأثينا إلى إجراء محادثات، وقال ماس، أول أمس الثلاثاء، عقب محادثات مع نظيره اليوناني نيكوس ديندياس في أثينا: “ما نحتاجه الآن على نحو مُلح وعاجل هو إشارات للتهدئة واستعداد للحوار”، مضيفًا أن الوضع في شرق البحر المتوسط حاليا بمثابة “لعب بالنار… حتى أصغر شرارة من الممكن أن تؤدي إلى كارثة”.

وأوضح ماس في مؤتمر صحفي مع نظيره اليوناني نيكوس ديندياس بالعاصمة أثينا، أن تركيا واليونان تلعبان بالنار في شرق المتوسط، وأن برلين تفعل ما بوسعها من أجل التهدئة وخفض حدة التوتر.

ومن أثينا انتقل هايكو ماس إلى أنقرة حيث التقى نظيره التركي. وفي أعقاب اللقاء، حذر مولود تشاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي، مساء الثلاثاء اليونان من القيام بأي خطوة استفزازية: “إذا اتخذتم خطوة خاطئة فإننا سنفعل اللازم هذه المرة بلا تردد”.

في غضون ذلك، كشفت وزيرة الدفاع الألمانية، أنيغريت كرامب كارينباور، خلال اجتماع غير رسمي لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي، الأربعاء، وبالخطأ، عن معلومات حساسة بشأن الخلاف بين تركيا واليونان في شرق البحر الأبيض المتوسط.

فخلال الاجتماع في برلين، ردت أنيغريت على سؤال من قبل منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، حول مدى نجاح المحادثات بين البلدين (تركيا واليونان)، لكن الوزيرة الألمانية فيما يبدو لم تكن على علم بأن الميكروفون الخاص بها لا يزال متصلًا، بحسب وكالة “أسوشيتد برس”.

نتيجة هذا الخطأ، كشفت أنيغريت لجميع الحضور بما في ذلك الصحفيين عن ردها، الذي جاء فيه: “الموقف صعب، أكثر سلاسة قليلًا من الجانب اليوناني، لكنه صعب للغاية من الجانب التركي”.

ليرد منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي عليها بالقول أن “الأتراك مستاءون للغاية، ويشعرون أن اليونانيين لا يمكن الاعتماد عليهم”.

قلق أمريكي.. وتحذيرات دولية

أبدت الولايات المتحدة قلقها، إزاء التصعيد البالغ سياسيًا وعسكريًا في منطقة شرق المتوسط بين اليونان وتركيا، وذلك على هامش محادثات هاتفية جرت بين ترامب وأردوغان، الليلة.

فقد بحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب، مساء الأربعاء، القضايا الثنائية والإقليمية والتوتر في البحر المتوسط.

وأكد أردوغان، أن بلاده لم تكن الطرف الذي يخلق حالة من عدم الاستقرار في شرق المتوسط.

ولفت الرئيس التركي إلى أن بلاده أثبتت دعمها الحوار وخفض التصعيد في شرق المتوسط عبر إقدامها على خطوات ملموسة.

على الصعيد الدولي، توالت ردود الأفعال، المطالبة بالتهدئة والعودة إلى طاولة الحوار، جاء أبرزها من حلف شمال الأطلسي (ناتو)، الذي دعا إلى تخفيف التوتر والتوجه إلى الحوار.

من جانبها حذرت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي، أمس، من تحول منطقة شرق المتوسط إلى بؤرة توتر بسبب “أفعال تركيا الاستفزازية” وانتهاكاتها في مياه المتوسط، مؤكدة أن الأولوية للحوار والتعاون حتى يصبح شرق المتوسط منطقة استقرار واحترام للقانون الدولي؛ مشددة على أنه لا ينبغي أن تكون المنطقة ساحة لـ”أطماع البعض”.

ربما يعجبك أيضا