مساع جديدة لإصلاح نظام الهجرة واللجوء بالاتحاد الأوروبي.. التحديات وفرص النجاح

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

يشهد الاتحاد الأوروبي انقسامات حادة حول “مسألة” توزيع اللاجئين داخل الدول الأعضاء والهجرة غير الشرعية، الانقسامات داخل الاتحاد ممكن وصفها بأنها أفقية وعمودية : انقسامات ما بين شرق وغرب أوروبا وما بين الشمال والجنوب وهذا ما يجعل مهمة المفوضية الأوروبية صعبة.

ولكن رغم ذلك تدافع ألمانيا، التي تترأس الاتحاد الأوروبي بداية منذ يوليو 2020، عن موقف قريب من المفوضية الأوروبية وهي أن تظل مسؤولية طلب اللجوء أساسًا لدى بلد الوصول عدا في فترات الأزمات وعندها لا بد من القيام بإعادة إيواء قسري في إطار إجراءات التضامن. اليوم تستغل ألمانيا فترة رئاستها إلى المجلس الأوروبي لتلوح باستخدام آلية جديدة صارمة ضد الأعضاء، فهل تنجح؟

اتفاقية توزيع اللاجئين

وافق وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي خلال شهر أغسطس 2015 على إعادة توزيع 160 ألف طالب لجوء في جميع أنحاء أوروبا، ضمن خطة تنتهي في أيلول 2017، تحت ما يعرف باتفاقية توزيع اللاجئين. الهدف منها كان تخفيف الأعباء على بعض الدول الأعضاء التي أبدت تعاطفًا مع طالبي اللجوء، ومنها ألمانيا والسويد والنمسا، ومع دول استقبلت، مرغمة، عددًا كبيرًا من اللاجئين كونها بوابة الاتحاد الأوروبي، ومنها إيطاليا واليونان. وتطالب إيطاليا واليونان بتوزيع آلي للمهاجرين بحرا حتى إيجاد صيغ بديلة، فيما ترفض دول فيسغراد (بولندا والمجر والتشيك وسلوفاكيا) هذا المقترح.

أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون أن أربعة عشر دولة أوروبية اتفقت بشكل مبدئي على “آلية تضامن” تحدد كيفية توزيع المهاجرين الذين تتم إغاثتهم في البحر المتوسط على هذه الدول بدون الدخول في إجراءات معقدة، خلال اجتماع لحل أزمة الهجرة في أوروبا، عقد في باريس خلال شهر يوليو 2019. وكان الهدف هو التوصل خلال اجتماع مالطا في سبتمبر إلى اتفاق بين 12 و15 دولة على آلية تتيح ضمان فعالية أكثر وإنسانية أكثر في التعاطي مع المهاجرين الواصلين إلى المتوسط.

وكانت ألمانيا وفرنسا وإيطاليا ومالطا قد اتفقت في سبتمبر 2019 على آلية مؤقتة تقوم على التطوع لتوزيع المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر، ولكن عدداً قليلاً فقط من الدول انضمت إلى هذه المبادرة مثل البرتغال ولوكسمبورغ وأيرلندا.

حل أوروبي

وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر دعا لنهج سياسة هجرة منظمة ومحددة إلى بلاده، وذلك بعد خمسة أعوام من بدء ألمانيا سياسة استقبال اللاجئين تحت شعار “سننجح في المهمة” وفقا لصحيفة “بيلد أم زونتاغ الأسبوعية” الصادرة يوم 30 أغسطس 2020. وتحدث زيهوفر عن دور أوروبا في ملف الهجرة. فما زال زيهوفر، يعول على حل أوروبي لتوزيع اللاجئين وتعاون مع الدول التي ينحدر منها الاجئون، وهي مهمة صعبة. ومن بين الدول المعارضة لتوزيع اللاجئين وقضية الهجرة غير الشرعية داخل الاتحاد هي بولندا والمجر وتشيكا ويوغسلافيا. ولم يستبعد زيهوفر، استخدام أساليب الضغط على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهي إشارة إلى حرمان بعض الدول من المساعدات المالية التي تقدمها ألمانيا لجنوب وشرق أوروبا، وربما إعادة إحالة الملف للمحكمة الأوروبية.

ويفترض أن يكون هناك حل أوروبي لمشكلة توزيع اللاجئين وقضية الهجرة غير الشرعية من خلال  وصول الدول الأعضاء لاتفاق مع بداية شهر ديسمبر 2020، وهو موعد انتهاء فترة رئاسة ألمانيا للمجلس الأوروبي.

وقالت مفوضة الشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي، يلفا يوهانسون خلال شهر يوليو 2020 “أنا مستعدة لتقديم ميثاق الهجرة واللجوء عندما يحين الوقت، ربما في سبتمبر 2020″، وذلك بعد أشهر مما كانت تأمله في البداية الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي. وأضافت يوهانسون “إنها مهمة صعبة، لم تقبل المقترحات السابقة للجنة بالكامل”، مشيرة “أعتقد أن الجميع يدرك أنه يجب أن يكون هناك حل وسط، هذه هي الطريقة التي تعمل بها أوروبا”.

وأوضح استطلاع “يوروباروميتر” الذي أجرته المفوضية في مارس 2018 أن (38%) من مواطني الاتحاد الأوروبي، البالغ عددهم (510) ملايين نسمة يعتبرون الهجرة أهم قضية تواجه الاتحاد،وجاءت أعلى مستويات للقلق من تلك الظاهرة في دول معدلات الهجرة فيها متدنية للغاية وهي أستونيا والتشيك والمجر، ونسبة من يميلون إلى عدم الثقة، في الاتحاد الأوروبي بلغت (48%).

تقييم حالة الاتحاد حول الهجرة واللجوء

يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات داخلية وخارجية كبيرة تهدد تماسكه، منها تنامي النزعة الشعبوية والقومية في أوروبا ودورها في زعزعة تماسك الاتحاد، كذلك الخلافات القائمة بين الدول الأعضاء حول أزمة اللاجئين والهجرة الغير شرعية وانهيار الشنغن، وتواجه أيضا دول الاتحاد الأوروبي تهديدات إرهابية يشكلها المقاتلون الأجانب العائدون إلى دولهم الأوروبية.

تشعر دول أوروبا بالقلق من تمدد التيارات الشعبوية وتوسع مخاطرها  والتي تنعكس مباشرة على قضية الهجرة وباتت تهدد تماسك الاتحاد الأوروبي من الداخل، واتضح أن “مسألة الهجرة” أصبحت عامل مهم لسحب الاتحاد الأوروبي إلى أدنى مستوياته من التعاضد والتعاون في مواجهة المخاطر.

ما يحتاجه الاتحاد الأوروبي، هو التمسك بمسألة الحفاظ على وحدة الاتحاد الأوروبي، التوصل إلى حل أوروبي بشأن استقبال طالبي اللجوء والمهاجرين وتوزيعهم، التعاون الوثيق بين دول التكتل الأوروبي، من أجل مواجهة مخاطر اليمين المتطرف الذي بات يهدد الأحزاب السياسية الأوروبية العريقة وغيرها. 

فما زالت الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي شديدة، وتعصف مسألة الهجرة بالاتحاد الأوروبي من الداخل منذ انطلاق موجات الهجرة نحو أوروبا عام 2014، لتعصف بهذا الاتحاد. فرغم توصل الاتحاد إلى حل أو توافق حول جملة قضايا، إلا أنه ما زال منقسما حول قضية اللاجئين والهجرة غير الشرعية.

ومن المتوقع أن يستمر “تمرد” الدول الأعضاء داخل هذا الاتحاد، خاصة دول شرق أوروبا التي تقودها المجر ” مجموعة فيسغراد”، مع استبعاد تمكن الاتحاد من إصلاح سياسة اللجوء والهجرة  لتبقى مسألة خلافية قائمة.

ربما يعجبك أيضا