بزيادة العنف والقمع ضدهن.. نساء تركيا آخر اهتمامات أردوغان

عاطف عبداللطيف

كتب – عاطف عبداللطيف

 تعاني المرأة التركية، في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، أقصى درجات القمع والعنف التي تصل في أحيان كثيرة إلى الاغتصاب، دون أن يحرك النظام ساكنًا لحماية نصف المجتمع المسؤول عن تنشئة الأجيال القادمة مما يكشف ضيق أفق النظام الحاكم الذي يقود بلاده نحو الهاوية، إذ أكدت إحصائيات منظمة الأمم المتحدة أن قرابة نصف نساء تركيا يتعرضن لعنف بدني.

وتؤكد التقارير الرسمية أن النساء التركيات يتعرضن للتمييز داخل المجتمع التركي، فخلال شهر فبراير من عام 2018 قُتلت 48 امرأة على يد رجال، وحسب تقرير آخر قتل نحو 2000 امرأة تركية خلال 8 سنوات، هذه الأرقام تمثل فقط الحالات التي تم رصدها والتبليغ عنها، ولكن المتوقع أن يكون العدد الفعلي أكثر من ذلك.

قهر المرأة التركية

استباح النظام التركي عرض المرأة التركية خاصة إذا كانت من أنصار حركة الخدمة، كما تتعرض النساء اللواتي يتحدثن عن تجاوزات الحكومة التركية للتهديد والتخويف والاضطهاد والسجن، وفي عرض مستمر لا تزال النساء المدافعات عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة من الصحفيات وغيرهن من الناشطات، يواجهن تحديات سافرة من قبل الحكومة.

وهذا ما أكده 3 متهمين بمحاولة اغتصاب 6 معلمات في مدينة أزمير، قائلين إنهم أرادوا إجبار المعلمات على مغادرة المدينة لاعتقادهم أن الضحايا كانوا على صلة بحركة الخدمة، وكانت النتيجة عدم اتخاذ إجراء قانوني تجاه الجناة، مما يفتح الباب على مصراعية لتكرار هذه الجريمة بشكل ممنهج، ولعل قرار إحدى المحاكم التركية في إقليم باتمان جنوب شرق البلاد، منذ أيام بالإفراج عن موسى أورهان ضابط متهم بارتكاب جريمة اغتصاب وذلك بعد أسبوع من اعتقاله خير دليل على ذلك.

الغريب في الأمر أن المحكمة لم تراع انتحار المجني عليها التي تبلغ من العمر 18 عامًا عقب قيام الضابط المتهم باغتصابها وقامت بإطلاق سراحه رغم اعترافه بالجريمة قائلاً إنه كان مخمورًا أثناء الحادث وذلك بعد مواجهته بتقرير الطب الشرعي، الذي فند أكاذيبه وأظهر أن الضحية تعرضت للاغتصاب.

كما أصدرت وزارة الداخلية التركية بيانًا بشأن الإفراج عن أورهان، قائلة إن التحقيق القانوني جار وفقا للقانون، وحذّرت من أنها ستتخذ إجراءات قانونية ضد وسائل الإعلام التي كانت “تتطلع إلى تسييس القضية” وتتحدث عن “تآكل نظام العدالة ومؤسسات البلاد، يشار إلى أن أردوغان نجح في السيطرة على القضاء عقب مسرحية الانقلاب الفاشل عام 2016، ونتج عن ذلك تفاقم أزمات المرأة وزيادة أحداث العنف تجاهها، إذ يتكتم على أحداث العنف، حيث شهد العام الجاري مقتل نحو 146 امرأة حتى الآن، وفي عام 2019 لقيت 500 امرأة حتفها بحسب منظمة “سنوقف اغتيالات النساء”.

زيادة حوادث العنف ضد التركيات

 غياب العدالة أدى لزيادة حوادث العنف ضد المرأة التي ارتفعت من 145 ألفاً في عام 2015، إلى أكثر من 240 ألفا في عام 2020، وذلك بحسب بيانات وزارة الداخلية.

حزب العدالة والتنمية كان له نصيب الأسد من حوادث العنف ضد المرأة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، أساء “نيهات كانبولات” محافظ مدينة بورصة التركية  استخدام سلطته، من خلال ضرب إحدى الموظفات وتم إعداد تقرير شامل من قبل كبير مفتشي وزارة الداخلية “صادق ألتنكيناك” و”شوكرو يلدز”، اللذين وثقا الإساءات بتقارير طبية وسجلات هاتف وشهادة الضحية والشهود.

وبدأ التحقيق بعد أن قدمت الضحية، “ميلتيم أوزكالفا”، شكوى بشأن إساءة المعاملة والضرب، وقعت بين عامي 2005 و2007، وأوضحت “أوزكالفا” كيف تعرضت للضرب المتكرر من قبل المحافظ، فضلًا عن التهديد والترهيب من قبل حراسه الشخصيين عندما أرادت تقديم شكوى.

يشار إلى أن مفتشي وزارة الداخلية تعرضوا فيما بعد لتهم جنائية بالانتماء لحركة فتح الله جولن، الذي يتهمها الرئيس التركي بمحاولة تدبير الانقلاب المزعوم عام 2016.

وتم عزل “صادق ألتنكيناك” من منصبه كرئيس لوحدة التفتيش في وزارة الداخلية، وحوكم في دعوى جنائية مدتها 4 سنوات بأزمير بتهم ملفقة وجهها مدعون حكوميون.

مباركة أردوغان

ويترجم العنف الممنهج ضد المرأة في تركيا قرار الحزب الحاكم بالانسحاب من معاهدة إسطنبول الدولية لمكافحة العنف ضد المرأة، ويأتي ذلك متناغما مع تصريحات أردوغان التي أكد فيها أن المساواة بين الجنسين “ضد الطبيعة البشرية”، كما صعدت الجماعات الدينية في تركيا من هجومها على المعاهدة، قائلة إنها تشجع الطلاق وتقوض الأخلاق. 

وقالت صحيفة “أفرنسال” التركية: إن سجل العنف ضد المرأة والأطفال وصل إلى أعلى مستوياته خلال عام 2018 إذ تصدرت أنقرة قائمة أكثر دول العالم في حوادث الاغتصاب بين الأطفال والنساء.

سياسات العدالة والتنمية

ويواصل حزب العدالة والتنمية مسلسل عدائه ضد المرأة، ويوجه ضرباته لها في كل ميدان حيث تشن وسائل الموالية لـ”العدالة والتنمية” حملة تشويه ضد مجلس المرأة، وحركة المرأة الحرة، إذ يرى الحزب أن المرأة مجرد تابع للرجل وظهر ذلك جليا في أكثر من موقف منها قيامه بتوزيع كتيبات على المتزوجين تطالب النساء بالطاعة العمياء لأزواجهن مهما تطلب الأمر، كما دأب أردوغان على تحريض النساء على إنجاب ثلاثة أطفال أو أكثر، ووصف المرأة العاملة بأنها نصف إنسان لرفضها الأمومة وتخليها عن العناية بالمنزل.

كما حاول حزب أردوغان تمرير قانون مثير للجدل يرغم الضحية على الزواج من مغتصبها، في اعتداء صارخ على قوانين حماية الأطفال المحلية والدولية”، مضيفة أنه “يعد كذلك خرقا للدستور التركي ويقوض القوانين التي تعترف بها أنقرة، وتعد هذه هي المرة الثانية التي يحاول نظام أردوغان تمرير هذا القانون المشبوه إذ حاول في عام 2016، تمريره بحجة القضاء على ظاهرة زواج القاصرات، إذ أكد تقرير حكومي أن نحو نصف مليون فتاة قاصر جرى تزويجهن خلال العقد الماضي، ولكن أحزاب المعارضة وقفت له بالمرصاد لأن إقرار مثل هذه التشريعات يضفي الشرعية على زواج الأطفال وحالات الاغتصاب ويساعد على الإساءة للأطفال وتسهيل بعض عمليات الاستغلال الجنسي.

قالت غامزه باموك آتيشله عضو في مجلس حزب الشعب الجمهوري المعارض لأردوغان إن “الحزب الحاكم يدفعنا إلى التشكيك في مفهوم المساواة بين الرجل والمرأة في الدستور التركي، فقادته يتحدّثون عن وجهة نظرهم حول النساء ولا يوفرون أي فرصة ليؤكدوا علناً أنهم لا يؤمنون بالمساواة بين الجنسين خاصة حين يشيرون إلى عدد الأطفال الّذين يجب أن تنجبهن النساء”.

وأكدت أن حزب أردوغان يعارض بشدة اتخاذ أي خطواتٍ معقولة بخصوص المساواة بين الرجل والمرأة، لذلك لم يضع أي استراتيجية تسمح للمرأة بالمشاركة السياسية الفعّالة، بل على العكس تماماً يقلص من دورها، ويقضي عليها من خلال السلطة الأبوية أيضا.

الدعارة

سياسات التضييق المستمر على المرأة التي تتبعها تركيا، وبيئة العمل السيئة، تدفع النساء إلى ممارسة الدعارة، إذ شهد شهر يوليو 2020 امتهان 113 أمراة مهنة الدعارة، كما دخل العام الماضي مئات السيدات هذا المجال بفعل الضغوط التي يفرضها النظام التركي، لدرجة أن المحكمة الجنائية التركية بمحافظة مانيسا ، أصدرت أمرا بحظر الأخبار التي تفيد بأن النساء اليائسات اللواتي جئن إلى رئاسة المقاطعة بهدف العثور على وظيفة، تم جرهن إلى الدعارة حفاظا على سمعة العدالة والتنمية.

 وقال البرلماني التركي توفيق ديكار، “إنهم يخدعون النساء والفتيات اليائسات اللواتي يبحثن عن عمل، ويدخلون معهن في علاقات غير شرعية والنساء اللواتي لا يقبلن بهذا، يتلقين تهديدا بسد جميع منافذ الحياة أمامهن”.

 الأزمة الأقتصادية التي ضربت تركيا بفعل سياسات أردوغان المتهورة في المنطقة، أدت إلى زيادة البطالة وتدني الأجور وظروف معيشية صعبة، ساهمت في توجه قطاع كبير من عاملات النسيج وطالبات جامعيات وربات بيوت، للعمل في الدعارة لتوفير أساسيات الحياة لأنفسهن، أو لرعاية أبنائهن.

جدير بالذكر أن الاقتصاد التركي يعتمد بنسبة كبيرة على نشاط الدعارة إذ تضخ حوالي 4 مليارات دولار سنويا، تؤكد التقارير الرسمية وجود 65 بيت دعارة مرخصا في مدن تركية عدة على رأسها إسطنبول وأنقرة وإزمير وأنطاليا وغيرها يعمل فيها 3 آلاف بائعة هوى تحت غطاء وحماية أردوغان، بموجب قانون جنائي أعدته حكومة حزب العدالة والتنمية وصدق عليه البرلمان في 26 سبتمبر عام 2004 دخل حيز التنفيذ في الأول من شهر يونيو عام 2005.

وينص القانون على عقوبة الحبس من سنتين إلى أربع سنوات في حق من يشجع على ممارسة الرذيلة ويسهل الطريق إليها. أما من يمارسها بإرادته فلا يعاقب، وتضاعف عدد العاملات في الدعارة بمعدل 220% في ظل حكم “العدالة والتنمية”.

مظاهرات غاضبة

شهدت العديد من المدن التركية، مسيرات احتجاجية لمقتل شابة على يد صديقها، وسط تنديد بسياسات نظام الرئيس رجب طيب أردوغان التي لم تجد في وقف وتيرة العنف التي زادت مؤخرا ضد المرأة. 

الجريمة البشعة، راحت ضحيتها الشابة التركية، بينار غولتكين، حيث ضربها صديقها جمال متين أفجي، ثم خنقها حتى الموت، وحاول إحراق جثتها قبل أن يضعها في برميل، ويدفنها في إحدى الغابات غربي تركيا.

وإثر اكتشاف الجريمة ثار الرأي العام، وخرجوا في مسيرات للتعبير عن غضبهم من الحادث، ولمطالبة النظام الحام باتخاذ مزيد من التدابير التي من شأنها وقف العنف الذي زادت وتيرته خلال السنوات الأخيرة ضد المرأة. 

وفي مدينة إسطنبول، احتشدت أعداد كبيرة من النساء في منطقتي بشيكطاش، بالجانب الأوروبي من المدينة، وقاضي كوي، بالجانب الآسيوي، وأخذن ينددن بالحادث.

وشهدت الفعالية مشاركة أعداد كبيرة من الفنانين الرافضين لمثل هذه الحوادث، فضلا عن مشاركة منصة “سنوقف الجرائم التي ترتكب بحق النساء”، ومجالس المرأة بالمدينة.

وحرص المحتجون على رفع لافتات كتبت عليها عبارات تدين الحادث، وذلك من قبيل “لن نصمت ضد هذه الحوادث”، و”حان وقت تفعيل اتفاقية إسطنبول” المتعلقة بمنع ومكافحة العنف ضد المرأة.

ورفع المحتجون صورًا للشابة المقتولة، وهم يرددون هتافات من قبيل “لا نريد الموت” و”سندمر ذكوريتكم”، و”فعلّوا اتفاقية إسطنبول”. 

    ربما يعجبك أيضا