تلاحقها الانتقادات الواسعة.. الجنائية الدولية تصاب بـ”لعنة العقوبات الأمريكية”!

حسام السبكي

حسام السبكي

بسلطان القوة، والهيمنة على المستوى العالمي، قررت الإدارة الأمريكية، تسليط سهام عقابها، الموزع بين شتى دول العالم، وهذه المرة على إحدى أبرز المنظمات الدولية، المتمثلة في المحكمة الجنائية الدولية، وتحديدًا على فاتو بنسودا المدعية العامة للمحكمة، وذلك بجريرة إقدام المحكمة العريقة على الشروع في تحقيقات حول ما إذا كانت القوات الأمريكية قد ارتكبت جرائم إبان الحرب في أفغانستان، والتي انطلقت في أكتوبر عام 2001، وذلك بعد نحو شهر على الحادث المأسوي الشهير، بسقوط برجي التجارة العالمي في نيويورك، واستهداف مبنى البنتاجون في العاصمة واشنطن، فيما عُرف بـ”هجمات 11 سبتمبر”، اتُهم خلالها تنظيم القاعدة وحركة طالبان، التي كانت تدير دفة الأمور في أفغانستان، بالوقوف وراءها.

وبعد نحو 20 عامًا، قررت المحكمة الدولية، فتح التحقيق في الأحداث، لتقرر إدارة ترامب، وفي خطوة مفاجئة، فرض عقوبات على المدعية الخاصة بها، ليُقابل بعاصفة انتقاد دولية واسعة، خلال الساعات القليلة الماضية.

عقوبات مشينة

أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، إن الولايات المتحدة فرضت الأربعاء، عقوبات على “فاتو بنسودا”، المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، بسبب تحقيقاتها فيما إذا كانت القوات الأمريكية قد ارتكبت جرائم حرب في أفغانستان.

وقال بومبيو كذلك إن فاكيسو موتشوتشوكو رئيس قسم الاختصاص القضائي والتكامل والتعاون بالمحكمة وُضع كذلك على القائمة السوداء بموجب عقوبات صرح بها الرئيس دونالد ترامب في يونيو وتشمل تجميد الأصول وحظر السفر.

وقال بومبيو للصحفيين “اليوم نأخذ الخطوة التالية، لأن المحكمة الجنائية الدولية تواصل استهداف الأمريكيين للأسف”، وقال بومبيو إن الأفراد والكيانات التي تستمر في تقديم الدعم المادي لبنسودا وموتشوتشوكو ستواجه خطر العقوبات أيضا.

واتهم وزير الخارجية مايك بومبيو المحكمة بـ “محاولات غير مشروعة لإخضاع الأمريكيين لولايتها القضائية”.

وقيدت وزارة الخارجية كذلك إصدار تأشيرات لأشخاص قال بومبيو إنهم شاركوا في جهود المحكمة للتحقيق بخصوص الجنود الأمريكيين لكنه لم يفضح عن هوياتهم.

كانت بنسودا قد حصلت على الضوء الأخضر من المحكمة في مارس  للتحقيق في ارتكاب جرائم حرب بأفغانستان من قبل حركة طالبان أو الجيش الأفغاني أو القوات الأمريكية.

انتقادات صارخة

في إطار ردود الأفعال، على القرار التعسفي الأمريكي، انتقدت المحكمة الجنائية الدولية، إعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو فرض عقوبات على مدعي عام المحكمة فاتو بنسودا، بحسب ما أوردته “العربية”.

وأفادت المحكمة الجنائية الدولية في بيان أصدرته، أن الإجراءات الجديدة هي محاولة أخرى للتدخل في استقلالية القضاء والنيابة العامة للمحكمة والعمل الحاسم للتصدي للجرائم الجسيمة التي تثير قلق المجتمع الدولي بموجب قانون روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
 
وقالت: إن هذه الأعمال القسرية الموجهة ضد مؤسسة قضائية دولية وموظفيها المدنيين، هي أعمال غير مسبوقة وتشكل هجمات خطيرة ضد المحكمة ونظام روما الأساسي للعدالة الجنائية الدولية وسيادة القانون بشكل عام.

من جانبه، أعرب رئيس جمعية الدول الأطراف (ASP) بهيئة الرقابة الإدارية والتشريعية للمحكمة أو-جون كوون، عن رفضه بشدة لما وصفه بالإجراءات “غير المسبوقة” ضد المنظمة الدولية القائمة على المعاهدات.

وأضاف أو-جون كوون، في بيان عبر الموقع الرسمي للمحكمة، أن هذه الإجراءات لا تفعل سوى إضعاف جهودنا المشتركة لمكافحة الإفلات من العقاب على ارتكاب الجرائم الأكثر فظاعة.

وتابع: “إنَّ هذه المحكمة هيئة قضائية مستقلة ومحايدة، لا تخرج أعمالها عن الإطار القانوني الذي وضعه نظام روما الأساسي. وأحد أركان هذا النظام هو إقراره بالاختصاص الأولي للدول في التحقيق والمقاضاة في الجرائم الفظيعة. والمحكمة الجنائية الدولية هي محكمة الملاذ الأخير، تقوم بدورها مكملة للولايات القضائية الوطنية. هذه قاعدة أساسية في النظام. إضافة إلى ذلك، تعمل جمعية الدول الأطراف فيه مع المحكمة على عملية مراجعة واسعة، بهدف تعزيز نظام روما وتحسين أداء المحكمة وفاعليتها”.

وأضاف: “نحن نقف إلى جانب محكمتنا وموظفيها وكل أولئك المتعاونين معها في إنفاذ مهمتها القضائية. وسينعقد قريباً اجتماع لمكتب جمعية الدول الأعضاء للنظر في الإجراءات التي فرضتها الولايات المتحدة وسبل إبراز دعمنا المتواصل للمحكمة”.

واختتم رئيس جمعية الدول الأطراف (ASP) تصريحاته قائلًا: “أدعو الدول الأطراف وكل المعنيين بنظام روما الأساسي إلى التشديد مجدداً على التزامنا الراسخ بصون المبادئ والقيم التي كرَّسها نظام روما الأساسي وبالدفاع عنها، والعمل على بقاء النظام الأساسي محفوظاً، لا تردعنا في ذلك أي تهديدات تُساق ضد المحكمة ومسؤوليها وموظفيها وعائلاتهم”.

وأدانت بلقيس جراح، وهي كبيرة المستشارين في منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية، العقوبات الأمريكية ووصفتها بأنها “تدنٍ جديد مخجل لالتزامات الولايات المتحدة بتحقيق العدالة لضحايا أسوأ الجرائم”.

واعتبرت في تغريدة على حسابها على تويتر أن خطوة بومبيو كانت بمثابة “انحراف مذهل للعقوبات الأمريكية، المصممة لمعاقبة منتهكي الحقوق والحكام الفاسدين، لاستهداف أولئك الذين يحققون في جرائم الحرب”.

أما الخارجية الفنزويلية، فاعتبرت إعلان واشنطن فرض عقوبات ضد مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، اعترافا ضمنيا منها بارتكابها جرائم حرب.

وأشار وزير الخارجية الفنزويلي خورخي أريازا في تغريدة على “تويتر” نشرها الخميس، إلى أن “المحكمة الجنائية الدولية تنظر في قضايا تتعلق بالجرائم ضد الإنسانية الولايات المتحدة ترتكبها بشكل متكرر. وتفرض الولايات المتحدة عقوبات على المدعية العامة للمحكمة وتهدد جميع القضاة كي يتخلوا عن التحقيق في جرائمها الفظيعة، إنها ممارسة غير قانونية واعتراف بالذنب”.

السلطة الفلسطينية بدورها، استنكرت على لسان وزير خارجيتها رياض المالكي، فرض أعضاء الإدارة الأمريكية، عقوبات ضد المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية وأعضاء مكتبها، واعتبر ذلك محاولة لإعاقة العدالة الدولية واستهدافا آخر لمؤسسات القانون الدولي والمنظومة المتعددة الأطراف، بالإضافة إلى أنه يفرض ضغطا وابتزازا على أعضاء المحكمة، والمدعية العامة وطاقمها، والقضاة، وذلك للتأثير على عملهم.

وأدان المالكي العربدة الأمريكية المتمثلة في سياسة البلطجة، والترهيب ضد المحكمة الجنائية الدولية، التي يقودها مجرمي الحرب من الإدراة الأمريكية، واعداء القانون الدولي، والسلام، وذلك لاستهداف استقلالية وشفافية ومصداقية المحكمة الجنائية الدولية، والمدعية العامة ومكتبها خاصة. كما أشار إلى أن ما تقوم به هذه الإدارة الأمريكية من تخريب متعمد وتقويض للنظام الأممي القائم على القانون وأسس المساءلة على أخطر الجرائم، والمحاسبة عليها، يعد تجاوز خطر للخطوط الحمراء في العلاقات الدولية، وحماية لمجرمي الحرب بما فيها مجرمي الحرب الإسرائيليين.

ومن داخل البيت الفلسطيني أيضًا، أكدت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي، على أن العدالة الأممية والشرعية الدولية تتعرض لهجمة انتقامية من قبل إدارة ترامب التي تحاول السيطرة على المنظومة الدولية وإخضاعها باستخدام منطق القوة والعنجهية وسحق مبدأ المساءلة وكل ما هو قانوني وإنساني.

وأكدت عشراوي أن معاقبة مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية أو مضايقتهم أو اضطهادهم بسبب قيامهم بمهامهم في التحقيق في جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لنظام روما الأساسي أمر غير قانوني وغير مقبول، كما أن المسؤولين الدوليين يجب أن يتمتعوا بالحماية المطلوبة لأداء واجباتهم في محاسبة مجرمي الحرب.

ربما يعجبك أيضا