سياسة إيران مع بريطانيا.. الابتزاز مقابل الأموال

مراسلو رؤية

رؤية

من المحتمل أن تتخذ بريطانيا في المستقبل القريب قرارًا بسداد المبلغ الذي دفعه محمد رضا بهلوي (آخر شاه لإيران) في إطار صفقة لشراء معدات عسكرية من بريطانيا في سبعينيات القرن الماضي. وبموجب هذه الصفقة، كانت إيران تعتزم شراء الدبابات البريطانية شيفتان، التي كانت الأكثر تقدمًا في تلك الفترة، ولكن لم يتم تسليمها إلى إيران بعد ثورة 1979.

وفي حال تسديد ثمن هذه الصفقة، ستكون بريطانيا قد حذت حذو الولايات المتحدة، التي وقّعت في فترة ما قبل الثورة صفقة أسلحة مع طهران، وأعادت الأموال إلى إيران في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما.

ورفضت بريطانيا تسليم الدبابات إلى نظام الجمهورية الإسلامية (الذي وصل إلى السلطة بعد سقوط الشاه)، ولم تردّ الأموال المدفوعة مقدمًا. وتشير التقديرات إلى أن بريطانيا مدينة بما لا يقل عن 400 مليون جنيه استرليني مقابل الأسلحة التي لم تسلمها إلى إيران.

وتصدّر هذا الأمر نشرات الأخبار عندما قال وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، إن حكومته “تبحث عن طرق لسداد ديونها لإيران. ولكن بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد إيران، والتي تم تشديدها في ظل إدارة ترامب، قد تجد لندن صعوبة في السداد لطهران”.

الابتزاز مقابل المال

هناك بعض التكهنات بوجود علاقة بين أحكام السجن الصادرة بحق مزدوجي الجنسية الإيرانية- البريطانية، خاصة نازنين زاغري، المسجونة في إيران منذ عام 2016، وسداد هذا الدين القديم. إلا أن إيران وبريطانيا أكدتا مرارًا عدم وجود أي صلة بين الأمرين.

وكان وزير الخارجية البريطاني السابق، جيرمي هانت، قد قال: “إذا تم الإفراج عن نازنين قريبًا، فأعتقد أن الاعتراف بالدين القديم، والموافقة على سداده، سيكون لهما دور مهم”.

وكان عام 2016 قد شهد أحداثًا مماثلة، حيث انتشرت التكهنات بأن إطلاق سراح السجناء الأمريكيين في طهران ارتبط، حينها، بمطالبة إيران باسترداد الأموال المتعلقة بالأسلحة الأمريكية التي لم يتم تسليمها.

وفي يناير/ كانون الثاني 2016، أرسلت الولايات المتحدة خفية إلى طهران 400 مليون دولار نقدًا، بعد تحويلها إلى عملات أخرى. وتزامن هذا التسليم مع إطلاق سراح 5 أمريكيين، بينهم مراسل “واشنطن بوست” جيسون رضائيان. وبالطبع جاء الإفراج عن السجناء في إطار عملية “تبادل سجناء” بين إيران والولايات المتحدة، حيث تم الإفراج عن مواطن إيراني و6 مواطنين مزدوجي الجنسية (إيرانيين – أمريكيين) كانوا مسجونين في الولايات المتحدة لخرقهم العقوبات المفروضة على إيران.

وفي أعقاب الاتفاق النووي، اتفقت واشنطن وطهران على حل قضية الديون الأمريكية بسدادها على دفعتين؛ دفعة أساسية قدرها 400 مليون دولار، ودفعة فائدة بقيمة 1.3 مليار دولار. وقد دفعت واشنطن المبلغ كاملاً  (1.7 مليار دولار).

ويبدو أن ديون دبابات شيفتان تشبه ديون العقد الأمريكي مع الشاه لبيع مقاتلات F14، وربما يمكن أن تتوصل لندن وطهران إلى اتفاق مماثل في المستقبل القريب، وبالطبع إذا تمكن بن والاس من اتخاذ الترتيبات، فسيتم حل النزاع الذي دام 40 عامًا في النهاية.

وأثارت وسائل إعلام في إيران والمملكة المتحدة احتمال وجود صلة بين توقيف زاغري راتكليف وغيرها ممن يحملون جنسية مزدوجة، والنزاع حول دَين بريطاني قديم بقيمة 400 مليون جنيه استرليني مستحق لإيران على صلة بصفقة أسلحة أبرمت خلال عهد الشاه.

ولطالما أنكرت كل من لندن وطهران رسميا وجود أي رابط بين قضية زاغري راتكليف، وهذا الدين الذي يعود إلى عقد لبيع دبابات حصلت لندن بموجبه على مبلغ مقدما، ولكن لم تف به بسبب انتصار ثورة 1979. ومنذ ذلك الحين جُمدت الأموال في حساب بالمملكة المتحدة.

لكن صحيفة جارديان البريطانية ذكرت يوم الجمعة الماضية، أن وزير الدفاع بن والاس أقر للمرة الأولى أنه يسعى لسداد هذا الدين. وأفادت أن والاس أكد استكشاف “كل سبيل قانوني ممكن لسداد هذا الدين” لتأمين الإفراج عن زاغري راتكليف ومعتقلين آخرين يحملون جنسية مزدوجة إيرانية وبريطانية، وذلك في رسالة بعث بها إلى محاميهم.

تواصل الابتزاز

أبلغت نازنين زاغري راتكليف، الإيرانية البريطانية المسجونة في إيران منذ عام 2016، بلائحة اتهام جديدة أمس، وفقًا لموقع التلفزيون الإيراني الرسمي.

وكتب موقع تلفزيون “إرب نيوز” الرسمي على الإنترنت أن “الغرفة الخامسة عشرة لمحكمة الثورة الإسلامية استدعت نازنين زاغري صباح أمس الثلاثاء مع محاميها لإخطارها بصدور لائحة اتهام جديدة” بحقها، مستندا إلى مصدر مطلع، من دون تقديم تفاصيل إضافية أو شرح طبيعة الاتهام الجديد.

من جهتها، قالت توليب صدّيق النائب عن حزب العمال البريطاني والناشطة منذ مدة في حملة لتأمين إطلاق سراحها: “تواصلت مع نازنين زاغري راتكليف ويمكنني أن أؤكد أنها أحضرت إلى المحكمة هذا الصباح وتم إبلاغها بأنها ستواجه محاكمة جديدة الأحد”.

وأضافت عبر “تويتر”: “أدرك أن العديد من الناس قلقون بشأن سلامتها، وسأبقي الجميع على اطلاع ما إن تتوافر لدي معلومات إضافية”.

وكانت زاغري راتكليف تعمل في مؤسسة طومسون رويترز، الفرع الإنساني لوكالة الأنباء الكندية البريطانية، حين أوقفت في أبريل 2016 في مطار طهران، وهي تستعد للمغادرة مع طفلتها البالغة من العمر حينها 22 شهرا، بعد زيارة عائلتها في إيران.

وحكم عليها بالسجن خمس سنوات لإدانتها بمحاولة قلب النظام في إيران، وهو ما تنفيه. وسمح لها في الربيع بالخروج من سجن إيوين في طهران مؤقتا لأسبوعين بسبب فيروس كورونا المستجد، وهي فترة تم تمديدها منذ ذلك الحين.

وقال زوجها ريتشارد راتكليف -في 24 أغسطس- إنها تخشى محاكمة جديدة بعد انقضاء فترة سجنها خمسة أعوام، التي من المقرر أن تنتهي في 2021.

ابتزاز جديد

نشرت وكالة “تسنيم” تقريرًا، يوم السبت الماضي، وصفت فيه مارجوت آرثر، المستشارة التجارية بسفارة بريطانيا في طهران، بأنها “إحدى الشخصيات الرئيسية في مشروع التسلل في إيران”. وفي إشارة إلى عملها في مكتب إيران التابع للمجلس الثقافي البريطاني، كتبت أنها “شخصية معروفة معادية لإيران في الساحة الثقافية، كما أنها من أشد مؤيدي تشديد العقوبات على إيران”.

وفي التقرير المذكور، أشارت وكالة “تسنيم” إلى سجل تعاون “أرثر” مع “آرس أميري”، الموظفة السابقة في المجلس الثقافي البريطاني.

وكانت أميري قد تم الحكم عليها  بالسجن 10 سنوات، بتهم أمنية، بعد اعتقالها عام 2017 والإفراج عنها بكفالة.

كما أشارت وكالة الأنباء المقربة من الحرس الثوري الإيراني، إلى الجنسية المزدوجة الإيرانية- البريطانية لآرثر؛ حيث كان النظام الإيراني قد اعتقل وأدان عددًا من مزدوجي الجنسية بتهمة التجسس.

وفي وقت سابق، ألقت وزارة الاستخبارات الإيرانية باللوم على المجلس الثقافي البريطاني، الذي عملت معه مارجوت آرثر، واتهمته بتشكيل “شبكات” ثقافية في إيران، وأعلنت أن أي تعاون معه محظور وتترتب عليه ملاحقة قضائية.

وردت الخارجية البريطانية تقرير وكالة “تسنيم” للأنباء، حول “الأهداف الأمنية” لمارجوت آرثر، التي تعمل مستشارة تجارية بسفارتها في طهران ، بأنه “غير صحيح”.

وقالت الوزارة، أمس الثلاثاء 8 سبتمبر (أيلول)، إن تقرير وكالة أنباء “تسنيم” عن آرثر “غير صحيح في الواقع”. وامتنعت الوزارة عن المزيد من التعليق في هذا الصدد. كما رفضت مارجوت آرثر التعليق حول هذه القضیة.

والواضح، أن الضجة الإعلامية التي تمارسها طهران ضد لندن، هي بهدف الضغط على بريطانيا للإسراع في إتمام صفقة عودة الأموال الإيرانية مقابل الإفراج عن حاملي الجنسية البريطانية المعتقلين في إيران.

ربما يعجبك أيضا