أزمة بريكست الجديدة.. طوارئ أوروبية في مواجهة إصرار وتحدٍّ بريطاني

حسام السبكي

حسام السبكي

ارتباك كبير شهده البيت الأوروبي، خلال الساعات القليلة الماضية، جراء إصرار بريطاني، على إجراء تعديلات، على اتفاقية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، والمعروفة اختصارًا بـ”بريكست”، وهو الإجراء الذي قوبل بعاصفة من الانتقادات داخل أروقة البرلمان البريطاني، ودفع المفوضية الأوروبية إلى إصدار إعلان بعقد قمة طارئة، اليوم الخميس، بحضور بريطاني رفيع المستوى، يهدف بالأساس إلى استيضاح الرؤية البريطانية من إجراء التعديل المقترح.

قرار بريطاني مفاجئ

فاجأت الحكومة البريطانية، أمس الأربعاء، القادة الأوروبيين المجتمعين من أجل استئناف محادثات خروج المملكة المتحدة من منطقة اليورو، بمشروع قانون الأسواق الداخلية في المملكة المتحدة المثير للجدل، والذي يحدد كيفية التجارة في السلع والخدمات في بريطانيا، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.

ويتضمن مشروع القانون بنوداً من شأنها أن تسمح للوزراء البريطانيين بتجاوز أجزاء من بروتوكول أيرلندا الشمالية في اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست”، لضمان حصول الشركات هناك على “وصول غير مقيد” إلى السوق الداخلية في المملكة المتحدة.

وسوف يسمح مشروع القانون أيضاً للمملكة المتحدة بتجاوز قواعد مساعدات الدولة في الاتحاد الأوروبي، لأنها تنطبق على أيرلندا الشمالية.

وهناك بنود في مشروع القانون “سوف يكون لها تأثير على الرغم من عدم الاتساق أو عدم التوافق مع القانون الدولي أو غيره من القوانين المحلية”.

ويمنح التشريع أيضاً الوزراء سلطة تقديم المساعدة المالية للتنمية الاقتصادية، كما يؤسس مكتباً للسوق الداخلية لدعم التسيير السلس للتجارة داخل المملكة المتحدة.

ودافعت الحكومة البريطانية، الأربعاء، عن قرارها التراجع عن بعض التزاماتها الواردة في إطار اتفاق “بريكست”، منتهكة بذلك القانون الدولي، ما يؤثر على المفاوضات الصعبة أساساً مع الاتحاد الأوروبي حول العلاقات المستقبلية بين الطرفين.

وقال رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، أمام النواب: إن هذه التعديلات التي نشرت ظهر الأربعاء، تهدف إلى “ضمان السيولة والأمان للسوق الداخلية البريطانية”.

وبلغة الإصرار والتحدي، أضاف جونسون: “سنمضي قدما في مشروع القانون هذا .. إنه يضمن سلامة السوق الداخلية للمملكة المتحدة”.

وبشأن الترتيبات الجمركية في أيرلندا الشمالية، قال جونسون إنها تهدف إلى تسهيل المبادلات التجارية داخل المملكة المتحدة بعد انتهاء الفترة الانتقالية، التي تلت “بريكست” في ديسمبر.

واعترف الوزير المكلف في أيرلندا الشمالية في الحكومة براندون لويس، بأن التراجع عن وثيقة لها صفة معاهدة دولية يشكل “انتهاكاً للقانون الدولي بطريقة محددة جداً ومحدودة”.

انزعاج وطوارئ أوروبية

قوبل مشروع القانون البريطاني الجديد، بعاصفة من الانتقاد والانزعاج الشديد، حيث تعتزم فرنسا وألمانيا التصرف بحزم تجاه المملكة المتحدة في ملف علاقتها المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي، في وقت استؤنفت المفاوضات بين الطرفين، في جو مشحون على خلفية إبداء لندن رغبتها في التراجع عن بعض الالتزامات، ورغم إقرار لندن بأنها قد تنتهك القانون الدولي بعدم تطبيقها أجزاء من الاتفاق في شأن أيرلندا الشمالية، إلا أن ذلك لم يمنعها من المضيّ في التلويح بـ”المخالفة”.

ويرى محللون، أن التبدل في الموقف البريطاني من “بريكست”، من المتوقع أن يؤجج الخلافات في المفاوضات الصعبة أساساً مع الاتحاد الأوروبي حول اتفاق تجاري لما بعد “بريكست”، وقال رئيس البرلمان الأوروبي محذراً، إنه يعرض لندن “لعواقب خطيرة” من المفوضية الأوروبية.

وشبه رئيس الوزراء الأيرلندي، ليو فاردكار، مناورة الحكومة البريطانية بعمل “انتحاري انقلب عليها”، لما سببه من ردود فعل سلبية.

في هذا السياق، قال نائب رئيس المفوضية الأوروبية ماروس سيفكوفيتش: “نعرب عن قلقنا الشديد ونريد ضمانات بأن المملكة المتحدة ستمتثل بشكل كامل وفي الوقت المناسب لاتفاق الخروج، بما في ذلك البروتوكول الخاص بأيرلندا وأيرلندا الشمالية”، جاء هذا خلال اتصال بين سيفكوفيتش ومايكل جوف الوزير المكلف بشؤون ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حكومة جونسون.

وأضاف أنه يتعين عقد اجتماع في أقرب وقت ممكن للجنة المشتركة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بشأن اتفاقية الخروج حتى يقوم المسؤولون البريطانيون “بتقديم توضيحات والرد على مخاوفنا القوية بشأن مشروع القانون”.

وعلى ذكر الاجتماع الطارئ لبحث الموقف البريطاني المثير، أعلنت المفوضية الأوروبية، أمس الأربعاء، أنّ اجتماعاً طارئاً سيعقد، اليوم الخميس، في لندن بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتّحدة بشأن مشروع قانون بريطاني ينقض جزئياً التعهّدات التي قطعتها الحكومة البريطانية في إطار اتفاق بريكست.

وجاء في تغريدة أطلقها المتّحدث باسم المفوضية الأوروبية إيريك مامر عبر حسابه على “تويتر” أنّ نائب رئيسة المفوضية الأوروبية “ماروس سيفكوفيتش سيتوجّه غداً إلى لندن للقاء (الوزير البريطاني) مايكل غوف في اجتماع طارئ للجنة المختلطة”، مضيفاً أنّ الاتّحاد الأوروبي ينتظر “توضيحات” من المملكة المتحدة.

في سياق متصل ، كشفت وثيقة نقلتها “وكالة بلومبرج للأنباء”، أن الاتحاد الأوروبي لديه من الأسباب ما يدفعه لاتخاذ إجراء قانوني ضد المملكة المتحدة على خلفية خطط بريطانيا لانتهاك اتفاقية انسحاب البلاد من التكتل.

ويرى الاتحاد الأوروبي أن لديه سببا للسعي من أجل تعويضات قانونية بمقتضى اتفاقية بريكست مع لندن، حتى قبل موافقة البرلمان البريطاني على مشروع القانون الخاص بالسوق الداخلية في المملكة المتحدة، وأنه سيكون لديه مبرر واضح عقب تمرير الخطة، وذلك بحسب التحليل الأولي من قبل الاتحاد الأوروبي لمشروع القانون البريطاني الجديد.

ربما يعجبك أيضا