في أفريقيا.. “أردوغان” يبحث عن المجد الضائع بأطماع لا تنتهي

هدى اسماعيل
هدى اسماعيل
 

يبدو أن الرئيس التركي “رجب أردوغان” المسكون بهاجس السلطنة يسعى جاهدا لوصل ما انقطع عبر التاريخ لاستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية على أرض القارة السمراء، تلك القارة ذات الطبيعة البكر أصبحت مطمعا للحاكم التركي يمتص رحيقها ويسطو على كنوزها.

فمن العاصمة القطرية الدوحة والليبية طرابلس، مرورا بسوريا والعراق، وأفريقيا، وأوروبا، وقبرص، وصولا إلى اليمن، تحركت بوصلة الأطماع التركية تجتاح الجغرافيا إما بالغزو العسكري المباشر أو بالاختراق الدبلوماسي، المهم هو الوصول إلى الهدف دون النظر إلى الطريق، وها هي مالي المحطة الحالية وليست الأخيرة في ملف أردوغان.

تركيا وانقلاب مالي

في خطوة أثارت الجدل لكونها الزيارة الأولى من نوعها إلى باماكو عقب الانقلاب العسكري، عمد وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، إلى أن تكون مالي أولى محطات جولته الإفريقية، التي أخذته أيضا إلى كل من غينيا بيساو والسنغال طوال اليومين الماضيين.

تقول وزارة الخارجية التركية قالت في بيان رسمي: “إن تشاووش أوغلو يعتزم خلال زيارته إلى مالي إجراء مباحثات حول عملية الانتقال السياسي والعلاقات الثنائية بين البلدين، مع أعضاء اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب (الانقلابيين)، وممثلين من الأمم المتحدة والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، والاتحاد الإفريقي”.

لكن متابعين للسياسة الخارجية التركية شككوا في ذلك، فـ”أوغلو” هو أول مسؤول دولي يصل إلى العاصمة المالية عقب الانقلاب العسكري الذي جرى في ذلك البلد ضد السلطة المنتخبة، قبل أقل من أسبوعين.

ولم تندد تركيا بالانقلاب، بل أصدرت الخارجية التركية بيانا بروتوكوليا وقتئذ، عبرت فيه عن “بالغ القلق والحزن”.

وقد أظهر الانقلابيون شكلا من التودد إلى الإسلام السياسي، ومناهضة للنفوذ الفرنسي، الذي بقي طوال السنوات الماضية يساند دولة مالي وسلطتها الشرعية عسكريا واقتصاديا، للقضاء على المجموعات المتطرفة شمالي البلاد.

ووفق تقرير نشرته “سكاي نيوز عربية” جاءت زيارة الوزير التركي عقب جولة إفريقية أخرى كان قد قام بها قبل أقل من شهرين، زار خلالها توغو وغينيا الاستوائية والنيجر.

نفوذ اقتصادي

صحيفة “فاينانشيال أفريك” نشرت تقريراً عن دوافع زيارة وزير الخارجية التركي إلى مالي، مؤكدة أن أردوغان “يبحث عن نفوذ اقتصادي”، مشيرة إلى تكثيف المسؤولين الأتراك في الأشهر الأخيرة زياراتهم إلى الدول الأفريقية، مع تركيزهم على “الدول الناطقة بالفرنسية”.

وأعطت الصحيفة أبعاداً أخرى لسر الاهتمام التركي بمنطقة غرب أفريقيا بما فيها مالي، بينها “محاولة فك العزلة التي فرضتها عليها باريس ضد أطماعها في شرق المتوسط عقب نشر فرنسا قوات بحرية في المنطقة وإعلانها استعدادها مساعدة اليونان للوقوف في وجه الأطماع التركية، ما دفع أردوغان إلى التراجع دون أن يتخلى عن طموحاته”.

وأقرت الصحيفة المهتمة بالشؤون الأفريقية بحقيقة الأجندة التوسعية لنظام أردوغان، واصفة إياها بـ”الاستراتيجية الجيوسياسية والأيديولوجية التي تعكس رغبته في استعادة الإمبراطورية العثمانية”.

وهو المخطط الذي قالت إنه “جمع بين إثارة المكون الديني” في إشارة إلى تنظيم الإخوان الإرهابي وتحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد، وأطماعه في ثروات ليبيا بهدف الوصول إلى منافذ أفريقية.

أما سر زيارة وزير الخارجية التركي إلى السنغال وغينيا بيساو، فقد أشارت صحيفة “فاينانشيال أفريك” بأن نظام أنقرة “يسعى لربط علاقات وثيقة مع الرئيس الجديد لغينيا بيساو سيسوكو أومبالو والاعتماد على نظيره السنغالي ماكي سال” بهدف “تقديم دعم غير صريح للانقلابين في مالي”.

وربطت الصحيفة المواقف الأخيرة للرئيس السنغالي والتي اعتبرتها “متساهلة” مع العقوبات التي فرضتها مجموعة غرب أفريقيا على مالي عقب الانقلاب العسكري، وأشارت إلى “استعمال داكار خطاباً دبلوماسياً مع جيران مالي لتخفيف العقوبات عنه”.

استغلال الفوضى

كشرت أنقرة عن وجهها الحقيقي، حيث استغلت الفوضى السائدة في الصومال جراء الحرب الأهلية، وافتتحت، في 2017، قاعدة عسكرية بالبلد الأفريقي.

كما صنعت شبكة من العملاء والجواسيس مكنتها من تأسيس علاقات قوية مع صناع القرار في مقديشو، وتحويل البلاد إلى قاعدة خلفية لأطماعها.

ومن الصومال، تمددت أطماع أردوغان عبر سواحل أفريقيا لتصل إلى السودان، ليوقع مع نظام عمر البشير عقد إيجار لميناء سواكن، الجزيرة السودانية في البحر الأحمر، ضمن مخطط يسعى الرئيس التركي من خلاله إلى تطويق خصوم أنقرة بالمنطقة.

عام أفريقيا

الهجوم التركي على القارة السمراء بدأ منذ 2003، حين كان أردوغان رئيسا للوزراء، واستمر بنسق متصاعد حتى بعد توليه الحكم في 2014، وانطلاق رحلة تهاوي المؤشرات الاقتصادية لبلاده جراء سياساته التوسعية.

أدرك أردوغان أن استنزاف أفريقيا يمنحه مفاتيح النجاة، ويقدم له كنوزا تمول غزواته الخارجية، فكان أن أطلق نشرة فرنسية تابعة لوكالته الرسمية، تعنى بالشأن الأفريقي بالأساس، ثم بدأ رحلات سفاري سياسية قادته إلى نحو 30 دولة أفريقية.

تحركات مغلفة بأطماع خبيثة من أجل اكتساب الثروة والنفوذ في القارة الأفريقية، تجلت بشكل أوضح في 2005، حين أعلنت أنقرة أنه “عام أفريقيا”، وأجرى خلاله أردوغان، بصفته رئيسا للوزراء حينها، زيارة إلى إثيوبيا وجنوب أفريقيا وتونس والمغرب.

حاولت أنقرة التغلغل بمفاصل مؤسسات القارة السمراء، وحصلت في أبريل من العام نفسه، على صفة مراقب لدى الاتحاد الأفريقي، ما منحها موقعا سهل مخطط الاختراق والاستنزاف.

في 2008، عقدت قمة التعاون التركية الأفريقية في إسطنبول، في لقاءات سعت أنقرة لاستثمارها تحت يافطات زائفة، مستفيدة من الأزمات والصراعات السياسية والطائفية بمختلف أرجاء القارة، ومنذ ذلك الحين، ارتفع عدد سفارات أنقرة في إفريقيا من 12 إلى 42، كما قفز عدد مكاتب وكالة التعاون والتنسيق التركية “تيكا”، ذراع أردوغان المسموم، في أفريقيا، من 3 إلى 11، تنشط في 28 دولة بالقارة.

أما المكاتب التجارية التركية، فارتفعت من 11 إلى 26، فيما وسعت الخطوط الجوية التركية، إحدى أبرز أدوات القوة الناعمة لأنقرة، من أنشطتها بالقارة، لتصل رحلاتها إلى 37 بلدا أفريقيا.

كما نجحت تركيا في استقطاب أكثر من 10آلاف طالب أفريقي عن طريق المنح التعليمية تخرجوا جميعهم من جامعات أنقرة ومؤسساتها التعليمية، دون احتساب الطلبة الذين يزاولون حاليا تعليمهم في تركيا.

كما ارتفع حجم التبادل التجاري التركي الأفريقي من 5.4 مليار دولار في 2003، إلى 24 مليار دولار في 2019.

ربما يعجبك أيضا