الاقتصاد الكويت يعاني.. والآمال معلقة على رفع سقف الدين!

حسام عيد – محلل اقتصادي

تتوالى وكالات التصنيف الائتماني في إعطاء وتغيير نظرتها المستقبلية حيال مالية الكويت، فالأمر بات معلقًا بإمكانية الدولة الخليجية الغنية في مقدرتها على اللجوء لسوق الدين العالمي، ولكن ذلك مناط بموافقة اللجنة المالية داخل مجلس الأمة بالتعاون مع وزارة المالية.

تجد وكالة موديز للتصنيف الائتماني، في نظرتها الأخيرة، بأن هذا سيعطل على الكويت المقدرة على توفير سيولة متدفقة، بمعنى أن هناك دولًا خليجية أخرى استطاعت أن تجد منافذ لها بعد تراجع أسعار النفط وكذلك تصاعد تداعيات جائحة كورونا الوبائية، مثل فرض ضرائب على الاستهلاك أو حتى رفع ضريبة القيمة المضافة، فيما يواجه قانون رفع سقف الديون معارضة برلمانية، والذي يسمح لوزارة المالية باقتراض نحو 60 مليار دولار خلال 20 عامًا، فضلًا عن عدم وجود تفويض قانوني للسحب من أصول صندوق الثروة السيادية المحتفظ بها للأجيال القادمة.

الخفض الأول لـ”موديز”

وفي يوم 22 سبتمبر 2020، أعلنت وكالة موديز العالمية، تخفيض تصنيف الكويت الائتماني لأول مرة على الإطلاق، مشيرة إلى مخاطر أعلى تتعلق بالسيولة وضعف الحوكمة وقوة المؤسسات، إذ يواجه البلد الذي يعاني من وطأة انخفاض أسعار النفط صعوبات لتمرير قانون يتيح له إصدار ديون عالمية.

وقالت وكالة التصنيف الائتماني “في ظل الغياب المستمر لتفويض قانوني لإصدار دين أو السحب من أصول صندوق الثروة السيادية الموجودة في صندوق الأجيال القادمة، توشك موارد السيولة المتاحة على النفاد مما يشكل مخاطر سيولة على الرغم من القوة المالية الاستثنائية للكويت”.

وخفضت خدمات المستثمرين في موديز تصنيف الكويت درجتين إلى A1  من Aa2، مع نظرة مستقبلية مستقرة.

وعندما أصدرت الكويت ديونًا في الأسواق العالمية آخر مرة في 2017 جرى تداول سنداتها في نطاق قريب من أوراق مالية أصدرتها أبوظبي التي تعد صاحبة الائتمان الأكثر أمانا في المنطقة نظرا لأن ثروتها المالية الضخمة المستمدة من النفط منحت ثقة للمستثمرين.

لكن الاقتصاد الذي يقترب حجمه من 140 مليار دولار يواجه الآن عجزا هائلا يبلغ 46 مليار دولار بسبب أزمة كورونا وانخفاض أسعار النفط والجدل بين الحكومة والبرلمان بشأن قانون دين جديد وهو ما يحد من قدرتها على تعزيز خزائن الدولة.

ضغوط السيولة وضعف الحوكمة

وتعود أسباب خفض التصنيف الائتماني لدولة الكويت إلى ارتفاع المخاطر التمويلية الحكومية، وغياب تفويض قانوني لإصدار الدين والنفاذ لصندوق الأجيال القادمة.

وقد أرجعت موديز خفض تصنيفها الائتماني للكويت إلى هذه الدرجة، بسبب التوقعات بأن تحتاج الكويت إلى إصدار ديون سيادية بنحو 27.6 مليار دينار لتلبية الاحتياجات التمويلية حتى 2024، ولكن هذا يتطلب إلى سن مجموعة من التشريعات الصادرة عن وزارة المالية بالتعاون مع مجلس الأمة. وهنا قالت الكويت أن “العلاقة المضطربة” بين البرلمان والحكومة تعد عقبة طويلة الأمد في تقييمها للقوة المؤسسية في الكويت.

لكن المأزق المتعلق باستراتيجية التمويل وغياب ضبط مالي مؤثرة “يشيران إلى المزيد من أوجه الخلل الواضحة في المؤسسات التشريعية والتنفيذية في الكويت وكفاءة السياسة عن ما تم تقييمه من قبل”.

وخفضت الكويت هذا الشهر نحو ثلاثة مليارات دولار من ميزانية 2020-2021 حيث تسعى لتوفير أموال، في ظل نزيف مستمر للإيرادات ما يعكس تقلص هوامش توفير السيولة الأمر الذي يثير مخاوف التوجه نحو توسيع رقعة الدين العام، في وقت تشتد فيه الحساسية الاجتماعية من أي مساس بالدعم والوظائف العمومية.

46 مليار دولار عجز تقديري

وتواجه الكويت عجزًا في موازنتها يتوقع أن يصل إلى 14 مليار دينار (ما يعادل 45.64 مليار دولار) في 2020/2021، صحيح أن هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها عجزًا، لكن الموقف الآن أخطر بعد أن رفض البرلمان المنتخب كل محاولات الحكومة للاقتراض أو التقشف من أجل عبور المحنة.

وتختبر الكويت جفافًا في السيولة قد يهدد قدرة الحكومة على سداد مرتبات موظفي الدولة؛ وفق ما أكد براك الشيتان وزير المالية، ومع ذلك يصر البرلمان على الرفض مؤكدًا أن الأولوية هي لاجتثاث الفساد وليس الاقتراض أو المساس بالدعم.

ورغم أن عجز الموازنة هو السابع على التوالي في الكويت منذ انهيار أسعار النفط في 2014، تقول وكالة “بلومبيرج” إن الحديث في الكويت حاليًا يتجه إلى التعامل مع واقع أن عهد الرخاء المدعوم بإيرادات النفط قد ولى.

وتملك الكويت أصولًا سيادية قوية، تتمثل في صندوق ثروة سيادي “صندوق الاحتياطي العام” قُدر بـ359% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام المالي 2019/2020، ولكن تتصاعد التوقعات بأن احتياطي السيولة الرئيسي، لن يكون كافيا لتغطية العجز في ميزانية الدولة.

وتسحب الكويت من صندوق الاحتياطي العام لديها من أجل سد العجز الذي تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أنه سيتجاوز 11% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.

الحاجة ملحة لاقتراض 66 مليار دولار

ومن جانبه، قال وزير مالية الكويت براك الشيتان إن حاجة الحكومة لإقرار قانون الدين العام الذي سيمكنها من اقتراض 20 مليار دينار (نحو 66 مليار دولار) خلال 30 عاما “مازالت ملحة وضرورية”.

وأفاد الشيتان، بعد لقائه اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الأمة بنهاية أغسطس الماضي، أنه أكد لأعضاء اللجنة أن الدين العام لن يزيد على 60% من الناتج الإجمالي وأن حصيلة الاقتراض ستوجه للإنفاق على “مشاريع البنية التحتية والإنشائية”.

وسيتيح قانون الدين، الذي تحاول الحكومة تمريره للبلد رفع سقف الدين ومخاطبة المستثمرين الدوليين، لكن أعضاء مجلس الأمة يريدون أولاً الاطلاع على خطط إصلاح الاقتصاد والتحول من الاعتماد الكثيف على النفط الذي شكل ما يصل إلى 89% من الإيرادات في السنة المالية الماضية.
 

ربما يعجبك أيضا