كهرباء الأردن للعراق .. خطوات متسارعة لوأد “هيمنة إيران” نحو مشروع “الشام الجديد”

ياسمين قطب

رؤية – علاء الدين فايق 

عمّان – تسارع عمّان وبغداد، خطواتهما نحو ربط شبكة الكهرباء وبيعها بين الأردن والعراق، وسط آمال بنجاح الاتفاق الذي من شأنه تحرير قطاع الطاقة في بلد النخيل من هيمنة إيران، بحسب خبراء ومراقبين. 

وقد أعلنت الحكومتان الأردنية والعراقية، الأحد، توقيع اتفاق بين الجانبين، تقوم بموجبه المملكة بتزويد العراق الطاقة الكهربائية بعد ربط شبكة الكهرباء بين الجانبين. 

وسيستغرق مشروع الربط أكثر من عامين. 

ووقع الاتفاق الذي تم بواسطة الاتصال المرئي وحضره عن الجانب الأردني، وزيرة الطاقة والثروة المعدنية هالة زواتي ووزير الكهرباء العراقي ماجد الإمارة. 

وبموجب الاتفاق سيقوم “الأردن بتزويد الجانب العراقي في المرحلة الأولى من المشروع بـ 1000 جيغاوات ساعة سنويا”.

سوق عربية مشتركة للطاقة 

وقالت وزيرة الطاقة الأردنية، في تصريحات لها، إن “الاتفاق سيسهم في استقرار الأنظمة الكهربائية ويخدم التوجه نحو إنشاء سوق عربية مشتركة للطاقة، والذي بدوره سيعمل على تعزيز التكامل الاقتصادي العربي”. 

وسيبدأ تزويد العراق بالطاقة الكهربائية سيتم بعد الانتهاء من إنشاء محطة تحويل الريشة الجديدة في الأردن، وإنشاء خط الربط الكهربائي الذي يربط محطة الريشة الجديدة في الأردن بمحطة تحويل القائم في العراق، بطول نحو 300 كلم، وسيتم الانتهاء من هذه الأعمال خلال 26 شهراً من تاريخ توقيع العقد. 

وأكدت زواتي “أهمية الربط الأردني – العراقي في تعزيز التعاون بين البلدين في إطار تطلع الأردن للربط مع دول الجوار”.

وفي أغسطس من عام 2019، وقعت وزارة الكهرباء العراقية، اتفاقية مع الأردن، للربط الدولي في مجال الطاقة الكهربائية، بهدف سد النقص في الطاقة مستقبلاً أوقات الذروة. 

وتهدف بغداد من خلال هذا الربط “سد النقص في الطاقة مستقبلاً في أوقات الذروة للمساهمة بالمنفعة المتبادلة بين البلدين”. 

التخلص من هيمنة إيران

ويرى خبراء أن لجوء العراق لاستيراد الكهرباء من الأردن، محاولة جادة من بغداد للتخلص من هيمنة إيران على قطاع الطاقة في البلاد، والتي أفضت لتبعية بغداد لطهران في ملف استراتيجي يعد الأكثر حساسية. 

وتشير تقارير، إلى أن العراق يعتمد بشدّة على إيران في مجال الطاقة رغم كونه بلدا نفطيا، إذ إنه يستورد من طهران ثلث احتياجاته الاستهلاكية من الغاز والكهرباء. 

ويعود ذلك إلى تقادم البنية التحتية للطاقة في العراق، ما يجعل البلاد غير قادرة على تحقيق اكتفاء ذاتي في قطاع الطاقة بما يكفل تأمين احتياجات سكانه البالغ عددهم 40 مليون نسمة، وفق التقارير. 

وتعاني أغلب المدن والمحافظات العراقية من انقطاع مبرمج في تجهيز الطاقة الكهربائية، حيث تتضاعف المعاناة والانقطاعات كثيرا في فصل الصيف.   

كما أن اتفاق إمداد الأردن العراق بالطاقة الكهربائية، تعد “حاجة أمريكية” بعدما منحت الولايات المتحدة، التي تخوض في العراق صراعا على النفوذ مع إيران، بغداد تمديداً للإعفاء لمدّة 4 أشهر دفعة واحدة بعد تسلم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي السلطة في أيار مايو الماضي.

أصوات انتقادات       
    

وكما هي العادة، فمع كل تقارب عراقي مع أي دولة عربية، تخرج أصوات في بغداد، فقد انتقد عضو لجنة النفط والطاقة في مجلس النواب صادق السليطي، الربط الكهربائي بين العراق والأردن. 

وقال السليطي في تصريحات لوسائل إعلام عراقية إننا لا ننكر أهمية الربط الكهربائي بين العراق والأردن ، لكننا نرى أن الأهداف سياسية أكثر منها فنية، كون الطاقة التي سيتم تجهيزها بعد سنتين من الآن تقدر بـ 150 ميجاوات كحد أعلى لمدة ثلاث سنوات. 

واضاف أن العراق سيتحمل كلف شراء الطاقة وتشييد الخط الناقل داخل الأراضي العراقية بواقع 180 كم من أصل الخط الذي قد يصل إلى 300 كم داخل أراضي البلدين وللربط مع مصر مستقبلا.
 
 وأعرب السليطي، عن عدم تفاؤله “بتلك الحلول ذات الطابع الإعلامي علماً بأن هذه الطاقة التي سيتم شراؤها لا تسد حاجة أبسط المدن العراقية ، إذ إن مدينة الرفاعي ذات 160 ألف نسمة تحتاج لطاقة تقدر بـ 150 ميجا واط”. 

وتابع “كان الأولى بالحكومة التركيز على رفع الإنتاج الوطني عبر إجراء الصيانات اللازمة لوحدات الانتاج وإكمال نصب الوحدات المركبة للمحطات الغازية، داعيا الحكومة إلى “أن تكون واضحة وصريحة مع المواطنين وتعلن خططها وما ستحققه من زيادة بساعات التجهيز للصيف المقبل والسنوات المقبلة”. 

كما وتعارض الاتفاق جهات عدة في العراق موالية بالطبع للنظام الإيراني. 

تجارب “مخيبة للآمال”

يرى الكاتب الصحفي الأردني نضال منصور، أن “تاريخ التجارب العربية بالتكامل الاقتصادي كانت مخيبة للآمال، ومع أول اختلاف سياسي كانت المشاريع الوحدوية تذهب أدراج الرياح”. 

ويدلل منصور على ذلك بقوله في مقالة له، جاء فيها “قبل أكثر من 30 عاما تدافعت مشاريع وحدوية على غرار الاتحاد المغاربي العربي، ومجلس التعاون العربي، وبعدها خيّم صمت مُطبق على العمل العربي المشترك بعد كارثة احتلال صدام للكويت، وتقهقر لافت للجامعة العربية إثر ما سُمي بـ “الربيع العربي”، وغرق الكثير من الدول العربية بصراعات وانهيارات، وحروب أهلية”. 

ويضيف أنه “منذ ذلك الحين لاذت معظم الدول العربية بالانكفاء ومداواة جراحها، والحواضر العربية التي كانت تستنهض العمل العربي المشترك غابت عن المشهد، ودون مقدمات وتحضيرات كثيرة أطلق رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي العنان لتصريحات عن مشروع “الشام الجديد” في حديث لصحيفة الواشنطن بوست بقوله “مشروع الشام الجديد وفق النسخة الأوروبية سيتم طرحه على قادة مصر والأردن، موضحا أن المشروع سيُتيح تدفقات رأسمال والتكنولوجيا بين البلدان الثلاثة على نحو أكثر حرية”. 

وقد “قيل إن المشروع قديم وترجمة لتصورات قدمها رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي إلى مصر ثم الأردن لبناء شبكة مصالح مشتركة، وقيل إن المشروع مُستنسخ عن دراسة للبنك الدولي كانت تتحدث عن إطار يضم العراق، سوريا، لبنان، مصر، تركيا، والأردن، وقبل هذا الكلام كله كان هناك تسريبات. 

ويقول منصور “في أقل من عام عقد زعماء مصر والعراق والأردن اجتماعات ثلاث، الأول كان بالقاهرة إبان عهد عادل عبدالمهدي، وتبعه في سبتمبر الماضي لقاء آخر على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، والأخير في عمّان في ظل جائحة كورونا”.

ويرى أن “تاريخ التجارب العربية بالتكامل الاقتصادي يشير إلى أن مشروع “الشام الجديد” قد يتعرض للوأد قبل أن يجف الحبر الذي كُتب به”.

منذ سنوات اتفق العراق والأردن على مد أنبوب نفط من حقل الرميلة جنوب العراق إلى ميناء العقبة، وكان مفترضًا أن يُطرح عطاء دولي لتنفيذه، لكن جائحة كورونا أسهمت في تعطيل إجراءات المباشرة في التنفيذ، لكن هذا لم يمنع الوفد العراقي الذي زار واشنطن مؤخرا من توقيع اتفاقية مع شركة “جنرال إلكتريك” بقيمة 727 مليون دولار لإنجاز الربط الكهربائي بين عمّان وبغداد، والتفاصيل الأولية للمشروع تُشير إلى مد خط للكهرباء يمتد 300 كيلومتر من مدينة الريشة في الأردن وحتى مدينة القائم في العراق، وتشمل المرحلة الأولى استيراد 150 ميجاوات كهرباء من الأردن تزداد حتى تنتهي بـ 960 ميغاواط حين تنضم مصر للمشروع. 

ويضف منصور أنه “لو فكرت الدول العربية ببناء شبكة مصالح اقتصادية مشتركة لاستطاعت أن تنتصر على الصراعات السياسية، وتوقفت عن الخطابات الديماغوجية التي أثخنت العالم العربي جراحا وحروبا”. 

ويعتبر أن “مشروع “الشام الجديد” يحضر الاقتصاد فيه أولا، ولكن السياسة لا تغيب عنه؛ فـ “الشام الجديد” مثلا بلا شام بسبب غياب سوريا، حيث يستمر الاقتتال والصراع الداخلي منذ ما يُقارب العشر سنوات، وما ينطبق على سوريا يتقارب مع لبنان الذي يعيش هو الآخر أزمته الداخلية المُتفاقمة”. 

ويتساءل الكاتب “هل ينجح أنبوب النفط ليصبح شريانا يُحيي آمال العرب في التحالف والتكامل والوحدة، وهل تُفلح خطوط الربط الكهربائي في إعادة النبض للقلب العربي المتوقف؟ في كل الأحوال سننتظر ونرى.

ربما يعجبك أيضا