حتى لا ننسى جرائمهم.. تفاصيل مخططات تنظيم الجهاد لتدمير مصر

عاطف عبداللطيف

رؤية

كتب – عاطف عبداللطيف

كانت الجماعة الإسلامية، ترى أن اغتيال الرئيس محمد أنور السادات، في العرض العسكري يوم السادس من أكتوبر عام 1981، على يد خالد الإسلامبولي وعبدالحميد عبدالسلام، وعطا طايل وحسين عباس، وفقًا للتوجهات الفكرية لعبدالسلام فرج، بمثابة نصر كبير لتحقيق حلم قيام ما يسمى بالثورة الإسلامية، وأن عليها استغلال الموقف الداخلي والارتباك الذي شهدته مؤسسات الدولة المصرية لتمرير مرادها، بإسقاط الدولة.

خطة شيطانية

بعدها بساعات، عقد قيادات وأمراء الجماعة الإسلامية بصعيد مصر اجتماعًا لمناقشة خطة تم الاتفاق عليها، تهدف للسيطرة الكاملة على مدينة أسيوط، وغلق جميع مداخلها عن طريق أربع مجموعات إرهابية مسلحة، وذلك لكونها تمثل مركز ثقل الجماعة الإسلامية وقياداتها وانتشارها، وحث الجماهير على النزول للشوارع والميادين، من فوق منابر المساجد الكبرى، وإعطائهم السلاح لمهاجمة قوات الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة المصرية، ومن ثم إحكام قبضتها على باقي محافظات الجمهورية، إيذانًا بإعلان الدولة الإسلامية، على أن تكون عاصمتها أسيوط، بحسب ما قال الباحث في شؤون الجماعات والإرهاب عمرو فاروق في تدوينة له على صفحته بموقع “فيس بوك”.

وأضاف عمرو فاروق: وضعت الجماعة خطة تحرك للمجموعات الأربعة، إذ تولى قيادة المجموعة الأولى الشيخ حمدي عبدالرحمن، وتم تكليفها بالاستيلاء على نقطة شرطة اللاسلكي الموجودة بشمال المدينة، وكانت المجموعة الثانية، بقيادة الشيخ ناجح إبراهيم، وتم تكليفها بالاستيلاء على قسم أول أسيوط ونقطة مرور الغرب.

بينما كانت المجموعة الثالثة بقيادة الشيخ كرم زهدي، وكانت مكلفة بالاستيلاء على معسكرات الأمن المركزي أمام كلية التجارة والاستيلاء على نقطة مرور شرق مدينة أسيوط، على حين تولى قيادة المجموعة الرابعة، علي الشريف، ومهمتها الاستيلاء على مديرية أمن أسيوط وقسم ثان أسيوط وقتل رجال الشرطة المتواجدين داخل عربات الأمن المركزي المتمركزين أمام مركز ناصر والاستيلاء على نقطة مرور أسيوط الواقعة في الجنوب.

ضمت المجموعة الرابعة التي كانت أكثر عددًا، كل من عاصم عبدالماجد وفؤاد الدواليبي ومحمد ياسين وعلي عبدالمنعم وهمام عبده ورجب الغضبان ومحمد الشرقاوي وطلعت ياسين وغيرهم.

عناصر الإمداد

بجانب هذه المجموعات كانت هناك عناصر متحركة مهمتها الإمداد بالسلاح والذخيرة، وقد شارك في تلك العملية الإرهابية أكثر من 84 عنصر تكفيري مسلح، تتروح أعمارهم بين 18 و26 عامًا، كان من بينهم 45 طالبًا جامعيًا، و3 تجار، و3 مدرسين، و9 حرفيين، كانوا جميعًا تحت قيادة 9 من أمراء مجلس شورى الجماعة الإسلامية.

تفاصيل

ففي صبيحة أول أيام عيد الأضحى المبارك، الموافق الثامن من أكتوبر 1981، وخلال امتلاء المساجد بالمصليين، وقبيل الصلاة بنصف ساعة، انتشرت قوات الأمن وتفرقت على مساجد أسيوط لتحرسها بلا سلاح، حتى لا تستفز المصلين، وخلت مديرية الأمن من ضباطها وجنودها، وفي الساعة السادسة صباحًا وقفت سيارة بيجو 404، وتحمل لواحات رقم 12600، ملاكي سوهاج أمام مبنى مديرية الأمن، ونزل من السيارتين ثمانية أفراد مسلحين يرتدون زيًا عسكريًا، وفتحوا نيران أسلحتهم الآلية على جنود الحراسة الذين لم تتح لهم فرصة الرد بإطلاق النار من المفاجأة وسقط الملازم أول أحمد وحيد عند مدخل المديرية، والرائد حسن الكردي و16 سائقًا و32 فرد خدمة.

بينما تم ذبح العميد شكري رياض مساعد مدير أمن أسيوط على يد التكفيري الإرهابي، علي الشريف، الذي قام بفصل رأسه عن جسده ووضعه على مكتبه داخل مبنى مديرية الأمن.

سيطرة مؤقتة

سيطرة المجموعة الإرهابية على مبنى مدير الأمن بأسيوط، وانتشرت سيارات تحمل عناصر إرهابية مسلحة استهدفت مختلف التجمعات الشرطية المتواجدة في نطاق المدينة، وسيارات الشرطة المتحركة، فضلًا عن اتجاه مجموعات من العناصر الإرهابيين إلى مبنى مركز شرطة قسم ثان في شرق أسيوط، وقسم أول في غرب أسيوط لاحتلالهما، وقتال من فيهما، وضما أكثر من 300 جندي و40 ضابطًا.

استمرت عمليات تبادل إطلاق النيران لأكثر من 10 ساعة تقريبًا، استشهد خلالها 118 من جنود وضباط الشرطة بأسيوط وعدد من المواطنين وإصابة العشرات، وتم الاستيلاء على 26 بندقية و9 مدافع رشاشة، وتدمير أكثر من 40 سيارة تابعة للأمن المركزي، و46 بوكس شرطة.

سقوط القتلة

في ظل وصول دعم مكثف من قطاع الأمن المركزي، وتمشيط المنطقة بطائرتين هليكوبتر، وإعلان حالة الطوارئ في أسيوط بالكامل، واضطرار وزير الداخلية اللواء النبوي إسماعيل حينها، لطلب تدخل القوات المسلحة المصرية، انسحبت المجموعات الإرهابية المسلحة إلى نقاط الإرتكاز المحصنة بالجبال ودروبها.

خلال الاشتباكات الدائرة، أصيب عاصم عبدالماجد بثلاثة أعيرة نارية بركبته اليسرى والساق اليمنى، فعجز عن الحركة، وتولى القيادة من بعده علي الشريف الذي أصيب بدوره أيضًا بثلاث رصاصات نفذ اثنتان منهما بالجانب الأيسر، وعندما عجز عن الحركة تمامًا تولى القيادة فؤاد الدواليبي، الذي رأى خطورة الموقف؛ فانسحب من مبني المديرية وهرب عائدًا إلى قواعده في الجبال والقرى المحيطة بأسيوط.

بينما تم القبض على علي الشريف وعاصم عبدالماجد من مستشفى أسيوط الجامعي أثناء تلقيهما العلاج، كما انسحبت بقية المجموعات، إثر إصابة معظم عناصرها، إذ بُترت يد عصام دربالة بعدما حاول إلقاء قنبلة يدوية انفجرت فيه وتطايرت شظاياها في جسده، كما أصيب ناجح إبراهيم برصاصة في قدمه، مما أدى إلى فشل المخطط وإلقاء القبض على قادة الهجوم أحياء.

مبنى المديرية

وصل اللواء حسن أبوباشا مساعد الوزير للأمن العام حينها، إلى مطار أسيوط في الخامسة مساء 8 أكتوبر 1981، حسبما يؤكد فى مذكراته “الأمن والسياسة”، واصفًا المشهد: “كان المطار خاويًا تمامًا، ويسوده الصمت، وفي الطريق بالسيارة من المطار إلى مبنى مديرية الأمن، كانت الساعة الخامسة مساءً، وكانت أصوات الأعيرة تصل إلى آذاننا من جهات متعددة، وتصاعدت أصواتها عندما اقتربنا من مدخل المدينة التي بدت كمدينة أشباح يغلفها جو كئيب ومتوتر.

ولما كان المقتحمون لمبنى مديرية الأمن قد غادروه بعد احتلاله لمدة ست ساعات، فقد توجهنا إلى مبنى المديرية، ودعوت إلى اجتماع عاجل ضم جميع القيادات الموجودة، وكان واضحًا أن عنصر المفاجأة وحجم الخسائر التي لحقت بالقوات ترك مسحة الأسى والحزن على وجه الكثيرين”.

انتقل النبوي إسماعيل، وزير الداخلية، إلى أسيوط على متن طائرة، في صباح 9 أكتوبر 1981، متجهًا إلى معسكر الأمن المركزي، لمتابعة الأوضاع على أرض الواقع وملاحقة البؤرة التي يتمركز بها العناصر التكفيرية المسلحة. وكانت هناك تخوفات لدى القيادات الأمنية من قيام العناصر الإرهابية بمهاجمة السجون داخل أسيوط، وتهريب المتهمين، فقرر وزير الداخلية نقلهم بالطائرة إلى القاهرة.

القوات المسلحة

يقول اللواء فؤاد علام وكيل جهاز مباحث أمن الدولة سابقًا، في مذكراته: “السادات المباحث والإخوان”: “بعد اغتيال السادات حدثت محاولة احتلال مديرية أمن أسيوط وتم قتل مجموعة من العاملين فيها، وكان مسؤول أمن الدولة في أسيوط في هذا الوقت ممدوح كدواني الذي أصبح محافظاً لسوهاج، واتصل بي واستنجد بي، لأنهم كانوا يحاصرونه، وبين الحين والآخر يهجمون عليه ليقتلوه، وهو يستنجد بالمسؤولين ولا أحد ينقذه.

وأضاف فؤاد علام: “اتصل بي وحاولت أن أكلم كل المسؤولين والجهاز وخارج الجهاز لدرجة أنني اتصلت بحسن أبوباشا وكان في هذا الوقت مساعد الوزير للأمن العام، الذي اتصل بدوره بوزير الدفاع محمد عبدالحليم أبوغزالة وتدخلت القوات المسلحة في أسيوط وتمكنت من احتواء الأزمة”.

صدرت أحكام بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة عشرين عامًا على كرم زهدي وعاصم عبدالماجد وفؤاد الدواليبي، أما ناجح إبراهيم وعصام دربالة وعلي الشريف وأسامة حافظ فكانت أحكامهم تقضي بالسجن لمدة عشر سنوات.

هجوم فاشل

يقول أيمن الظواهري عن هجوم أسيوط، في كتابه “فرسان تحت راية النبي” إنه “كان محكومًا على تمرد أسيوط المسلح بالفشل، فقد كانت انتفاضة “عاطفية” ذات نصيب متواضع من التخطيط، فقد جاءت متأخرة عن قتل السادات بيومين، كما كانت تستند إلى خطة غير واقعية تهدف إلى السيطرة على مدينة أسيوط ثم التقدم شمالًا نحو القاهرة لفتحها، متناسية أية أرقام عن قوة العدو وعتاده”.

بينما أفتى الشيخ عمر عبدالرحمن، الأب الروحي للجماعة الإسلامية، بأن على الذين شاركوا في تلك الأحداث أن يصوموا ستين يومًا للتكفير عن ذنبهم، باعتبار أن عمليات القتل التي ارتكبوها تندرج تحت بند القتل الخطأ.

ربما يعجبك أيضا