تعديل اتفاق التبادل الحر.. المغرب يحاصر الأطماع التركية

كتب – حسام عيد

خطوات قانونية في المغرب لتحصين الداخل اقتصاديًا هذه المرة مع قانون جديد يستهدف البضائع التركية التي يتوفر لها البديل المحلي؛ فقد صادقت الحكومة المغربية على مراجعة اتفاقية التبادل الحر بين الرباط وأنقرة، وقررت فرض مزيد من القيود على المنتجات المصنعة في تركيا لمدة خمس سنوات.

وكان الاقتصاد المغربي تكبد خسائر كبيرة جراء اتفاق التبادل الحر مع أنقرة لا سيما فقدان عشرات آلاف الوظائف.

التعديل أو التمزيق

كان المغرب توصل إلى توافق مع تركيا إثر جولة مباحثات من أجل تعديل اتفاقية التبادل الحر بين البلدين في 24 أغسطس الماضي، بعدما أبلغ وزير الصناعة والتجارة المغربي حفيظ العلمي البرلمان بأن “المغرب يطرح خيارين أمام تركيا، إما مراجعة الاتفاقية والتوصل إلى حلول، وإما تمزيقها”، ما يشير إلى فداحة الخسائر التي تكبدها الاقتصاد المغربي جراء تلك الاتفاقية.

وقد ارتفع العجز التجاري للمغرب مع أنقرة بشكل هائل ليصبح 16 مليار درهم في عام 2018، بعدما كان لا يتجاوز 4.4 مليارات درهم في عام 2006.

الاتفاق ضم اختلالات عدة أسهمت في ترجيح الكفة لصالح تركيا، حيث لم يقم في الأساس على مبدأ |رابح-رابح”، وذلك يعود إلى عامل أساسي يتمثل في سياسة تركيا الاقتصادية التي تُبنى على مبدأ استيراد أقل وتصدير أكبر.

وكان وزير التجارة المغربي حفيظ العلمي، قد أبلغ البرلمان يوم 13 يناير الماضي، أن المغرب يطرح خيارين أمام تركيا، إما مراجعة الاتفاقية والتوصل إلى حلول، وإما تمزيقها.

تصحيح الاختلالات

وبعد أشهر طويلة من الجدل السياسي بين المكونات السياسية للحكومة بخصوص اتفاق التبادل الحر الذي يجمع المغرب بتركيا ومدى تأثيره على قطاعات ذات اقتصادية مهمة في البلاد، خاصة قطاع النسيج، حيث ساهم اتفاق التبادل الحر في إغراق أسواق المملكة المغربية بالمنتجات التركية، وهو الأمر الذي أثار حفيظة مصنعين محليين وبعض السياسيين الذين قاموا بالضغط من أجل تقويم ذلك الاختلال التجاري، قامت الحكومة المغربية بتعديل الاتفاق المبرم مع تركيا.

ففي 14 أكتوبر من العام الجاري، صادق المجلس الوزاري في المغرب برئاسة الملك محمد السادس، على مراجعة اتفاقية التبادل الحر بين المملكة المغربية وتركيا.

وقال عبدالحق المريني، الناطق الرسمي باسم القصر الملكي: “هذه المراجعة تهدف إلى تصحيح الاختلالات التي لحقت بالميزان التجاري بين البلدين خلال السنوات الأخيرة”.

وتؤكد الرباط أن الاتفاقية السابقة “غير متكافئة”، وتكبد الاقتصاد المغربي خسائر مالية فادحة تبلغ قرابة ملياري دولار في السنة.

وينص الاتفاق الجديد على فرض رسوم جمركية لمدة 5 سنوات على عدد من المنتجات الصناعية التركية لتبلغ 90% قيمة الرسوم الجمركية المطبقة.

ونص الاتفاق أيضا على ألا يطبق الجانب المغربي أي رسوم أخرى ذات أثر مماثل للرسوم الجمركية على الواردات ذات المنشأ التركي، باستثناء ما تتيحه المادتان 18 و19 من اتفاقية التبادل الحر بينهما.

واشترطت وزارة التجارة المغربية أيضًا على سلسلة متاجر “بيم” التركية المنتشرة في المغرب، التي تعتمد على بيع المنتجات التركية هناك، بأن يكون نصف المعروض في جميع متاجر “بيم” من إنتاج مغربي، وحذرت من أنه في حالة عدم الالتزام سيتم غلق 500 متجر تمتلكها العلامة التجارية التركية في المغرب.

وينص الاتفاق المبرم مع تركيا على ضرورة انعقاد اللجنة المشتركة المغربية التركية 3 أشهر قبل تاريخ انتهاء فترة الخمس سنوات الأولى، لتقييم ما إذا كانت هناك حاجة للتمديد بـ5 سنوات إضافية، حيث يمكن للجنة المشتركة، بتوافق مشترك تمديد فترة الخمس سنوات الأولى لمدة 5 سنوات إضافية.

محاصرة الإغراق التركي

وقد تعرض المغرب للتحايل من طرف الشركات التركية التي كانت تصدر منتجات قادمة من دول أخرى تسببت في إغراق الأسواق في حين أنها تستفيد من التصدير إلى المغرب دون رسوم في إطار التبادل الحر بين البلدين.

وتسعى الصيغة الجديدة للاتفاقية المبرمة تسعى لتفادي أي تحايل عن طريق الانتباه لأصل المنتوج بلد المنشأ، مع ملاحظة التدرج في التراجع عن الرسوم الجمركية لإعطاء مهلة للصناعات المغربية التأهل لظروف المنافسة.

وأقر وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي المغربي حفيظ العلمي؛ بأن وزارته تحارب الشركات التي تريد إغراق الأسواق المغربية، معترفا بوجود مشكلة في قطاع النسيج المغربي، بسبب تركيا.

ووجه المسؤول المغربي اتهاما إلى تركيا بإغراق السوق المغربي بالألبسة ما تسبب في إلغاء فرص عمل للمغاربة.

تحصين الاقتصاد المغربي

ووفق إحصاءات وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، فقد خسر المغرب الكثير، بخاصة في قطاع النسيج، ووصلت نسبة فقدان الوظائف إلى 219 ألف منصب عمل، وارتفع العجز إلى 18 مليار درهم، وذلك بسبب ارتفاع الصادرات التركية في السنوات الأخيرة بنسبة 72%.

كما ارتفع حجم الصادرات التركية نحو المغرب، في إطار اتفاقيات التبادل الحر بشكل كبير خلال الأعوام الأخيرة إذ انتقل من المغرب ما بين 7 مليار و796 مليون درهم (أكثر من 800 مليون دولار أميركي) و15 مليار و500 مليون درهم (حوالي مليار و600 مليون دولار).

وأكدت وزارة الاقتصاد والمالية في الأسبوع الثاني من أكتوبر الجاري، انخفاض واردات الملابس الجاهزة من تركيا وبعض الدول الأوروبية والآسيوية، حيث بلغت الكميات المستوردة، إلى ما يقارب 6655 طنا بقيمة مالية إجمالية بلغت 1.24 مليار درهم، (154 مليون دولار)، مقابل 10 آلاف طن في الشهور الثمانية الأولى من سنة 2019، بقيمة مالية إجمالية تجاوزت 1.63 مليار درهم، 176 مليون دولار.

وتأثرت الواردات المغربية من الملابس الجاهزة التركية، التي ألحقت أضرارا كبيرة بالصناعة المحلية من الملابس الجاهزة، بشكل كبير نتيجة التوقف شبه الكلي لحركة المبادلات التجارية بسبب تفشي وباء “كوفيد 19”.

ولهذا فقد نص الاتفاق الذي صادقت عليه الحكومة المغربية، على ألا تتجاوز القيمة الإجمالية لواردات المنتجات الخاضعة لهذه الإجراءات 15% من مجموع واردات المنتجات الصناعة من الطرف الآخر.

وختامًا؛ يؤدي هذا القرار إلى تقليل فرص أنقرة كأحد البدائل أمام العلامات التجارية الأوروبية التي تسعى إلى إخراج أعمالها من الصين، وكذلك فإنه يفرض المزيد من التحديات على الاقتصاد التركي المنهار بالفعل، بينما يهدف إلى حماية الصناعات المغربية الناشئة وإعطاءها فرصة من أجل التأقلم مع ظروف السوق وأن تتقوى قبل مواجهة المنافسين المحتملين، الأمر الذي يعزز بدوره تنافسية الاقتصاد المغربي على خارطة الاقتصاد العالمي.

ربما يعجبك أيضا