محمد فوزي المبتهل إلى الله

هالة عبدالرحمن

كتب – هالة عبدالرحمن

ربما لم تخل تلك المشاعر المتدفقة من صوته الرائع وجدانيات وإيمانيات ازدانت بها الأغنية الدينية، فمن بين 400 أغنية قدمها خالد الذكر محمد فوزي كانت الابتهالات والأناشيد الدينية جزءًا ثمينا من ذاكرة الفن المصري.

ويحل اليوم ذكرى رحيل الفنان الكبير محمد فوزي، والذي يوافق 20 أكتوبر1918، بعد  أن رحل عن عالمنا في 20 أكتوبر 1966، ليترك لنا أثرا عميقا في نفوسنا كلما اسمتعنا إلى أعماله الخالدة.

محمد فوزي هو ابنُ منشدٍ دينيٍ من منشدي مسجد السيد البدوي في مدينة طنطا في دلتا القاهرة، وخياراتُه المقاميةُ في الأغاني الشعبية تأثرت كثيراً بتقاليد الإنشادِ الديني وتجويدِ القرآن، وفي هذا الخطِ من الغناء الشعبي أنتج فوزي بعضاً من أشهرِ وأجملِ أغانيه، (مثال: مال القمر، وأي والله، وحبيبي وعنيا، والسعد واعدني..الخ)، كما أنه أثرى الأغنية الدينية بعدد من الابتهالات والأناشيد مثل: “بُشراك يا صايم، والمسحراتي، قف بالخشوع ، الضعاف يا رب سند، ربي سبحانك..).

وبصوت فوزي الخاشع والمتميز يصدح ليقول “قف بالخشوع وناد ربك ياهو.. فهو الكريم يجيب من ناداه.. واسأله ما شاءت يداك فإنه.. مبسوطتان لمن دعاه يداه”، لتجد نفسك سابحا فى روحانيات تجعل قلبك فى ارتياح شديد.

كلمات “قف بالخشوع” كتبها الإمام البرعي، ولحنها أيضا الفنان الكبير صاحب الصوت والألحان الساحرة محمد فوزي، والتي تعبير عن مدى استجابه الله عز وجل للعبد عندما يلجأ إليه ويدعوه، والتي عرضت على محمد فوزي وهو يعاني من مرضه ولكنه لم يتردد من تنفيذها فقام بلحنها وغنائها.

وجاءت كلماتها ” قف بالخشوع هو أول هو آخر هو ظاهر.. هو باطن ليس العيون تراه.. سبحان من عنت الوجوه لوجهه .. وله سجود أوجه وجباه.. يا من هو المعروف بالمعروف .. يا غوثه يا ربه يا مولاه.. قف بالخشوع وناد ربك ياهو .. فهو الكريم يجيب من ناداه.. ياذا الجلال وذا الجمال وذا الهدى .. يامنعم عما الوجود نداه.. مالي إذا ضاقت وجوه مذاهبي.. أحدا ألوذ بوجهه الله.. قف بالخشوع وناد ربك ياهو.. فهو الكريم يجيب من ناداه”.

ودأبت الإذاعة المصرية التي رفضته مطرباً، على إذاعة أغانيه من دون أن تفكر بالتعاقد معه. وبعد ثورة يوليو/تموز 1952؛ دخل الإذاعة بقوة بأغانيه الوطنية كأغنية «بلدي أحببتك يا بلدي»، والدينية من مثل: «يا تواب يا غفور»، و«إلهي ما أعدلك».

ورصيد محمد فوزي من الأغنيات 400 أغنية منها حوالي 300 في الأفلام من أشهرها “حبيبي وعينيه”، و”شحات الغرام”، و”تملي في قلبي”، و”وحشونا الحبايب”، و”اللي يهواك أهواه”، و”مال القمر ماله”، ومجموعة من أجمل أغنيات الأطفال التي أشهرها “ماما زمانها جاية” و”ذهب الليل طلع الفجر” والأغنية الوطنية الشهيرة “بلدي أحببتك يا بلدي” وأغاني المناسبات ك “هاتوا الفوانيس يا ولاد” الخاصة برمضان وأغنية “إنتي يا أمي” الخاصة بعيد الأم، وغيرها من الأغاني وله لحن خاص واسمه “يا مصطفى” والذي أصبح أيقونة في الموسيقى العالمية حيث تم استخدامه في أغاني عالمية كثيرة.

لحنياً، يتألقُ محمد فوزي بشكلٍ استثنائيٍ، ويكمن ثراء الخيالِ اللحنيِ لمحمد فوزي بوضوحٍ في التباينِ الكبيرِ في طريقةِ استخدامِ نفسِ المقامِ لعدة أغاني، كما أنه وظف ألحانا وكلمات ليجسد بها الروح المصرية في تلك الفترة، فهي تلك الروح التي تحمل مزيجا بين العشق الآلهي والتقوى والطرب، ففي درة فوزي اللحنية الخالدة “ساكن في حي السيدة” التي تغنى بها المطرب محمد عبدالمطلب عام 1960، بعد عامٍ واحدٍ من اعتزالِ فوزي السينما الغنائية وبدءِ مشاكلِه الصحية، التي أجبرته على الاقتصارِ على التلحينِ لغيره من الأصوات، نجد هذه الأغنية بكلماتِها الضاربةِ في عمق البهجةِ والعشمِ والوجدِ وتدينِ المصريين الشعبي بخلطتِه الدنيويةِ العجيبةِ والتي جسدها فوزي ولحنِها  بنقلات مقاميةِ سلسة.

فلم  يكن محمد فوزي مجرد ملحن أو مطرب، بل كان تأريخا لمرحلة ثقافية مرت بها مصر كان الإيمان فيها كامنا بالوجدان مترسخا منقحا من التطرف، فكلما مرت الأيام نعود إلى ذلك التراث حتى نحيي ما خلت منه مجتمعاتنا، محمد فوزي المبتهل إلى الله كان نموذجا مصريا خالصا وستظل سيرته قابلة للسرد والتأريخ لعقود.

ربما يعجبك أيضا