التطرف في فرنسا.. الإسلام السياسي والنزعة «الانفصالية»

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

شهدت فرنسا إلى جانب عواصم أوروبية، تزايد عدد (المنظمات الإسلامية، والمراكز الثقافية ومدارس تعليم اللغة العربية) بشكل كبير، ويبدو، أن جماعات الإسلام السياسي، تحديدا جماعة الإخوان والتنظيمات المتطرفة الأخرى منها القاعدة وتنظيم داعش وحزب الله وغيرها، اتخذت من فرنسا ملاذا آمنًا.

المشهد الحالي، هو سيطرة الجماعات المتطرفة، بغطاء الدين، تحديدا، جماعة الإخوان على أغلب هذه الجمعيات والمساجد، وكانت متورطة في التحريض على الإرهاب والتطرف. أدركت فرنسا الآن ولو بشكل متأخر حجم الخطر الذي يمثله الإسلام السياسي داخل فرنسا، بعد أن وصفها الرئيس الفرنسي «بالانعزالية» والمقصود بذلك به وجود «محميات» منعزلة اجتماعيا وثقافيا عن فرنسا وهي تعيش في الداخل الفرنسي.

اتخذت فرنسا الإجراءات في حق عدد من الجمعيات بعد التدقيق فيها، في انتظار مشروع قانون ضد التطرف الإسلاموي من شأنه أن يوسع نطاق أسباب حل الجمعيات واتخذت إجراءات لمراقبة “دعاية التطرف” في فرنسا. وقررت الحكومة التحرك فورا ضد جميع من دعموا الاعتداء على شبكات التواصل الاجتماعي، بعدما أقدم شيشاني يبلغ 18 عاما على قطع رأس مدرس تاريخ، يوم 15 اكتوبر 2020، في ضاحية بباريس.

قررت الحكومة الفرنسية «طرد» 231 أجنبيا يقيمون في البلاد بشكل غير قانوني ويلاحقون بشبهة التطرف. يأتي ذلك في قت تتخذ فيه باريس تدابير ضد التطرف وما تسميه “الانعزالية الإسلامية”. وأعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد درمنان يوم 13 أكتوبر 2020  أن “12 من دور العبادة التي تشجع على التطرف” أغلقت في سبتمبر 2020، منها مسجد غير معلن ومدرسة خاصة ومركز ثقافي وخمسة محلات وتم إغلاق 73 مكانا يشتبه في انتهاجها التطرف في فرنسا منذ مطلع العام. 

«الانعزالية الإسلاموية»

قدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أعقاب ذلك، خطة عمل ضد ما أسماها «الانعزالية الإسلاموية»، معلنا تدابير عديدة مثل إلزام أي جمعية تطلب إعانة عامة بالتوقيع على ميثاق العلمانية، وتعزيز الإشراف على المدارس الخاصة التابعة لطائفة دينية، وفرض قيود صارمة على التعليم المنزلي.

ويقول أصحاب هذه النزعة: (نحن نؤمن بالإسلام السياسي، وسوف نعيش وفق تعاليمه وقواعده المختلفة عن قواعد العيش في إطار الجمهورية). وفق هذا العرض، فإن “الانفصالية” تعني اعتناق مبادئ وقيم وممارسات اجتماعية تعدّ شاذة قياساً بما هو متعارف عليه في المجتمع الفرنسي، وليست مشروع انفصال بالمعنى الجغرافي وعرض الرئيس الفرنسي ماكرون في وقت سابق، بعض التدابير المقترحة لمحاربة “الانفصالية”؛ ومنها وضع حد لمجيء أئمة من الخارج.

واوضح دارمانان هوية الجماعات المقصودة بـ”الانفصالية”  بالقول: إنهم الإرهابيون الإسلاميون المتطرفون، الذين يعتمدون مبدأ التقية؛ وهو الإسلام السياسي الساعي، من خلال التسلل والتورية، إلى تغيير أنماط حياة مواطنينا وفرض رؤيته عليهم وآخرون مثل دعاة تفوق العرق الأبيض، اليمين المتطرف.

اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا

يعتبر “اتحاد المنظمات الإسلامية” في فرنسا وهو ممثل تنظيم الإخوان المسلمين في فرنسا ويدير هذا الاتحاد بعض المساجد والمدارس والمخيمات الشبابية كما يقيم مؤتمرا سنويا يسمى “الملتقى السنوي لمسلمي فرنسا” الذي يعتبر مناسبة لإلقاء المحاضرات وعقد الندوات السياسية والدينية وتلاوة القرآن وعرض المؤلفات الإسلامية والمنتجات الحلال من ملابس ومأكولات وغيرها.

وتصنف البعض من الدول اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا ضمن التنظيمات والجماعات الإرهابية، وتم تغيير تسمية هذا التنظيم ليصبح “اتحاد مسلمي فرنسا” وهو الفرع الفرنسي من اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا. وهو عضو في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ويضم أكثر من 250 جمعية إخوانية، ويشرف على عدد من المؤسسات والكيانات والمراكز الإسلامية التابعة للتنظيم.

النتائج

سعت فرنسا إلى إعادة ترتيب أوراقها  منذ عام 2016، ما يتعلق بالهيئات الممثلة للمسلمين على ترابها فأسست “مؤسسة إسلام فرنسا” من أجل تسيير موضوع تمويل دور العبادة وتسيير الإسلام في فرنسا بعد مشاورات مع مثقفين وسياسيين وفاعلين اجتماعيين فرنسيين، وهو ما يهدف إلى التصدي لكل محاولات نشر السلوكات والأفكار المتشددة في فرنسا.

ما تقوم به فرنسا في الوقت الحاضر، هي “صحوة” محاربة الإسلام السياسي والتطرف داخل فرنسا، بعد أن نجحت جماعة الإخوان المسلمين بالالتفاف على القوانين، وإنشاء شبكة عمل واسعة ومرتبطة مع بعضها داخل فرنسا، تدعو إلى التطرف والإرهاب.

الشرطة الفرنسية، لا توجد لديها الإمكانيات، في مراقبة خطاب الأئمة ومراقبة كل فناء أو مسجد أو مركز تستغله الجماعات المتطرفة بينها الإخوان لأغراضها التي تهدف إلى “أسلمة المجتمع الغربي” وإقامة مجتمعات تؤمن بمعتقداتها وأيدلوجيتها المتطرفة، وكان هذا وراء حوادث التطرف في فرنسا وأوروبا.

ما يميز الإجراءات الفرنسية “التنفيذية” والتشريعات، أنها هي الأسرع في أوروبا، هناك تسريع ومتابعة للقوانين والإجراءات، وهذا يعني أن فرنسا اليوم تدخل مرحلة جديدة في محاربة التطرف والإسلام السياسي، بعد أن اكتشفت حجم الخطر الذي يهدد أمنها القومي من الداخل.

كانت فرنسا وعواصم أوروبية تعتقد، بأن الخطر ينحصر في عودة المقاتلين الأجانب، وركزت في سياساتها وإجراءاتها على هذا الموضوع، بمسك الحدود ورصد المقاتلين الأجانب، لكن اليوم الإرهاب في فرنسا وأوروبا ينشر بذوره محليا من الداخل.

الإرهاب في فرنسا وأوروبا لم يعد منعزلا عن دول منطقة الشرق الأوسط، وقد كشفت موجات الإرهاب التي ضربت باريس 2015 ذلك، وهذا ما يعني أن فرنسا، تحتاج إلى تعزيز التعاون الأمني مع بعض دول المنطقة التي عرفت في مكافحة التطرف والإرهاب والتعايش السلمي، أبرزها دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر والمغرب والأردن، التي عرفت في تجاربها في “المناصحة الفكرية” ومحاربة التطرف، والتعايش السلمي بين مختلف الأديان والأعراق.

ربما يعجبك أيضا