في ذكرى الحرب الكورية.. الرئيس الصيني يحذر واشنطن من اللعب بالنار

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

“دعوا العالم يعرف أن شعب الصين منظم وينبغي عدم الاستخفاف به”.. بهذه الكلمات التي تعود لمؤسس جمهورية الصين الشعبية ماو تسي تونغ استهل الرئيس الصيني شي جين بينغ خطابه بمناسبة الذكرى السبعين لنشر جيش المتطوعين الشعبي في شبه الجزيرة الكورية، مؤكدا استعداد بلاده التام الرد بلا هوادة على أي محاولة لتقويض سيادتها وأمنها.

من داخل قاعة الشعب الكبرى في بكين، تحدث شي جين بينغ، أمس، بلهجة مفعمة بالوطنية والحماسة عن الشجاعة التي أظهرتها القوات الصينية عندما تدخلت قبل 70 عاما في الحرب الكورية – وهي المرة الوحيدة التي شهدت مواجهة مباشرة بين القوات الصينية ونظيرتها الأمريكية-  منددا بالاضطرابات التي يشهدها العام حاليا بسبب النزعة الأحادية وجنون العظمة، في إشارة واضحة إلى النزعة الحمائية التي تنتهجها الإدارة الأمريكية في علاقاتها مع بكين.

لا نصنع الاضطرابات لكننا لا نخشاها

عادة ما يستغل الرئيس الصيني مناسبات مثل ذكرى الحرب الكورية للحديث عن قوة بلادة الصاعدة وتوجيه رسائل ضمنية إلى خصومه السياسيين داخليا وخارجيا، وأبرزهم الولايات المتحدة بلا منازع، وفي خطابه أمس، كان واضحا أنه يحذر الإدارة الأمريكية الحالية وحتى القادمة في حال فاز جو بايدن باستحقاق الثالث من نوفمبر من التمادي في التصعيد ضد بلاده سواء اقتصاديا أو سياسيا عبر التدخل في الملفات الشائكة في هونج كونج وتايوان وشبه الجزيرة الكورية عموما.  

قال شي جين: لقد فهم الشعب الصيني على مر تاريخه أنه يجب عليك دائما استخدام اللغة التي يمكن للغزاة فهمها لصنع السلام وكسب احترام العالم من خلال تحقيق النصر ووقف العدوان بالقوة، الشعب الصيني لا يخلق المشاكل والصعوبات لكنه لا يهابها، وبغض النظر عن الصعوبات أو التحديات التي نواجهها، فإن أرجلنا لن تهتز وظهرنا لن ينحني.

وأضاف: لن نجلس مكتوفي الأيدي ونتفرّج على أي ضرر يلحق بسيادتنا الوطنية، ولن نسمح قط لأي قوة بأن تغزو أو تقسّم أراضي الوطن الأم المقدّسة، بمجرد الاستفزاز القوي ستصبح الأمور “قبيحة” وسيئة للغاية بغض النظر عن طبيعة البلد الخصم أو قوة جيشها.

خلال الخطاب حرص “شي جين” وهو أيضا القائد العام لجيش التحرير الشعبي الصيني على التأكيد على قوة جيش بلاده في أكثر من موضع والتذكير بشجاعته خلال الحرب الكورية، داعيا إلى إسراع خطوات تحديث القوات المسلحة الصينية، وقال: بدون جيش قوي لا يمكن أن يكون هناك وطن قوي، إلا أنه أيضا أكد على الطبيعة الدفاعية لسياسات بلاده العسكرية، ومعارضتها الشديدة لسياسات الهيمنة والقوة.

وختم شي جين  بتنديد لاذع للأعمال التي تتسم بالأحادية والتنمر، قائلا: إذا كان هناك من يقف ضد توجهات المجتمع الدولي بأحادية أو يتنمر على الضعفاء، محاولا إعادة التاريخ للوراء والانخراط في العدوان والهيمنة والأطماع التوسعية، فإن هذا سيؤدي حتما إلى إراقة الدماء، وكذلك سياسات الضغط والابتزاز والسعي وراء المصالح الذاتية فقط، لن تؤدي إلى أي نتائج وستقود العالم إلى طريق مسدود.

رمزية الحرب الكورية ورسائل مبطنة لواشنطن

كما نرى اتسم الخطاب بهجوم مبطن على واشنطن، واكتفى شي جين بذكرها بالاسم في حديثه عن الجانب التاريخي للمناسبة فقال: انتصارنا في الحرب الكورية كان رسالة إلى الشعوب المستضعفة في العالم، فبعد جهود مضنية تمكن الجيشان الصيني والكوري في النهاية من هزيمة الخصوم وكسروا أيضًا الجيش الأمريكي الأسطوري، الذي كان من المفترض أنه لا يقهر.. وكأنه يقول بشكل مستتر أن الصين يمكنها أن تعيد الكرة وتهزم الجيش الأمريكي الآن أيضا.

الحرب الكورية التي بدأت في يونيو 1950 بهجوم من كوريا الشمالية على جارتها الجنوبية لتنتهي بعد ثلاثة أعوام باتفاق على وقف اطلاق النار دون توقيع اتفاق ينهي النزاع التاريخي بين الكوريتين، ترى فيها الصين نموذجا للصمود في وجه العدوان الأمريكي، إذ تدخلت في أكتوبر 1950 لتدعم بيونج يانج “الشيوعية أيضا” عقب تدخل الأمم المتحدة وأمريكا، ودفعت بجنود غالبيتهم متطوعين إلى الصفوف الأولى للمواجهة، وتمكنت وقتها من إنهاء الحرب على قاعدة لا غالب ولا مغلوب واتفقت عام 1953 مع الأمم المتحدة على انسحاب القوات الأممية والأمريكية إلى ما بعد خط عرض 38 الذي يقسم شبه الجزيرة الكورية.

وعلى العكس من الاحتفال الذي نظمته بكين بمناسبة الذكرى الستين للحرب الكورية عام 2010 واقتصر على خطاب  من نائب الرئيس “شي آنذاك” للأمة وبعض المظاهر الاحتفالية المتواضعة، حرصت القيادة الصينية على خروج احتفال الذكرى السبعين هذا العام بشكل مختلف وسط  تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة بشأن التجارة  والعلاقة مع تايوان – التي تتمتع بحكم ذاتي إلا أن الصين تعتبرها جزء لا يتجزء من أراضيها- فجاء خطاب شي مفعما بالوطنية والرسائل التحذيرية لأعداء الأمة “الولايات المتحدة”.

كما حرصت بكين على تدشين حملة دعاية بوسائل الإعلام الرسمية تبث مقابلات بشكل يومي مع جنود سابقين عايشوا الحرب، وتمجد في تضحيات الجيش الصيني الذي فقد نحو 200 ألف جندي خلال الحرب المذكورة، واعتبار من أمس بدأت صالات السينما في كافة أنحاء الصين عرض فيلم “تضحية” الذي أخرجه ثلاث من كبار الشخصيات في عالم السينما الصينية وتدول أحداثه في زمن الحرب من خلال قصة مجموعة من الجنود الصينيين أثناء مواجهتهم القوات الأمريكية.

وضمن الاستعدادات لاحتفال الذكرى السبعين للحرب، نشرت الصحيفة الناطقة باسم الجيش الصيني افتتاحية مطولة تشيد بالنصر المجيد الذي ترك أنطباعا لا ينسى لدى الأمريكيين بضرورة احترام “الخطوط الحمراء للصين”.

 تقول المحللة المتخصصة في الشأن الصيني لدى مؤسسة الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية أليس إكمان -في تصريح لفرانس برس- خطاب شي يحمل رسالة مباشرة للولايات المتحدة، لا التباس في الأمر، فهو يستنهض روح الحرب بمفهومها الأوسع.

معلقا على خطاب شي، قال مات بوتينجر -نائب مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض صباح أمس- لا يوجد نظام أكثر قدرة على التأثير في تصورات وأولويات شعبه أكثر من الحزب الشيوعي الصيني، فانتصاره في الحرب الأهلية الصينية لا يرجع إلى براعته القتالية ضد خصومه بقدر ما يرجع إلى قدرته على التسلل والتلاعب باللغة والأفكار، مذكرا بفوائد المعاملة بالمثل وأنها تظل نهجا دفاعيا متجذرا في مفاهيم الردع واللعب النظيف، كما ذكر بفوائد الصراحة عند الحديث عن الخصوم لتجنب الأخطاء الاستراتيجية وتعزيز السلام.

https://www.youtube.com/watch?v=3NFw-oEzgMM&feature=emb_logo

ربما يعجبك أيضا