رغم كل الحيل.. 2020 عام صعب على قيصر روسيا

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيودع العام 2020 وهو في حال لا يحسد عليه مقارنة بأعوامه السابقة في الحكم، فهذا العام كان صعبا على القيصر داخليا وخارجيا وعلى كافة الصعد سياسيا واقتصاديا.

ففي أوائل العام لجأ بوتين إلى حيلة دستورية ليظل في سدة الحكم ممسكا بخيوط اللعبة مدى الحياة، ثم أشعل حرب أسعار النفط “غير الحكيمة” -كما يصفها مراسل الإندبندنت أوليفر كارول- التي تسببت في تراجع الاحتياطات الأجنبية، ثم مع بدء رياح كورونا في مارس الماضي ما كان منه إلا ممارسة الإنكار المتعمد لخطورة الوضع الوبائي بالبلاد، وتوالت المشاكل تهدد القيصر بصداع لا ينتهي مع السماح بتنظيم استفتاء تعديل الدستور وسط تفشي الوباء في يوليو الماضي، ومن ثم خرجت أصوات تؤكد وقوع عمليات تزوير غير مسبوقة لتمرير التعديلات، ومع تراجع مؤشرات الاقتصاد ومستويات المعيشة خرجت احتجاجات مناهضة لبوتين في عدد من القرى والمدن.

الأمر لم يقف عند هذا الحد خارجيا ما زال بوتين متورطا في الحرب السورية يحاول بكل جهده الحفاظ على مكاسب السنوات الماضية رغم الخسائر الفادحة جراء إنهاك جيشه خارج الحدود، وفي الفناء الخلفي لروسيا هناك اضطرابات تزعج القيصر  تحديدا في بيلاروسيا فحليفه ألكسندر لوكاشينكو منذ أن فاز بالانتخابات الأخيرة الشهر الماضي وهو يواجه احتجاجات عارمة تتهمه بالتزوير وتطالبه بالرحيل عن السلطة، والرجل لم يقصر استعان بموسكو وتخطى نظامه الدموي كل خط أحمر لقمع هذه الاحتجاجات والبقاء في الحكم، طبعا لا يغيب عنا هنا الإشارة أيضا إلى قضية تسمم زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني.

عام صعب

يقول مراسل “الإندبندنت” من روسيا أوليفر كارول، كان هناك سنوات كثيرة ماضية لبوتين أفضل بكثير من 2020، هذا العام صعب بالفعل للرئيس الروسي، لا شيء جيد لا في الداخل أو في الخارج.

في بداية العام بدت الأمور تسير لصالح بوتين مع إعلانه في 15 يناير الماضي عن تنظيم استفتاء على تعديلات دستورية اقترحها من أجل منح سلطات أوسع للبرلمان وإعادة توزيع الصلاحيات بين السلطات التشريعية والتنفيذية، والأهم أن التعديلات تقترح إعادة تحديد الولايات الرئاسية بشكل يسمح لبوتين بأن يحكم حتى عام 2036، أي يتجاوز مدة ولايته التي يفترض أن تنتهي في 2024، وبالفعل تم تمرير هذه التعديلات في البرلمان.

لكن الرئيس الروسي أصر على تنظيم استفتاء شعبي على التعديلات الدستورية في يوليو وسط تفشي الوباء، فالرجل الذي يمسك على زمام السلطة منذ 21 عاما لا يمكنه أن يبتعد عن الحكم بسهولة فهو يريد البقاء رئيسا مدى الحياة ولكن أيضا يريد غطاء شرعيا، لذا كان الاستفتاء ضروريا.

وفي شهر يوليو كان بوتين على موعد مع أصوات تتهم نظامه بتزوير الاستفتاء والتلاعب بالأصوات، في حين اعتبر الكرملين نتائج الاستفتاء انتصاراً وتعبيرا عن ثقة الشعب بالرئيس بوتين، حيث وافق 77,92% من الناخبين الروس على التعديلات.

يوليو أيضا شهد احتجاجات غير مسبوقة في أقصى شرق روسيا رفع فيها المحتجون لأول مرة صراحة شعارات تطالب برحيل بوتين، تفجرت الاحتجاجات بسبب توقيف وإقالة حاكم مدينة خاباروفسك “ سيرغي فورغال” الذي يحظى بشعبية واسعة لدى سكان المنطقة، وتعيين مسؤول آخر من قبل الكرملين.

بالعودة لشهر فبراير الذي أطلق فيه الرئيس الروسي العنان لحرب أسعار النفط، نجده تسبب بدون مبرر عندما أصر على عدم المضي قدما في اتفاقه مع “أوبك” الخاص بخفض سقف الإنتاج لدعم الأسعار، في انهيار الأسعار إلى مستويات قياسية، ما شكل ضغطا على الاقتصاد الروسي والاحتياطات الأجنبية غير مسبوق.

في أبريل الماضي توقع المركزي الروسي في ضوء تداعيات حرب الأسعار وابتعاد النفط عن سقف “42 دولارا” المحدد بميزانية البلاد، انكماش الاقتصاد هذا العام بنحو 6%، فعلى الرغم من توصل روسيا إلى اتفاق مع “أوبك” وعدولها عن سياسة حرب الأسعار إلا أن الطلب العالمي قد تضرر جراء جائحة كورونا ولن يعود إلى مستوياته السابقة قبل منتصف العام المقبل في أحسن الأحوال، كما توقع المركزي انهيار صادرات البلاد بأكثر من 40%، لتبلغ 250 مليار دولار من نحو 419 مليارا خلال 2019.

خلال الربيع تراجعت شعبية بوتين إلى أدنى مستوياتها في سنوات، بعد أن أدى انتشار فيروس كورونا إلى إغلاق البلاد وإلى ركود عميق، إلا أن الوضع تحسن في الصيف، مع استقرار الإصابات والوفيات الجديدة عند مستويات منخفضة نسبيا، ولكن يبدو أن الشتاء سيضغط على شعبية القيصر من جديد، إذ عادت روسيا لتسجيل إصابات ووفيات قياسية، فبالأمس سجلت نحو 296 حالة وفاة بالوباء، لترتفع حالات الوفاة إلى أكثر من 26 ألفا من بين إصابات تجاوزت الـ1.5 مليون.

نافالني وبيلاروس

وفي النصف الثاني من 2020 تحديدا خلال شهري أغسطس وسبتمبر، الزعيم الروسي كان على موعد مع مزيد من الصدامات مع العالم الخارجي وسط علاقة يشوبها التوتر منذ أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم بالقوة عام 2014.

ففي نهاية شهر أغسطس وعقب حادثة تسمم المعارض الروسي أليكسي نافالني بغاز الأعصاب المحرم دوليا، دعت دول أوروبية في مقدمتها ألمانيا -حيث يخضع نافالني للعلاج- إلى فرض عقوبات على موسكو في حال عدم موافقتها على فتح تحقيق شفاف وموسع لكشف الجهة المسؤولة عن تسميم نافالني، كما طالب حلف “الناتو”  روسيا -الدولة العضو فيه- بذات الأمر، إلا أن موسكو رفضت وأكدت عدم وجود أي أدلة على أن نافالني تعرّض للتسميم.

مطلع أكتوبر اتهم نافالني 44 عامًا -في أول مقابلة له بعد الحادثة-  صراحة الرئيس الروسي، وقال لـ”دير شبيغل” الألمانية: أنا أزعم أن بوتين وراء الجريمة، وليس هناك أي روايات أخرى، فكما هو معروف لا يمكن الوصول إلى مكون “نوفيتشوك” -غاز الأعصاب- السري في روسيا إلا لشخصين فقط، هما رئيس هيئة الأمن الفيدرالي أو رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية، ولكن في الحالين لا يمكن لأي منهما اتخاذ هذا القرار من دون علم وموافقة الرئيس الروسي.

منتصف أكتوبر اتفقت دول الاتحاد الأوروبي في اجتماع عُقد في لوكسمبورغ على بدء الاستعدادات اللازمة لفرض عقوبات على روسيا بتهمة تسميم نافالني.

ومع أن بوتين لم ينهِ بعد معركة نافالني مع الاتحاد الأوروبي، دخل معركة جديدة  مع المجتمع الدولي عنوانها بيلاروسيا التي تشهد منذ 9 أغسطس احتجاجات واسعة تندد بنتائج الانتخابات الرئاسية التي جاءت لصالح لوكاشنكو الحاكم منذ عام 1994.

كانت المعارضة تيخانوفسكايا أعلنت فوزها بهذه الانتخابات لكن النتائج الرسمية جاءت مغايرة، ورفضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في حين دافع بوتين عن أحد رجاله “لوكاشنكو” وهاجم ما وصفه بمحاولات للتدخل الخارجي في دولة ذات سيادة.

ربما يعجبك أيضا