انتعاشة «الجنيه».. الحياة تتدفق بشرايين الاقتصاد السوداني

عملة السودان

كتب – حسام عيد

انتعاشة غير معهودة للجنيه السوداني الذي تعصف به أوضاع اقتصادية متردية في السنوات الأخيرة، وكأنها أولى ثمار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

ويأمل السودان الخروج من أزماته الاقتصادية، واستشراف عهد جديد من التنمية المنشودة في كافة القطاعات والمجالات ومفاصل الحياة، يضمن معها حياة مستقرة وسلام لجميع أفراد المجتمع.

الجنيه يقفز 25%

وما هي إلا ساعات قليلة مضت على القرار الأمريكي، إلا وتسارع الجنيه السوداني بالتفاعل إيجابًا، حيث تحسن سعر صرفه أمام سلة العملات الأجنبية.

وقد بلغ سعر البيع للدولار في تداولات السبت الموافق 24 أكتوبر 224 جنيهًا، مقارنة بـ255 جنيها يوم الخميس 22 أكتوبر، ليسجل ارتفاعًا كبيرًا وثمينًا بنسبة 25%.

فيما سجل سعر البيع للريال السعودي 60 جنيها َوالدرهم الإماراتي 62 جنيها بينما بلغ سعر البيع لليورو 265 جنيها مقارنه بـ 290 جنيها أواخر الأسبوع الماضي.

وارجع المتعاملون تحسن قيمة الجنيه إلى الإعلان عن رفع السودان من قائمة الإرهاب إلى جانب تراجع المضاربات في العملات وانخفاض الطلب.

وتوقع المتعاملون استمرار تراجع أسعار العملات خلال الأيام المقبلة خاصة مع تحسن علاقات السودان الخارجية ما يسمح بتلقيه لدعم خارجي.

فيما توقع تجار في منطقة السوق العربي مزيدًا من الانتعاش والدعم لسعر صرف الجنيه السوداني خلال الأيام القادمة، في ظل حالة التفاؤل النسبي حيال مستقبل الاقتصاد السوداني بعد رفع العقوبات، التي كبدت الاقتصاد السوداني خسائر قدرت بأكثر من 300 مليار دولار وقيدت تدفق التحويلات الخارجية عبر الجهاز المصرفي.

وبات السوق مهيئًا للدخول في مرحلة جديدة بعد الأنباء التي تحدثت عن قرب فتح المراسلات المصرفية الخارجية بشكل كامل والإفراج عن حسابات حكومية تقدر بمئات الملايين من الدولارات في بنوك خارجية.

بارقة أمل

وقد فتحت خطوة شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بارقة أمل كبيرة أمام الاقتصاد السوداني المثقل بديون تقدر بنحو 60 مليار دولار ومعدلات تضخم بلغت 212% وتدهور مريع في كافة القطاعات الإنتاجية والخدمية والبنية التحتية وانهيار شبه كامل في القطاع المصرفي وتراجع كبير في قيمة العملة الوطنية ومعدلات فقر فوق 70% وبطالة عند 40%.

وفي حال اكتمال إجراءات رفع اسمه من قائمة الإرهاب، يمكن أن يجني السودان فوائد جمة، لعل أهمها فتح المجال أمام إعفاء جزء كبير من ديونه الخارجية والعودة للأسواق الدولية، بجانب الحصول على مساعدات ودعم مالي من المؤسسات الدولية، وما ستقدمها الحكومة الأمريكية للشركات والمستثمرين من القطاع الخاص.

وأكد الرئيس الجديد لسلطة أسواق المال السودانية أن القطاع المصرفي والمالي سيكون المستفيد الأكبر من رفع العقوبات، إذ أن الخطوة ستسمح بعودة السودان لأسواق المال وشبكة المصارف العالمية مما يسهل من جذب تحويلات المغتربين المقدرة بنحو 5 مليارات دولار سنويا إضافة إلى تيسير تدفق عائدات الصادرات التي كان معظمها لا يجد طريقه للعودة للمصارف السودانية بسبب تعقيدات الحظر، مما ينعكس إيجابا على قيمة الجنيه السوداني.

تخفيف أعباء الديون

وبدوره، قال صندوق النقد الدولي إن شطب السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب من شأنه أن يزيل إحدى العقبات التي تحول دون تخفيف محتمل للديون على الخرطوم.

وقالت كارول بيكر، رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي للسودان: “لقد تشجعنا بالإشارة الرسمية للإدارة الأمريكية إلى الكونجرس عن نيتها إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ونحن متفائلون بأن الإجراءات التشريعية اللازمة ستساهم في جعلها فعالة”.

وفي وقت سابق، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كايلي ماكناني، في بيان، إن الإخطار الرسمي للكونجرس “يأتي في أعقاب اتفاق السودان الأخير على حل بعض دعاوى ضحايا الإرهاب الأمريكيين وعائلاتهم”.

ووافق السودان على تسوية مع الناجين وعائلات ضحايا هجمات تنظيم القاعدة في 1998 على سفارتي الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا، وهجوم 2000 على المدمرة الأمريكية يو إس إس كول، ومقتل جون غرانفيل، موظف الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالخرطوم في 2008. وإبان هذه الفترة، كان زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن متواجدًا في السودان.

وحوَلت الحكومة الانتقالية في السودان 335 مليون دولار إلى “حساب ضمان لهؤلاء الضحايا وعائلاتهم”، حسب بيان للبيت الأبيض.

وتبلغ الديون الخارجية على السودان 60 مليار دولار، وتحتاج الخرطوم بشكل ملح مساعدة مالية لإعادة تنظيم الاقتصاد.

وبلغ التضخم 212% في أغسطس الماضي، فيما هبط الجنيه السوداني مع طبع الحكومة أموالًا لدعم الخبز والوقود والكهرباء.

وأقر صندوق النقد الدولي الشهر الماضي خططا لمراقبة برنامج إصلاحات اقتصادية مدته 12 شهرا تنفذه الحكومة الانتقالية الجديدة في السودان، مع سعيها لاكتساب ثقة دولية وتحركها نحو تخفيف عبء الديون في نهاية المطاف.

وما زالت الديون الخارجية المرتفعة والمتأخرات المستحقة على السودان منذ فترة طويلة، تحد من إمكانية حصوله على قروض خارجية، علما أن الخرطوم تدين لصندوق النقد الدولي بـ1.3 مليار دولار.

الحاجة ملحة للإصلاحات

رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية، للدول الراعية للإرهاب لن يكون بمثابة الحل السحري، لمشكلات الاقتصاد السوداني، رغم الفوائد التي سيأتي بها، فتدفق القروض والمساعدات، لا يمثل حلًا لمشكلات الاقتصاد المتراكمة، والأولوية للحكومة السودانية، في ظل هذا التطور في الوقت الراهن، هي إصلاح الهياكل الاقتصادية المتداعية للبلاد وتقديم خطط دقيقة للنهوض الاقتصادي.

ويعد أيضًا مكافحة الفساد المتجذرر عبر سنوات إبان حقبة النظام البائد، أولوية مهمة للحكومة.

قد تكون الإصلاحات صعبة في بدايتها، لكن لا بديل عنها للخروج من منحنى الأزمات الهابط والمتداعي وتدارك الفجوة التمويلية اللازمة لإحداث نهضة تنموية واسعة، ومن ثم تحسن المستويات المعيشية، وإيجاد حلول ناجعة لأزمات الخبز والطاقة.

وهناك العديد من الخطوات التي سيتخذها السودان إثر القرار الأمريكي حتى يعود عضواً فاعلاً في المجتمع الدولي، لعل أهمها؛ إصلاح قطاع البنية التحتية، وصياغة قوانين جديدة للاستثمار، وكذلك العمل على برنامج إصلاحي مع صندوق النقد الدولي.

وختامًا، رفع اسم السودان سيعزز من إمكانية اندماجه في المجتمع الدولي والوصول إلى الاقتصاد العالمي.

ربما يعجبك أيضا