كورونا ومستقبل أسواق العمل.. الغلبة لـ«الأتمتة»

كتب – حسام عيد

يبدو أن جائحة كورونا ستعيد تشكيل ملامح الاقتصاد العالمي، بالفعل، ففي ظل استمرارها، وبقاء مصيرها مجهولًا، بدأت أسواق العمل العالمية تعيد تموضعها وآلياتها ومتغيراتها، حيث باتت الغلبة في إدارة الكثير من الوظائف لـ”الأتمتة”؛ وفق ما أفاد المنتدى الاقتصادي العالمي.

تشير توقعات تقرير مستقبل العمل للعام 2020 الذي نشره المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أنه بحلول العام 2025 ستُفقد 85 مليون وظيفة نتيجة الأتمتة، حيث ستستولي الآلات على العديد من الوظائف التي يقوم بها البشر حاليًا.

في المقابل، من المتوقع أن تظهر 97 مليون وظيفة جديدة من الأكثر تكيفاً مع توزيع الأعمال الجديد بين البشر والآلات عبر 15 صناعة و26 اقتصادًا شملها التقرير.

الأتمتة وتعطيل 85 مليون وظيفة

وقد خلص تقرير مسـتقبل الوظائف 2020 إلى أن جائحة كوفید-19ـ تسببت في تغيير سوق العمل بشكل أسرع من المتوقع، ويرى بأن الأتمتة، والتقسيم الجديد للعمل ما بين البشر والآلات سيؤديان إلى تعطيل 85 مليون وظيفة على مستوى العالم بحلول عام 2025، وذلك في مجال الأعمال التجارية المتوسطة والكبيرة عبر 15 صناعة و26 اقتصادًا.

ويطلع التقرير على استطلاع مستقبل الوظائف، ويستند إلى توقعات كبار رجال الأعمال (عـادة رؤسـاء الـموارد البشـريـة وكبار مسؤولي الاستراتيجية) الذين يمثلون حوالي 300 شركة عالمية، يعمل فيھا مجتمعة 8 ملايين شخص.

ويتضح من التقرير أن الـطلب على الوظائف في مجالات مثل إدخال البيانات والمحاسبة والدعـم الإداري يتناقـص، فيما يتزايد الطلب على الأتمتة والرقمنن في مكان العمل. هذا ويعمل أكثر من 80% من رجل الأعمال حول العالم، ممن شملهم استطلاع التقرير، على تسريع خطط رقمنة العمليات في مجالهم وعلى تطبيق تقنيات جديدة، ويتوقع 50% من أصحاب العمل تسريع أتمتة بعض الأدوار في شركاتهم، أي أن خلق الوظائف الجديدة سيشهد تباطؤًا، بينما سيشهد تدمير الوظائف تسارعًا، الأمر الذي يعتبر معاكسًا لما رأيناه في سنوات سابقة.

وحسب سعدية زهيدي، المدير الإداري للمنتدى الاقتصادي العالم، «سرّعت جائحة كورونا وصول مستقبل العمل.. وقد أدى تسريع الأتمتة والتداعيات الناجمة عن الركود التابع للجائحة إلى تعميق التفاوتات الحالية عبر أسواق العمل وعكس المكاسب الوظيفية إلي تحققت منذ الأزمة المالية العالمية في 2007-2008».

وأضافت: «إنه سيناريو لاضطراب مزدوج يشكل عقبة جديدة للعاملين في هذا الوقت الصعب. إن فرصة العمل على إيجاد حلول، والإدارة الاستباقية لهذا التغيير تتقلص يوميًا، ولا بد للشركات والحكومات والعاملين من التخطيط للعمل معًا بشكل عاجل لتنفيذ رؤية جديدة للقوى العاملة العالمية».

وترى سعدية أنه بعد الخروج من الأزمة، أمام القيادات فرصة رائعة لخلق وظائف جديدة ودعم الأجور لتكفل الحد الأدنى للمعيشة.

ويجب على القيادات دراسة إعادة تصور شبكات الأمان الاجتماعي للتصدي على نحو مناسب للتحديات في أسواق العمل مستقبلًا.

وتشير نتائج الاستطلاع التابع للتقرير بأن حوالي 43% من الشركات عازمة على تقليص قوتها العاملة بسبب التكامل التكنولوجي، وأن 41% منها تخطط لتوسيع نطاق استخدامها للمقاولين والاستشاريين في الأعمال المتخصصة، بينما تخطط 34% فقط من الشركات التي شملها الاستطلاع توسيع قوتها العاملة بسبب التكامل التكنولوجي.

ويتضح من التقرير بأنه بحلول عام 2025 سيقسم أصحاب العمل الوظائف بين الإنسان والآلات بالتساوي، وسيزداد الطلب على الوظائف التي تعزز المهارات البشرية، فيما ستركز الآلات بشكل أساسي على معالجة المعلومات والبيانات والقيام بالمهام الإدارية والوظائف اليدوية البسيطة للموظفين والعاملين (ذوي الياقات البيضاء والزرقاء).

إعادة صقل المهارات

ومع تطور الاقتصاد وأسواق العمل ستظهر 97 مليون وظيفة جديدة في مجالات اقتصاد الرعاية وتكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة مثل الذكاء الاصطناعي، وإنشاء المحتوى. وسيحتفظ الأفراد بدورهم في المهام التي تتطلب ميزات بشرية مثل الإدارة، وتقديم المشورة، واتخاذ القرار، والاستدلال، والتواصل، والتفاعل. كما وسيكون هناك زيادة في الطلب على العاملين في مجال الاقتصاد الأخضر، وفي مجال اقتصاد البيانات والذكاء الاصطناعي، فضلًا عن الأدوار الجديدة في الهندسة والحوسبة السحابية وتطوير المنتجات. ومن المتوقع أن يبقى العاملين في هذا المجال في مناصبهم خلال السنوات الخمس المقبلة، مع العلم بأن حوالي 50% منهم سيحتاج إلى إعادة صقل لمهاراته الأساسية.

وعلى الرغم من الانكماش الاقتصادي الحالي، يدرك معظم أرباب العمل قيمة إعادة بناء مهارات قواهم العاملة، ويتوقع 60% من أصحاب العمل الذين شملهم الاستطلاع الحصول على عائد على الاستثمار في صقل مهارات الموظفين الحاليين وإعادة تأهيلهم في غضون عام واحد، كما ويتوقعون إعادة توزيع 46% من العمال داخل مؤسستهم بنجاح.

وتقول زهيدي: «في المستقبل، سنرى أن أكثر الشركات التنافسية هي تلك التي استثمرت بكثافة في رأس مالها البشري، وصقل مهارات موظفيها وزيادة كفاءاتهم».

وظائف سيزيد الطلب عليها

وينظر التقرير إلى الوظائف التي تنمو بشكل متزايد والتي سيزداد الطلب عليها في العام 2025، حيث يظهر أن المناصب القيادية المتزايد الطلب عليها تتمثل في وظائف تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي وهندسة الروبوتات، بالإضافة إلى بعض الوظائف الجديدة في مجال أتمتة العمليات وأمن المعلومات وإنترنت الأشياء.

وتقول كارين كیمبرو، كبيرة الاقتصاديين فـي مؤسسة «لینكد إن»: «في الوقـت الذي نعيد فيه التفكير في طرق صقل مهارات أو نقل أعداد كبيرة من القوى العاملة، الذين أصبحوا عاطلين عن العمل نتيجة لتوابع الجائحة، إلى وظائـف جـديدة وأكثر ثباتًا فـي المستقبل، فإن المعلومات الجديدة حول التحولات المھنية والمهارات المطلوبـة للمضي بهذه الخطوات يعد ذو أھمية ھائلة للقادة في القطاعين العام والخاص على حٍد سواء».

وتضيف كیمبرو: «یكشف بحثنا أن غالـبیة التحولات إلى الوظائف المستقبلية تأتي من وظائـف تقلیدیة، مما یثبت أن الحصول على ھذا النوع من الوظائف أسھل بكثیر مما یعتقد البعض. وإذا ما تمكنا من مساعدة الأفراد والقادة الذیـن یوجھون تمویل القوى العاملة والاسـتثمار، على تحدیـد مجـموعـة الـمهارات ذات التأثیر الأكبر على إنـشاء مسارات وظـیفیة أكـثر استدامة، فیمكننا إحداث فرق حقیقي في معالجة المستویات غیر المسبوقة من البطالة التي نشھدھا على مستوى العالم».

وظائف سيقل الطلب عليها

أما الأدوار التي يعتقد أن الحاجة إليها ستخف، فتتمثل في مناصب إدخال البيانات والوظائف السكرتارية والإدارية والمحاسبة وأعمال كتابة الرواتب.

ويتوازن هذا التغير في شكل الوظائف مع ظهور وظائف جديدة خلال السنوات المقبلة لتغطي مجالات متعددة.

ربما يعجبك أيضا