محادثات السلام الأفغانية.. تعثر جديد على وقع هجمات طالبان

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

في الوقت الذي كان فيه المبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان زلماي خليل زاد متوجها إلى الدوحة، استعدادا لجولة جديدة من محادثات السلام الأفغانية، أعلنت كابول عن عودة أربعة أعضاء من فريق التفاوض الحكومي إلى البلاد لـ”أسباب شخصية”، ما أدى إلى تجميد مسار المحادثات، وفتح باب التأويلات على مصرعيه.

وكالة “خاما برس” الأفغانية، قالت أمس: إثر عودة أربعة من أعضاء الفريق الحكومي، تم تجميد المحادثات مع طالبان، لافتة إلى أنه  منذ 12 سبتمبر الماضي، لم تتمكن فرق التفاوض من الاتفاق على القواعد الأساسية التي ستؤدي إلى المفاوضات الرئيسية حول السلام والاستقرار في أفغانستان.

يشكك مراقبون في مستقبل هذه المحادثات لأسباب أهمها عدم اتفاق الحكومة وطالبان على القواعد الإجرائية وتحديدا ما يتعلق بالأساس الديني للدولة وآلية تنفيذ الاتفاق الموقع في فبراير الماضي بين واشنطن والحركة والذي ينص على انسحاب القوات الأمريكية من البلاد بالكامل مقابل تعهدات أمنية من “طالبان”.

ماذا يحدث في أفغانستان؟

منذ أن عادت محادثات السلام الأفغانية إلى مسارها في الـ12 من سبتمبر الماضي، كثفت حركة طالبان من هجماتها في كافة أنحاء البلاد، وهو ما أغضب الحكومة الأفغانية والحلفاء الدوليين، ويبدو أن الرئيس أشرف غني قرر أن يحمل الحركة مسؤولية إجهاض مساعي السلام فاتخذ قرارا بتجميد المحادثات إلى أجل غير مسمى، بحجة عودة أعضاء من الفريق الحكومي إلى البلاد.

هناك ثلاث قوى على الأرض في أفغانستان، القوات الأمريكية والقوات الحكومية وطالبان، كل طرف في هذه الأطراف يسعى لتحقيق أهداف مختلفة عن الأخر، وكان يفترض أن تكون محادثات السلام التي جرى استئنافها في سبتمبر بعد شهور من التعثر بمثابة نقطة التقاء لهم جميعا، للوصول إلى اتفاق سلام ينهي وجود القوات الأمريكية في البلاد، لكن يبدو أن الأمور لم تكن بهذه البساطة.

خلال الأسابيع الأخيرة تصاعدت وتيرة الاشتباكات بين مقاتلي الحركة والقوات الحكومية في أنحاء البلاد، وكل طرف يحمل الأخر مسؤولية هذا التصعيد، وذلك بالتزامن مع وجود وفدي الحركة والحكومة في الدوحة لمواصلة المحادثات أملا في تذليل نقاط الخلاف الرئاسية.

القوات الأمريكية من جانبها تدخلت لدعم القوات الحكومية، وقامت بشن هجمات عدة على مواقع للحركة، كان أخرها منذ يومين عندما قتلت خمسة من عناصر طالبان في غارة شنتها في إقليم “وردك” وسط البلاد، وأكد الكولونيل سوني ليجيت المتحدث باسم القوات الأمريكية في أفغانستان أن الغارة لا تتعارض مع اتفاق الانسحاب الذي أبرمته واشنطن والحركة في فبراير، وأنها جاءت للدفاع عن جنود تابعين للحكومة.

طالبان اعتبرت هذا الكلام غير صحيح، مؤكدة على لسان ذبيح الله مجاهد، أن الضربة تشكل خرقا لبنود الاتفاق، وأنه لم يكن هناك قتال دائر في الإقليم وقت شنها.

 كما اتهمت الحركة واشنطن بشن ضربات على إقليم هلمند جنوب أفغانستان، بالتزامن مع بدء المقاتلين عملية كبيرة لانتزاع السيطرة على عاصمة الإقليم. إلا أن  القوات الأمريكية نفت الأمر.

لكن الحركة هي الأخرى لم توقف القتال، فقامت هذا الشهر بتنفيذ أكثر من عملية لاستهداف رجال الأمن، كان أخرها الأسبوع الماضي عندما هاجمت قاعدة للجيش جنوب البلاد وقتلت 20 جنديا على الأقل، وقبلها بأيام قامت بتفجير سيارة مفخخة في مقر للشرطة في ولاية غور، ما أسفر عن مقتل 16 شخصاً وإصابة  نحو 154 بجروح، كما قامت الحركة بنصب كمين لجنود في ولاية تخار وقتلت نحو 34 من القوات الحكومية.  

وفي ولاية هلمند أجبر هجوم كبير للحركة منتصف هذا الشهر، آلاف العائلات على الفرار من بيوتها.

وعلى الرغم من أن الحركة لم تعلن رسميا عن مسؤوليتها عن غالبية هذه الهجمات، إلا أن القوات الحكومة أكدت أنها هي الجهة المنفذة، وفي 21 أكتوبر حملت الرئاسة الأفغانية طالبان مسؤولية تعثر جهود السلام، وقالت في بيان: إن استمرار العنف والهجمات التي تشنها طالبان يشكل تحديا خطيرا لجهود السلام التي تبذلها الحكومة وشركاؤها الدوليون.

خلال النصف الأول من العام الجاري، ووفقا لبعثة الأمم المتحدة قُتل أكثر من 1280 مدنيًّا أفغانيًّا، نتيجة استمرار العنف والقتال بين عناصر طالبان والقوات الحكومية، وحركة طالبان وحدها مسؤولة عن نحو نصف هؤلاء الضحايا، والقوات الحكومية مسؤولة عن الربع تقريبًا.

محادثات السير على حد السكين

كانت عودة محادثات السلام بين الطرفين إلى مسارها في سبتمبر الماضي، خطوة اعتبرها المجتمع الدولي بمثابة فرصة تاريخية لعودة الاستقرار والسلام إلى أفغانستان، بعد عقود من الحرب التي اندلعت شرارتها عقب سقوط نظام حكم “طالبان”، وعلى وجه التحديد كانت شرارتها الأولى في هجمات 11 سبتمبر، وما أعقبها من قرار أمريكي بالانتقام من القاعدة وكل من يأوي عناصرها وطالبان وقتها كانت على رأس القائمة، لذا كان من الضروري أن تشن الغارات الأمريكية على أفغانستان وتغرق البلاد في حرب طاحنة بين الحركة التي أصبحت متمردة بعد أن حكمت خلال الفترة “1998 – 2001” وبين القوات الحكومية التي لا تعترف طالبان بشرعيتها.

والمحادثات التي انطلقت بعد تنفيذ صفقة تاريخية لتبادل الأسرى بين الطرفين – شملت الإفراج عن 5 آلاف سجين من طالبان مقابل ألف أسير من القوات الأفغانية- كانت شائكة لدرجة لا تبشر بالخير منذ الدقائق الأولى لافتتاح جلستها الأولى، فخلال كلمته الافتتاحية أكد رئيس المكتب السياسي لـ”طالبان” عبدالغني برادر في أكثر من موضع على ضرورة أن تكون أفغانستان بلدا بنظام إسلامي، دون أن يكشف عن جوهر ما يقصده  بالنظام الإسلامي، وهذا بالطبع يصطدم بمعارضة الرئيس أشرف غني الذي يرفض الاعتراف بالحركة ويريد أن يرسخ لنظام جمهوري دستوري.

لم يكن النظام الإسلامي هو نقطة الخلاف الوحيدة التي لم يتم تحييدها على طاولة المحادثات، فكان هناك اتفاق الانسحاب الأمريكي من البلاد، الذي يعتبره كثيرون بما فيهم الحكومة الأفغانية، خرج إلى النور بالتزامات مطاطية من جانب الحركة بشأن ضمان الأمن والحريات العامة وحقوق المرأة، يمكن بسهولة التراجع عنها بمجرد أن تضمن الحركة الانسحاب الأمريكي من البلاد، لا سيما مع عودتها إلى طاولة المفاوضات كلاعب سياسي معترف به على الرغم من أنها ما زالت تمتلك السلاح ويمكنها تفجير البلاد في أي وقت.

وفي حال عادت هذه المحادثات – ربما بعد أن تتضح الصورة في أمريكا بحسم الصراع بين ترامب وبادين ومعرفة الفائز بالاستحقاق الرئاسي- فأقصى ما يمكن أن تنتجه هو تهدئة سياسية بين الطرفين ربما أطول من ثلاث هدنات سابقة شهدتها البلاد منذ 2001، لكن اتفاق السلام الشامل يبدو أمرا بعيدا في ظل استمرار عدم اعتراف الحكومة بـ”طالبان” وإن أظهرت عكس ذلك، وكذلك استمرار عدم اعتراف الحركة بشرعية النظام الحالي، وبالنسبة للشارع الأفغاني فهناك غضب حيال الطرفين فأشرف غني فاز بولاية ثانية إثر انتخابات مثيرة للجدل وأزمة سياسية انتهت باتفاق لتقاسم السلطة مع خصمه عبدالله عبدالله، وحركة طالبان الغالبية تتخوف من عودتها للمشهد السياسي والجميع ذاق مرارة سنوات الحرب التي كانت طرفا وسببا رئيسيا فيها.

ربما يعجبك أيضا