هذا محمدنا

نرمين توفيق

بقلم – نرمين توفيق

يخرج من مكة باحثًا عن مكان آخر ينشر فيه دعوته بعد أن صُدت قلوب كفارها عن نور الحق… خرج وهو يحمل حزنًا يدمي قلبه بعد وفاة زوجته وحبيبته ومؤيدته خديجة رضي الله عنها وعمه أبوطالب… يتوجه إلى الطائف وهو مسن يتجاوز الخمسين من عمره… يقطع صحارى مكة المقفرة بمفرده ويتجشم صعاب الطريق لا لشيء إلا لهداية البشر لنور الله… أخيرا وبعد رحلة شاقة يصل إلى الطائف ينادي ويقول “هلموا إليّ يا قوم … هلموا إلى النور… أقدموا إلى عبادة الله الواحد الأحد وخلصوا نفسكم من قيود العبودية لأصنام لا تنفع ولا تضر”…

إلا أن مسلسل الإيذاء لم يتوقف والقلوب التي فاقت قسوتها الحجارة تأبى أن تستجيب… يرفضونه ويهينونه.. بل يسلطون عليه غلمانهم ليضربوا خير البشر بالحجارة إلى أن تدمى قدم الحبيب… يرتكن إلى سور حديقة ويتوجه إلى ربه القوي ويقول دعاءه الشهير “اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي….”، يعلنها صراحة لله أنه برغم كل الصعاب لكنه ماض في دعوته وسيتحمل هذا العناد والإدبار…

يتزلزل الكون وينزل له في الحال أمين الوحي جبريل ومعه ملك الجبال ويقول له “يا محمد إن شئت أطبق عليهم الأخشبين”… دعونا نفكر ولو لحظة واحدة .. لو أن أي شخص آخر مكانه بماذا كان سيرد؟؟؟!… لا تترك لخيالك العنان فمن رحمة الله علينا أنه هو وليس غيره كان في هذا الموقف… قال ليؤكد للبشرية حتى قيام الساعة أنه رحمة الله للعالمين.. يقول هذا الرؤوف الرحيم الحريص على أمته لملك الجبال: “بل أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا “……

يقشعر البدن ويخفق القلب مع تذكر هذا المشهد الذي يسطر جزء بسيط من سيرة أعظم من مشى على الأرض… مجرد موقف واحد من مئات المواقف التي تعكس سمو هذا النبي العظيم … هذا هو محمدنا … هذا هو حبيبنا … هذا هو منقذنا الذي أهانوه في حياته وها هم الآن يكررون نفس الأمر… لكن ماذا لو عرفوا حقيقته؟!

أيها المسلمون انتفضتم عن بكرة أبيكم للتعبير عن غضبكم من الإساءة لنبيكم… قلتم “فداك أبي وأمي ونفسي يا رسول الله”… لكن ليسأل كل واحد منا نفسه هذه الأسئلة.. أين أنا من سيرة الحبيب؟… هل قرأت سيرته كاملة؟ وهل وعيتها بحق وطبقتها في حياتي؟؟… هل علمت سيرته لأطفالي وإخوتي الصغار؟؟ هل كنت مثالا للمسلم الناجح فيما أفعله لأعكس انتمائي له؟! ألا نرى أننا مسؤولون عن نظرتهم له بسبب تراجع أوضاع العالم العربي والإسلامي؟؟

إن كنت تقصر في استذكار دروسك أو كنت تهمل في عملك فتأكد أنك جزءا من تكوين هذه الصورة المغلوطة عن حبيبنا.

وأنتم أيها الحكام والمسؤولون العرب والمسلمون… أين دوركم من نصرة الحبيب وتعريف الآخرين به؟ لماذا تنفقون ملايين الدولارات من أموالكم في قنوات إعلامية غير هادفة على الإطلاق وتتناسون الوصول إلى المواطن الغربي بوسيلة إعلامية قوية تصل إليه من خلال لغة يفهمها ليعلم حقيقة نبي الرحمة بدلا من ترك جماعات الدم تشوه حقيقته؟؟.

مهما آذوك يا رسول الله فستظل أعظم قائد للبشرية … ورد الله عليهم موجود في كتابه إلى يوم الساعة.. قال تعالى في سورة التوبة “لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (128)”، وقال في سورة الحجر “إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ(95)” ، وفي سورة الأنبياء “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ(107)”، وفي سورة القلم “وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ(4) “.

علينا استغلال مثل هذه الأزمات إيجابيًا وليس سلبيًا… عرّفوا الدنيا بنبيكم الكريم.. طبقوا تعاليمه… استنوا بسنته… وكما قال الداعية الشقيري: اغضبوا لرسولكم ولكن بأخلاق رسولكم.

ربما يعجبك أيضا