اتفاق تاريخي يعيد الحصانة السيادية للسودان.. نجاح دبلوماسي أم مكر أمريكي

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

وقعت الخرطوم وواشنطن اتفاقًا تاريخيًا لتسوية ملفات الماضي، والتي تقضي بإسقاط الأحكام الصادرة بحق السودان ورفع اسمه من قائمة الإرهاب، مقابل تسديده مبلغ 335 مليون دولار كضمان مشترك لحين إيفاء واشنطن بالتزاماتها. اتفاقية سيجني من خلالها السودان مكاسب جمة على المستوي الاقتصادي، في وقت يربط فيه البعض مدى نجاح الاتفاقية بالتطبيع مع إسرائيل وهو ما ينفيه قادة السودان متكئين على نجاحهم الدبلوماسي في إنجاح الصفقة.

اتفاقية التسوية

ضمن تسوية ملفات الماضي، وقعت الولايات المتحدة والسودان مساء الجمعة اتفاقاً تاريخياً لتسوية القضايا المرفوعة ضد الخرطوم في المحاكم الأمريكية، والتي تشمل تفجير السفارتين في نيروبي ودار السلام.

وأوضحت العدل السودانية أنه “سيتم وفقاً لهذه الاتفاقية إسقاط الأحكام القضائية الصادرة بحق السودان والبالغة أكثر من عشرة مليارات دولار، لتعويض الضحايا في هذه القضايا، كما سيتم منع رفع دعاوى مستقبلية ضد السودان وتأكيد حصانته السيادية، وبذلك يكون وضعه القانوني مثل كل الدول التي لا تندرج في قائمة الدول الراعية للإرهاب”.

ومن شأن هذه الاتفاقية أنها ستفتح الأبواب مشرعة لعلاقات طبيعية كاملة بين السودان والولايات المتحدة وتحررها من ربقة الماضي المتعلق بفترة وجود السودان في قائمة الإرهاب.

وبموجب هذه الاتفاقية وافق السودان على تسديد مبلغ 335 مليون دولار توضع في حساب ضمان مشترك إلى حين قيام الولايات المتحدة من جانبها باستيفاء التزاماتها الخاصة بإكمال إجراءات حصول السودان على حصانته السيادية بعد خروجه من قائمة الدول الراعية للإرهاب

تأتي هذه الاتفاقية تتويجاً للمفاوضات المطولة التي جرت بين السودان والولايات المتحدة لأكثر من عام، حيث تعد هذه الاتفاقية الأساس الذي استند إليه قرار الرئيس دونالد ترمب في إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

مكاسب السودان

بموجب القانون الأمريكي، ستتم إعادة الحصانات السيادية للسودان والتي تتمتع بها الدول التي لم تصنفها الولايات المتحدة على أنها دولة راعية للإرهاب.

ويأتي الاتفاق بعد قرار الرئيس دونالد ترامب الأخير بشطب السودان من القائمة كدولة راعية للإرهاب، وهو خطوة تاريخية أخرى في تطبيع العلاقات بين السودان والولايات المتحدة.

من جانبه، صرح وزير العدل نصر الدين عبدالباري عند توقيع الاتفاق: “إن الحكومة الانتقالية تأسف بشدة لأن السودان وشعبه يجب أن يدفعوا مبلغًا كبيرًا من المال لتسوية الأحكام والمطالبات بالتقصير ضد النظام السابق. لكن اتفاق اليوم يسمح للسودان وشعبه بحل المسؤوليات التاريخية، واستعادة العلاقات الطبيعية مع الولايات المتحدة، والمضي قدمًا نحو الديمقراطية والتعاون الاقتصادي. اتفاق اليوم هو استثمار في مستقبل زاهر للسودان وشعبه.”

وذكرت الوزارة في بيان أن الاتفاق سيؤدي إلى تسوية القضايا المرفوعة ضد السودان في المحاكم الأمريكية ومنها تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، مشيرة إلى أن حكومة الخرطوم وافقت على دفع 335 مليون دولار للضحايا، بالإضافة إلى حوالي 72 مليون دولار تم دفعها بالفعل ، لتوزيعها على ضحايا الإرهاب.

ويتوقع مركز الدراسات السودانية أن هذه الخطوة يمكن “أن تفك بعضًا من الضوائق الاقتصادية والدبلوماسية التي واجهت حكومة الثورة، ولا تزال”.

وهنا يأمل التجار السودانيون ومن ورائهم المواطنون في انخفاض أسعار المواد الاستهلاكية خاصة المرتبطة بالدولار بعد رفع الخرطوم عن قائمة الدول الراعية للإرهاب الأمر الذي يفتح فرص التصدير والاستيراد وينعكس إيجابا على الأسعار.

غير أن السودانيين يتخوفون من تحديات تجعل استفادة بلادهم من القرار الذي طال انتظارهم له، محدودة، لا سيما في ظل أزمات اقتصادية خانقة تواجهها البلاد.

إسرائيل وقائمة الإرهاب

وتفاءل عدد من الكتاب والصحف بهذه الخطوة باعتبارها “نجاحًا دبلوماسيًا” يُحسب لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك وحكومته الانتقالية، واعتبارها أيضًا تمهيدًا لعودة السودان للمجتمع الدولي وإنعاش اقتصاده المتأزم.

واعتبر آخرون أن الثمن لرفع اسم السودان من “القائمة السوداء” الأمريكية هو التطبيع مع دولة إسرائيل، وأنه إذا كان ترامب صادقا فثمة مطالب عليه أن يؤديها للسودان، وإلا اعتُبر ذلك “مكرًا” من ساسة أمريكا فشلت الحكومة السودانية في فهمه.

في المقابل، نفى دقلو وجود علاقة بين شطب السودان من قائمة الإرهاب والاتفاق مع إسرائيل، مضيفاً أن الإعلانين تزامنا فقط.

يذكر أن الخرطوم أعلنت “إنهاء حالة العداء بينها وبين إسرائيل”، وفق ما جاء في بيان ثلاثي صادر عن السودان والولايات المتحدة وإسرائيل نقله التلفزيون الرسمي السوداني، وأثار هذا القرار جدلاً في البلاد، بعد أن عارضته بعض القوى السياسية.

جريدة الانتباهة السودانية، نقلت تصريحات للدبلوماسي الأمريكي السابق كاميرون هدسون مفادها أن “ترامب بعد استلام المبلغ الذي حوله له حمدوك لن يخاطب الكونجرس لمناقشة مشروع إزالة اسم السودان من لائحة الإرهاب ما لم يطبّع السودان مع إسرائيل، ثم بعد ذلك سيتم مناقشة الأمر في الكونجرس فى غضون شهر ونصف”.

وبحسب ما جاء في الصحيفة، فإذا كان ترامب صادقا في وعده، فعلى حمدوك -بعد أن حوّل المبلغ المطلوب- أن يطلب من الرئيس الأمريكي مخاطبة الكونجرس لتحويل مليار دولار “بأمر طوارئ لحل أزمات الخبز والمحروقات والدواء في السودان”، إضافة إلى مساعدات أخرى لمتضرري الفيضانات، وأن يطلب من ترامب “أمصالا وتقنيات لتحسين صادر اللحوم المذبوحة والخراف الحية فورا”، وأن يقوم ترامب “بفك الحظر عن مبلغ ملياري دولار كانت قد اعتمدتها الأمم المتحدة للسودان لمقاومة جائحة كورونا”.

هذا ما يفترض أن يحدث، إلا إذا قدم حمدوك استقالته واعترف بأن ترامب خدعه تاركا الفرصة لرجل آخر يفهم مكر ساسة أمريكا أكثر، في وقت تلتزم فيه الحكومة الانتقالية في السودان بالوصفة الأمريكية بحذافيرها للتخلص من لوثة الإرهاب والعودة إلى ‘المجتمع الدولي.

ربما يعجبك أيضا