الصحة والاقتصاد.. أوروبا بين شقي الرحى

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

حالة من القلق تسود أوروبا، فبعد أسابيع من عودة أعداد حالات الإصابة بفيروس كورونا للارتفاع في جميع أنحاء القارة، سارع قادة مختلف الدول إلى إعادة النظر في السياسات الحالية لمواجهة الفيروس، حيث تتوقع منظمة الصحة العالمية أن مسألة التحقق من لقاح واحد أو أكثر والموافقة على الصلاحية للاستخدام قد تستغرق حتى منتصف العام المقبل.

إغلاق عام

أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أمس السبت، أن البلاد ستدخل إغلاقًا عامًا اعتبارا من يوم الخميس المقبل في إطار الجهود المبذولة للحد من زيادة حالات الإصابة بفيروس كورونا.

وسيتم إغلاق المتاجر التي تعتبر غير أساسية، بالإضافة إلى أماكن الترفيه والتسلية، حتى شهر ديسمبر، وكذلك الحانات والمطاعم، التي لا يمكنها تقديم سوى خدمات الوجبات السريعة والتوصيل.وستبقى المدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى مفتوحة.

كما أعلن رئيس الوزراء الإيطالي «جوزيبي كونتي» مؤخرًا عن إجراءات أكثر صرامة لمكافحة تفشي فيروس كورونا. وقال: “لا يمكننا إضاعة الوقت: فنحن بحاجة إلى التحرك من خلال تطبيق كل الإجراءات الضرورية لمنع فرض إغلاق عام”.

وفي الأسبوع الماضي اتفقت الحكومة الفيدرالية الألمانية والولايات على إجراءات أكثر صرامة منذ الربيع الماضي، حيث من المقرر إغلاق المطاعم ودور السينما والمسارح طوال الشهر الحالي اعتبارا من غد الإثنين. وخلال هذه الفترة يتم السماح بلقاءات خاصة بين الأشخاص في إطار أعداد قليلة فحسب. ومن المقرر أن تظل تجارة التجزئة مفتوحة.

وشهدت الدول الأوروبية، بما في ذلك الدول السوفيتية السابقة الواقعة في آسيا الوسطى، ارتفاع عدد حالات الإصابة بمرض كوفيد -19 إلى أكثر من 8 ملايين حالة اجمالا في الأيام السبعة الماضية، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

الأعداد في تزايد

602x338 cmsv2 428dd07f dad6 5367 b6ae 0917ee79711b 4661950

سجل عدد حالات العلاج داخل المستشفيات المرتبطة بفيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» رقما قياسيا في 14 دولة أوروبية على الأقل هذا الأسبوع، مع بدء موجة التفشي الثانية، والبلدان الأكثر تضررًا هي الجمهورية التشيكية، حيث بلغت حالات العلاج 62 لكل 100 ألف نسمة، تليها رومانيا بـ57 وبلجيكا بـ51 وبولندا بـ39.

وتستند هذه الأرقام إلى المعلومات، التي تزودها المستشفيات في 35 من 52 دولة أوروبية، بينها معظم الدول المنضوية في الاتحاد الأوروبي.

وبالإجمال يخضع للعلاج في المستشفيات 135 ألف مصاب بالفيروس في 35 دولة أوروبية، مقارنة بأقل من 100 ألف قبل أسبوع.

والبلدان التي سجلت أكبر زيادة هي صربيا، حيث ارتفع عدد مرضى كوفيد-19 في المستشفيات بنسبة 97 بالمئة، وبلجيكا بنسبة 81%، والنمسا 69 %، وإيطاليا 65%.

والدولة الوحيدة التي شهدت انخفاضا في عدد الخاضعين للعلاج هي الجبل الأسود، بعد ارتفاع سابق.

عزل عام

يقول كبير أطباء إنجلترا، «كريس ويتي»، إن جهاز الخدمة الصحية في إنجلترا كان سيواجه مشكلة غير عادية في ديسمبر مع وفاة أعداد كبيرة جراء مرض كوفيد-19 إذا لم يتم فرض العزل العام الجديد الذي تم الإعلان عنه، السبت.

وقال في مؤتمر صحفي: «أعتقد أنه إذا لم نتحرك الآن، فإن احتمالات تعرض جهاز الخدمة الصحية لمشكلات غير عادية في ديسمبر ستكون مرتفعة للغاية».

وتابع: «لذا فإن هذا الإجراء يحاول إلى حد ما التأكد من أن جهاز الخدمة الصحية لن يواجه في شهر ديسمبر وضعا مستحيلًا مع وجود أعداد كبيرة من المصابين ووفاة أعداد كبيرة».

تقول «آنا أودوني»: «متخصصة إيطالية في مجال الصحة العامة ، تلك الإجراءات المرنة وإدارتها تعتبر أكثر صعوبة من فرض إغلاق عام».

وأضافت الأستاذة بجامعة بافيا، إنه بدلاً من إغلاق بلد بأكمله لفترة من الوقت، يتعين على صانعي السياسات الآن تحديد القطاعات التي يجب فرض قيود صارمة عليها لمنع تفشي العدوى، وكذا تحديد مدة سريان هذه القيود.

وتابعت أودوني: «كل واحد منا عليه دور نشط لحماية أنفسنا والمجتمع عموما»، مشيرة إلى تنظيف الأيدي وارتداء الكمامات والحفاظ على التباعد الجسدي».

ومن وجهة أخرى صرح رئيس إدارة عمليات الطوارئ بمنظمة الصحة العالمية «مايك رايان»، في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي في جنيف: «إنه على النقيض من أوروبا، شهدت العديد من الدول الآسيوية أعدادا أقل بكثير من الإصابات».

وسوف يتعين على أوروبا أيضا مواصلة العمل، حيث تتوقع منظمة الصحة العالمية أن مسألة التحقق من لقاح واحد أو أكثر والموافقة على الصلاحية للاستخدام قد تستغرق حتى منتصف العام المقبل.

تأثير سلبي

يقول الخبير الاقتصادي البلجيكي «أندريه سابير»: «إن الحكومات يمكن أن تصل إلى نقطة تسأل نفسها فيها ما هي القطاعات التي تستحق البقاء لمواصلة أنشطتها، مع مراعاة التحولات نحو التسوق عبر الإنترنت والرقمنة التي بدأت حتى قبل تفشي الجائحة».

وحتى في ظل مساعدات الحكومية، «هل يمكن التأكد من أن هذا القطاع أو الشركة ستظل موجودة في غضون نصف عام؟» حسبما تساءل الباحث في مركز بروجيل للأبحاث في بروكسل.

وبينما تسعى الحكومات إلى تجنب عمليات إغلاق جديدة تصيب بلادها بالشلل، قالت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، إن الإجراءات الصحية المستهدفة الحالية لها أيضا تأثير سلبي.

وقالت في تصريحات لصحيفة «لوموند» الفرنسية يوم الإثنين الماضي: «الموجة الثانية من الوباء في أوروبا، وفرنسا بشكل خاص، والقيود الجديدة الناتجة عنها تزيد من حالة الغموض وتؤثر على التعافي».

وأضافت أن الجائحة قد تؤدي إلى فقدان الوظائف على المدى الطويل. متابعة «إن فقدان الوظائف تشكل خطرا على النسيج الاجتماعي ودخل الأسرة والطلب والنمو».

مع ذلك، أعربت «لاجارد» عن استعداد البنك المركزي الأوروبي لتقديم المزيد من الحوافز الاقتصادية ، مضيفة «إذا كان يتعين فعل المزيد ، فسوف نفعل المزيد».

ربما يعجبك أيضا