في يوم استفتاء الدستور.. الجزائريون على موعد مع التاريخ

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

منذ الساعات الأولى لصباح اليوم الأحد، فتحت مراكز الاقتراع في الجزائر أبوابها أمام 24 مليون ناخب، للمشاركة في استفتاء عام على التعديلات الدستورية، المقترحة من جانب الرئيس عبدالمجيد تبون في إطار التعهدات التي أعلنها في برنامجه الرئاسي لإعادة بناء الجزائر الجديدة.

ويتزامن الاستفتاء الدستوري مع الذكرى الـ66 لثورة التحرير، وبهذه المناسبة بعث الرئيس تبون أمس، برسالة إلى الشعب الجزائري من ألمانيا – حيث يجري فحوصات طبية مكثفة بعد اكتشاف إصابات بالفيروس التاجي في محيطه- لحثه على إعادة كتابة التاريخ بالمشاركة في هذا الاستفتاء من أجل غد أفضل.

وقال تبون في رسالته التي ألقاها نيابة عنه عبدالمجيد شيخي المستشار الرئاسي المكلف بالأرشيف الوطني خلال حفل أقيم بالعاصمة: إن الجزائر تخوض اليوم معركة التغيير المنشود الذي سيكون جسرا إلى الجزائر الجديدة، بتكاتف الجزائريات والجزائريين، وبفضل الإرادات الوطنية الخيرة لتحقيق أمل الشهداء وبناء الجزائر القوية، إن الشعب الجزائري بماضيه المجيد وبتضحياته الجسام، وعزيمته الراسخة، سيكون مرة أخرى في موعد مع التاريخ من أجل التغيير الحقيقي يوم الأحد أول نوفمبر، من خلال الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور من أجل التأسيس لعهد جديد يحقق آمال الأمة وتطلعات شعبنا الكريم إلى دولة قوية عصرية وديمقراطية.

تعديلات محورية

الدستور الذي سيصوت عليه الجزائريون اليوم خلال الفترة من الثامنة صباحا وحتى السابعة مساء، لمدة يوم واحد كما ينص قانون الانتخابات، بدأ العمل على تعديله منذ 10 أشهر مع تكليف الرئيس تبون في يناير الماضي للاستاذ الجامعي وعضو لجنة القانون الدولي بالأمم المتحدة أحمد لعرابة برئاسة لجنة اختصاصية لإعداد المقترحات حول التعديل المرتقب للدستور.

وذلك بعد أن حدد تبون الملامح الرئيسية للتعديلات بناء على مشاوراته مع شخصيات وطنية وكوادر سياسية، وجسدت هذه الملامح برنامج تبون الرئاسي، ويمكن تلخيصها في تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية وتكريس الفصل بين السلطات وخلق التوازن بينها وحماية الحريات العامة والحقوق الأساسية، ودعم الشفافية وجهود مكافحة الفساد.

بعد 5 أشهر تقريبا من تشكيل لجنة الخبراء برئاسة لعرابة، وضع مشروع التعديلات بين أيدي العامة واستاذة الجامعات والسياسيين ومؤسسات المجتمع المدني، وخصصت اللجنة وسائل تواصل لاستقبال مقتراحات وآراء الجمهور في التعديلات، لإدراجها ضمن الصيغة النهائية للمشروع.

الشهر الماضي صادق البرلمان الجزائري على مشروع تعديل الدستور بصورته النهائية، وذلك بعد  مشاركة أكثر من 600 شخصية أكاديمية وسياسية وثقافية في تنقيحها، ومن أهم التعديلات التي اشتمل عليها المشروع:

-دسترة الحراك الشعبي ليوم 22 فبراير 2019 في إطار ديباجة الدستور.

– حظر خطاب الكراهية والتمييز.

– إدراج لغة تمازيغت “الأمازيغية” ضمن الأحكام التي لا تخضع للتعديل الدستوري.

– دسترة مشاركة الجزائر في عمليات حفظ السلام تحت رعاية الأمم المتحدة.

-إنشاء محكمة دستورية تراقب قرارات السلطات الثلاث، وذلك عوضا عن المجلس الدستوري.

-دسترة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.

–  دسترة السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، وإدراجها ضمن الهيئات الرقابية.

-تكريس مبدأ عدم ممارسة أكثر من عهدتين رئاسيتين متتاليتين أو منفصلتين.

– تعزيز صلاحيات رئيس الحكومة.

– تحديد العهدة البرلمانية بعهدتين فقط.

– تعزيز مبدأ استقلالية القضاء.

بين فريقي “نعم” و”لا”

خلال الأسابيع الثلاثة الماضية كثف المؤيدون للتعديلات الدستورية حملاتهم لحث الناخبين على التصويت بـ”نعم” في استفتاء اليوم، وكان يتقدمهم بشكل أساسي أحزاب الموالاة مثل “الأفلان” و”الأرندي”، ومسؤولون أبرزهم رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد، الذي أكد قبيل بدء مرحلة “الصمت الانتخابي” – خلال مؤتمر بالعاصمة- أن دستور نوفمبر 2020 جاء ليستكمل مسيرة بناء الدولة الوطنية.

وصباح اليوم قال جراد – عقب الإدلاء بصوته- الاستفتاء هو يوم لمستقبل الجزائر التي يتمناها الجميع، والصوت الآن يبقى للمواطنين والمواطنات، ولكل واحد حرية اختيار الاتجاه الذي يريده.

وفي حين يرى مؤيدو التعديلات أنها تبشر بقطيعة مع حقبة بوتفلقية، وتحقق التوازن المطلوب بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتكرس الحقوق والحريات، ومبدأ التداول السلمي للسلطة، وتعزز دور الجهات الرقابية.

يرى الطرف المعارض أنها لم تختلف كثيرا عن التعديلات الدستورية للعام 2016 وأنها تمثل انقلابا على مطالب الحراك الشعبي الخاصة ببناء نظام جديد لا يشارك فيه رموز النظام السابق، وأبرز المصطفين في هذا الطرف ناشطو حراك فبراير، إذ يرى غالبيتهم أن التعديلات لا ترتقي لمستوى تطلعاتهم، فعلى سبيل المثال ما زال رئيس الجمهورية يهيمن على صلاحية تعيين رجال القضاء ورؤساء الأجهزة الأمنية والعسكرية والهيئات المصرفية.

التيار الإسلامي أيضا يشكل أحد أصوات المعارضة هنا – وإن كانت بعض أحزابه انضمت إلى “فريق نعم” مثل حركة البناء والإصلاح- ويتقدمه أكبر أحزابه في البلاد “حركة مجتمع السلم” والتي دعت صراحة إلى التصويت بـ”لا”، معتبرة أن الدستور الجديد غير توافقي وتم تمريره من قبل نواب الموالاة في البرلمان، كما أن بعض بنوده مثيرة للجدل وتهدد الوحدة الوطنية، في إشارة إلى البند الخاص بدسترة اللغة الأمازيغية.

كما واجهت التعديلات الدستورية معارضة من التيار العلماني في البلاد، إذ يرى أنها لا ترتقي للمطالب الخاصة بتقليص صلاحيات الرئيس، أو بناء مجتمع عصري بعيد عن التمييز، وهنا يرد فريق “نعم” بأن التعديلات أكدت على حرية المعتقد إلى جانب التأكيد على إسلامية الدولة المكرسة منذ أول دستور للبلاد بعد الاستقلال.

استفتاء في ظرف استثنائي

الانقسام حول الاستفتاء – حتى داخل الفريق الواحد- ليس الأمر الوحيد الاستثنائي في المشهد، فالاستفتاء على الدستور التاسع للبلاد منذ الاستقلال يأتي  في ظروف صحية غير مسبوقة، بسبب تفشي وباء كورونا المستجد، وهو ما دفع السلطات إلى تبني بروتوكول صحي خاص يشمل كل مراحل عملية الاستفتاء، بداية من مقر سلطة الانتخابات وفروعها بالولايات، ووصولا إلى مراكز التصويت والمكاتب المتنقلة ومكاتب التصويت على مستوى المقاطعات الدبلوماسية والقنصلية بالخارج.

وفي حين تم توفير أكثر من 17 ألف عنصر أمن لتأمين عملية الاستفتاء، ألزمت اللجنة العلمية لرصد ومكافحة كورونا الناخبين بوضع الكمامات والسلطات بتعقيم مقرات الاقتراع، وبمراعة تدابير التباعد الاجتماعي.

ويفترض أن تعلن هيئة الانتخابات مساء اليوم عن النتائج الأولية للاستفتاء، وفي حال تم رفض التعديلات من قبل غالبية الناخبين فهذا يعني العودة للعمل بدستور 2016، أو إعادة طرح التعديلات للاستفتاء في حال حل البرلمان الحالي.  

ربما يعجبك أيضا