بعد الانتقادات الواسعة.. هل تطيح كارثة إزمير وقناة إسطنبول بأردوغان؟

حسام السبكي

حسام السبكي

تتوالى الانتقادات، التي تأتي كتوابع لزلازل سياسية واقتصادية، تشهدها تركيا مؤخرًا، وهي أيضًا نتاج لممارسات ديكتاتورية، يمارسها حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، بقيادة السلطان أردوغان، وتحديدًا في مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري الفاشل في عام 2016، والذي دفع ثمنه الآلاف من الأتراك، في شتى المواقع الوظيفية، فأصبح الشعب التركي كله، وكأنه في صف المعارضة لطموحات الخليفة، الذي بلغت أحلامه الأسطورية، خارج حدود عاصمة الخلافة العثمانية السابقة.

فناهيك عن الهزات الاقتصادية العنيفة، التي تشهدها البلاد مؤخرًا، فضلًا عن النكبات العسكرية، التي تكبد الأتراك حياة المئات من أبنائهم، في معارك لا ناقة لأنقرة فيها ولا جمل، بالإضافة إلى ضحايا الفيروس التاجي في البلاد، الذي تسبب في إصابة أكثر من 377 ألف شخصٍ، وراح ضحيته ما يزيد عن 10 آلاف مواطن، دفع تركيا إلى المركز الـ24 على صعيد مصابي كورونا عالميًا، فأصبحت آخر الهجمات الغاضبة الموجهة صوب قصر بشتبيه، مركزة حاليًا على الزلزال المؤلم الذي خلف عشرات الضحايا في إزمير، والذي وصف بأنه ناتج عن “فساد سياسي”، قبل أن يكون كارثة طبيعية، وذلك على مستوى المواجهة وما سبق الحادث بالطبع، فضلًا عن نكبة أخرى، تتمثل في “قناة إسطنبول”، ذلك “الوهم” الاقتصادي الذي يتغذى عليه أردوغان وحزبه، والذي يثير حفيظة الداخل والخارج معًا!

نكبة إزمير

زلزال تركيا
زلزال إزمير

أيام بل ساعات، تلت الإعلان عن وقوع كارثة زلزال إزمير، في شرق تركيا، حتى شهدت أعداد الضحايا والمصابين، ارتفاعًا غير مسبوق، بلغ حتى الساعات الأولى من صباح اليوم الإثنين، 76 قتيلا، ونحو 950 مصابا، وفق ما أعلنت إدارة الكوارث والطوارئ التركية “آفاد”.

وفي وقت سابق ، أشارت “آفاد” في بيان إلى استكمال علاج 727 شخصًا في المستشفيات، من أصل 949 أصيبوا جراء الزلزال.

وقالت إدارة الكوارث والطوارئ: هناك 220 شخصًا لا يزالون يخضعون للعلاج في المستشفيات.

وكشفت الإدارة أن المنطقة شهدت 947 هزة ارتدادية، قوة 43 منها فوق 4 درجات، عقب الزلزال الذي وقع الجمعة بلغت شدته 6.6 درجات على مقياس ريختر.

في سياقٍ متصل، كشفت شركة أبحاث «أوراسيا» التركية، عن تراجع نسبة الأصوات الداعمة لنظام الرئيس رجب طيب أردوغان إلى أدنى مستوى منذ وصوله للحكم قبل 18 عامًا، بعد زلزال إزمير العنيف.

وأوضحت نتائج آخر استطلاع رأي أجرته «أوراسيا»، حصول حزب العدالة والتنمية على نسبة 32.6% من إجمالي أصوات المشاركين، فيما حصل حزب الشعب الجمهوري 28.2%، بحسب «تركيا الآن».

ووفقًا لاستطلاع الرأي، فقد بلغ إجمالي أصوات حزب الخير 12.6% وحزب الشعوب الديموقراطي 11.6% وحزب الديموقراطية والتقدم 3.1%، وحصل حزب المستقبل، الذي أسسه أحمد داود أوغلو، المنشق عن حزب العدالة والتنمية، على 1.6% من الأصوات.

مدحت سانجار
مدحت سانجار

من جانبه، اعتبر الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، مدحت سانجار، أن الغش والبناء في مناطق غير مناسبة هما الأسباب الرئيسية لخسائر الأرواح عقب زلزال إزمير.

وأكد سانجار على أهمية اتخاذ الحكومة التدابير اللازمة تحسبًا لأي كارثة، قائلًا: «لأن الزلزال كغيره من الكوارث الطبيعية لا يقتل؛ وإنما ما يقتل هو الإهمال وعدم المراقبة وتدمير الطبيعة واللهاث وراء أرباح وريع البناء وغش المواد المستخدمة في الإنشاءات».

وأوضح أن مدينة إزمير هي واحدة من 20 مدينة تقع على أخطر خط تصدعات وزلازل في العالم، قائلًا: «هناك تحذيرات بشأن اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الزلازل في إزمير منذ سنوات. إلا أن الانتباه كله اتجه نحو إسطنبول؛ بينما تستمر المؤسسات المختصة والغرف ونحن أيضًا في التحذير من خطورة الأمر»، وفقا لـ«24» الإخباري.

قناة الأزمة

قناة إسطنبول
قناة إسطنبول

مشروع طموح، وخطة تنموية مزعومة، تدافع عنها الحكومة التركية باستماتة، وتشيع في مختلف وسائل الإعلام، أنه سيمثل نقلة نوعية شاملة، في حياة الأتراك، الحديث هنا عن ما تسمى “قناة إسطنبول”.

تفاصيل المشروع، ترجع إلى عام 2011، حين أعلن رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي آنذاك، عن مجموعة من “المشروعات العملاقة” التي تهدف إلى زيادة إجمالي الناتج المحلي للبلاد ليصل إلى تريليوني دولار بحلول الذكرى المئة لإعلان الجمهورية، في عام 2023.

كان من بين المشاريع، وأكثرها جدلًا، “قناة إسطنبول”، التي قال الرئيس التركي أردوغان في 12 ديسمبر الماضي إن الحكومة ستبدأ تنفيذها قريبا.

ببساطة، قناة إسطنبول هي مجرى مائي موازي لمضيق البوسفور، على بعد 30 كيلومترا منه في اتجاه الغرب، وتقدر التكلفة المبدئية للمشروع بحوالي 15 مليار دولار.

وتمتد القناة في غرب البلاد لتربط البحر الأسود في الشمال ببحر مرمرة في الجنوب، بطول 45 كيلومترا، وعمق 25 مترا. ويبلغ عرضها حوالي 400 متر، ويصل في إحدى النقاط إلى كيلومترا واحدا.

وأعلن وزير النقل التركي عن عزم بلاده بناء عشرة جسور ضمن مشروع القناة.

أولى نتائج الإعلان فقط عن مشروع “قناة إسطنبول”، أثرت على أسعار الأراضي المحيطة بالقناة، خاصة أن 30 % منها مملوكة لأفراد، حيث ارتفع سعر المتر المربع من الأرض في قرية شاملار من 6.5 إلى 184 دولار، وفي مناطق أخرى وصل سعر المتر المربع إلى 800 دولار، من أصل 25 دولار.

بعيدًا عن طموحات الحكومة التركية، التي تزعم أن مشروع القناة سيدر عليها ثمانية مليارات دولار سنويا، مقابل التعريفات التي تدفعها السفن مقابل المرور عبرها، فإن المعارضة ومراكز الأبحاث، فضلًا عن روسيا كان لهم رأي آخر تمامًا.

بوتين وأردوغان
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره أردوغان

البداية من روسيا، التي تخشى أن تتحول القناة الجديدة، إلى حاضنة للسفن الأمريكية، قد يتحول معها حوض البحر الأسود إلى منطقة عسكرية.

أما المعارضة التركية، فترفض المشروع، وتشير إلى عدد من التغيرات التي تهدد النظام البيئي والمناطق الأثرية حول القناة.

ورغم أن الحكومة التركية تقول إن القناة الجديدة ستخفف من العبء الملاحي عن مضيق البوسفور، وتقلل من الانبعاثات والمخلفات التي قد تضر بالمناطق الأثرية والتراثية المحيطة، إلا أن المعارضة ترى إن القناة ستعزل المنطقة الأثرية في إسطنبول وتحولها إلى جزيرة.

أكرم إمام أوغلو عمدة إسطنبول
أكرم إمام أوغلو عمدة إسطنبول

ويعارض عمدة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، خطط حفر القناة، ووصفها بأنها “مشروع كارثي سيتسبب في مجزرة بيئية”.

ويخشى المعارضون من أن عمليات الحفر ستخل بتماسك التربة على جانبي القناة، ويلحق الضرر بمخزون المياه الجوفية، ما قد يتسبب في انهيارات أرضية واحتمال حدوث زلازل.

وتشير الخطط إلى أن عملية الحفر ستزيل 2.5 مليار متر مكعب من التربة، تنوي الحكومة استخدامها لبناء ثلاث جزر صناعية في بحر مرمرة.

جامعة حجي تبة في تركيا
جامعة حجي تبة في تركيا

كما ذكرت دراسة أُجريت في جامعة حجي تبة التركية أن قطع أشجار الغابات في الشمال عند ساحل البحر الأسود لحفر القناة سيحد من مستويات الأكسجين في المياه ويزيد الملوحة، التي ستصب في النهاية في بحر مرمرة، فتؤثر على توازن الحياة البحرية وتملأ هواء إسطنبول برائحة الماء العفن.

ومن المتوقع أن تتسبب الاستثمارات حول القناة في زيادة تعداد إسطنبول بحوالي 1.2 مليون نسمة، وهو ما يتعارض مع الخطط الحكومية بإبقاء تعداد المدينة المكتظة عند 16 مليون نسمة.

وتخشى المعارضة من أن التكلفة الضخمة للمشروع ستشكل عبئا على اقتصاد البلاد، ويتحملها المواطنون الأتراك، خاصة في ظل غياب خطط واضحة لكيفية تمويل المشروع.

علي باباجان 1
علي باباجان

وفي أحدث ما قيل حول مشروع القناة الجديدة، كشف، الأحد، علي باباجان، زعيم رئيس حزب الديمقراطية والتقدم «ديفا»، أن مشروع قناة إسطنبول «المالية»، «استغل كل الأماكن المحيطة بقناة إسطنبول».

وأضاف «نسمع منذ سنوات عن قناة إسطنبول، ولا زالت غير مكتملة، تنفقون الأموال الطائلة على مشروع يساهم في تعطيش الأناضول، نحن بحاجه للمياه ولقنوات الري». سبق أن كشفت قناة «كي آر تي» أن المشروع يدمر 39 مليون متر مربع من الأراضي الزراعية، لتشييد الفنادق السياحية ومركز تكنولوجي ولوجستي.

ربما يعجبك أيضا