اليمين المتطرف في ألمانيا.. يتغلغل في مؤسسات الأمن والدفاع

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد 

ما زالت ألمانيا تعيش تحديا كبيرا، ألا وهو مواجهة مخاطر اليمين المتطرف، بالتوازي مع الجماعات الإسلاموية المتطرفة، وهذا ما كشفت عنه أجهزة الاستخبارات الألمانية، ووصفته، بأنه الأخطر. تأتي هذه التحذيرات في أعقاب تسرب وتغلغل عناصر يمينية داخل مؤسسات الأمن والدفاع، فما بالك في بقية المؤسسات الألمانية، بعض التحليلات تتوقع صعود عناصر يمينية متطرفة إلى مناصب حكومية متقدمة في الانتخابات القادمة، وهذا  ما يمثل تهديدا مباشرا للنظام الديمقراطي في ألمانيا.

أعلنت السلطات الألمانية يوم 18 سبتمبر 2020  الكشف عن مجموعة من رجال الشرطة في ولاية شمال الراين-ويستفاليا مشتبه في اشتراكهم في خمس مجموعات دردشة يمينية متطرفة على الأقل. وقال وزير الداخلية المحلي، هيربرت رويل: إن هناك 29 شرطية وشرطياً مشتركون في هذه المجموعات، مشيراً إلى أنه تم إيقافهم جميعاً عن العمل ، بالإضافة إلى بدء إجراءات تأديبية ضد 15 منهم، فضلاً عن تسريح 14 شرطياً من الخدمة. وذكر رويل أنه تم تداول 126  صورة عبر مجموعات الدردشة الخمسة، من بينها صور لأدولف هتلر، إلى جانب صورة تخيلية للاجئ داخل غرفة غاز. ويرجح الوزير أن هذه المجموعات تم تأسيسها منذ عام 2013 حتى مايو 2015 على أقصى تقدير.

وفي أعقاب ذلك، اتخذت وزارة الداخلية بولاية هيسن قرارا بفصل  خمسة رجال شرطة على خلفية اتهامات بالتورط في جرائم ذات دوافع يمينية متطرفة، وفقا لمتحدثة باسم الادعاء العام الألماني يوم 27 سبتمبر 2020 . وأشار الوزير إلى أن أغلب التحقيقات تدور حول محادثات، دردشة، عبر  وسائل التواصل الاجتماعي كانت تتضمن محتوى ورموز يمينية متطرفة. 

استقالة قائد شرطة ولاية “هيسن”

وفي تطورات سريعة، قدم قائد شرطة ولاية “هيسن” الألمانية، أودو مونش يوم 14 يوليو 2020 استقالته، في أعقاب وجود عناصر يمينة متطرفة داخل مكتبه. فيما يتعرض وزير الداخلية، بيتر بيوث، لضغوط كبيرة بسبب هذه الفضيحة. وفي مؤتمر صحافي دعا بيوث لإجراء تحقيق خاص، وأكد أن “تغلغل اليمين المتطرف في صفوف الشرطة أمرا ممكنا(..)أتوقع أن تبذل شرطة هيسن كل ما في وسعها لدحض هذا الشك”. هذه القضية أثارت جدلاً واسعاً في ألمانيا وطرحت تساؤلات من قبيل: هل هناك عنصرية كامنة أوهيكلية في جهاز الشرطة؟ وهل تغلغلت شبكات يمينية متطرفة إلى مؤسسات الدولة؟

وتأتي استقالة مونش بعدما تبين أن أجهزة الكمبيوتر التابعة للشرطة المحلية استخدمت في عمليات بحث غير مصرح بها للحصول على تفاصيل شخصيات بارزة، إحداها رئيسة كتلة حزب اليسار في برلمان الولاية، جانين فيسلر، التي تلقت تهديدات عبر خطابات ورسائل تهديد عبر البريد الإلكتروني تم توقيعها بأحرف “NSU 2.0“، في إشارة إلى الخلية النازية الجديدة التي ارتكبت سلسلة من جرائم قتل عنصرية ضد ذوي أصول مهاجرة في بداية الألفية. 

وما يعقد الأمر هو عدم وجود بيانات موثوقة عن مدى وجود عنصرية داخل أجهزة الشرطة الألمانية.  وما يثير الشكوك حول الأرقام المعلنة حول تغلغل اليمين المتطرف داخل أجهزة الأمن التابعة لوزارة الداخلية ، هو رفض وزير الداخلية هورست زيهوفر السماح بإجراء دراسة من هذا النوع، رغم توصية المفوضية الأوروبية.

مناهج دراسية مناهضة للعنصرية في التدريب الأساسي لعناصر الأمن

تخضع الشرطة الألمانية لمزيد من التدقيق والتمحيص بعد الكشف عن تورط عدد من عناصر الشرطة والاستخبارات بارتباطات يمينية متطرفة. وتقوم برلين ومدن أخرى بتضمين مناهج دراسية مناهضة للعنصرية في التدريب الأساسي لعناصر الأمن، لكنها لم توحد في عموم ألمانيا حتى الآن.  تقول بورمان-كوتسال، وهي ألمانية من أصول تركية، تدرّس في هولندا وبلجيكا وكانت ذات يوم متخصصة في تدريب الشباب على التنوع الثقافي: “إنها تُظهر مدى سهولة المشاركة فيها حتى دون أن تلاحظ”.

وتمتد ورشة العمل التي تديرها كوتسال مع طلاب الشرطة في ولاية شليزفيغ-هولشتاين لمدة أسبوع كامل وتستغرق 8 ساعات يوميا. وهي تغطي الكثير من الخلفيات، وتناقش كل شيء بدءا من الهدف الفعلي لوجود التنميط العرقي بين الشرطة والاستخبارات، ووصولا إلى كيفية التعامل مع الضباط الآخرين الذين يطلقون تعليقات عنصرية. يذكر بأن هناك سبعة عشر وحدة شرطة منفصلة بألمانيا، واحدة لكل ولاية من الولايات الـ16 والوحدة الفيدرالية، والتدريب على التعدد الثقافي .

إعادة هيكلة القوات الخاصة في الجيش الألماني

صنّفت الاستخبارات العسكرية في ألمانيا 14 جنديا وموظفا بالجيش كأشخاص متطرفين خلال العام الماضي 2019، وحملات أمنية تطال الأوساط اليمينية المتطرفة في عدد من الولايات الألمانية، في أعقاب تقديم الاستخبارات العسكرية الألمانية تقريرها السنوي الأول للبرلمان الألماني “بوندستاغ”، يوم الثالث من مارس 2020. 

أعلنت وزيرة الدفاع أنغريت  كرامب-كارنباور يوم 24 سبتمبر 2020  الاستغناء عن رئيس الاستخبارات العسكرية  كريستوف غرام، وفق اتفاق معه، ويأتي هذا التغيير في سياق الجهود لمواجهة التطرف اليميني داخل الأجهزة العسكرية. وكلفت بإجراء “تحليل هيكلي” للقوات الخاصة وتقديم استنتاجات عن كيفية مكافحة الاتجاهات اليمينية المتطرفة بصورة أفضل ضمن صفوف هذه القوات حسب وكالة الأنباء الألمانية (د..ب.أ) يوم 27 مايو 2020. وشاركت في هذه المهمة أيضاً المفوضة الألمانية الجديدة لشؤون الجيش، إيفا هوغل  ومن المقرر أن تُرفع النتائج إلى البرلمان.

وذكر كرايتماير في الرسالة التي بعثها في وقت سابق  قائلا: “في وسط مجتمعنا كان ولا يزال هناك أفراد يمكن حسابهم بوضوح على ما يسمى بالطيف اليميني… سواء بسبب افتقارهم للولاء الدستوري أو قربهم من حركة مواطني الرايخ أو فكرهم اليميني المتطرف ودعمهم للأيديولوجيات اليمينية المتطرفة، فإنهم جميعاً ألحقوا ضرراً بالغاً بسمعة القوات الخاصة والجيش الألماني ككل”. 

أعلنت وزيرة الدفاع  أنغريت كرامب – كارينباور 30 يونيو 2020 سعيها إلى إعادة هيكلة القوات الخاصة في الجيش الألماني وحل بعض الأقسام فيها، على خلفية حوادث يمينية متطرفة في صفوف هذه القوات. 

وأكدت الوزيرة -في تصريحات لصحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية- على ضرورة إصلاح القوات الخاصة بشكل جذري، وأضافت أن هذه القوات “استقلت بنفسها جزئياً، وبسبب وجود ثقافة قيادة سامة، فإن هذا يعني أن القوات الخاصة لا يمكن أن تبقى بشكلها الحالي”. وكشفت كرامب-كارينباور للصحيفة أسباب حل الفوج الثاني من القوات الخاصة، والذي يُعتبر –بحسب الصحيفة- نقطة انطلاق أنشطة اليمين المتطرف في تلك القوات، وبذلك أصبحت القوات الخاصة في الجيش الألماني مكونة من ثلاثة أفواج.

وفي خطوات احترازية سابقة اتخذتها الدفاع الألمانية، في 30.06.2020 هو حل الفوج الثاني من القوات الخاصة، والذي يُعتبر نقطة انطلاق أنشطة اليمين المتطرف في تلك القوات، وبذلك ستصبح القوات الخاصة في الجيش الألماني مكونة من ثلاثة أفواج. واتخذت وزيرة الدفاع الألمانية يوم 27 مايو 2020 قرارا بإجراء “تحليل هيكلي” للقوات الخاصة وتقديم استنتاجات عن كيفية مكافحة الاتجاهات اليمينية المتطرفة بصورة أفضل ضمن صفوف هذه القوات. وشاركت في هذه المهمة أيضاً المفوضة الألمانية الجديدة لشؤون الجيش، إيفا هوغل  من أجل رفع النتائج للبرلمان. 

وتكشف إحدى الرسائل ارسلها ضابط في الجيش الألماني إلى وزيرة الدفاع خلال شهر يونيو 2020 بان هناك نوعا من التسامح مع التوجهات اليمينية المتطرفة داخل القوات الخاصة بالجيش الألماني. 

أكدت وزيرة الدفاع الألمانية في تصريحات لصحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية على ضرورة إصلاح القوات الخاصة بشكل جذري، وأضافت أن هذه القوات “استقلت بنفسها جزئياً، وبسبب وجود ثقافة قيادة سامة، فإن هذا يعني أن القوات الخاصة لا يمكن أن تبقى بشكلها الحالي”. 

تزايد عدد المتطرفين في الجيش الألماني

كشف التقرير السنوي للاستخبارات العسكرية الألمانية الصادر في 05.05.2020  عن تزايد عدد المتطرفين في الجيش الألماني عام 2019  ليرتفع اكثر من اربعة عشر حالة. وحذر من التهديدات المتزايدة ضد القيم الأساسية للمجتمع الألماني. اكتشف جهاز الاستخبارات العسكرية الألماني (MAD)خلال عام 2019  عن وجود اربعة عشر متطرفا في الجيش الألماني، بينهم اثنان من حركة “مواطنو الرايخ” وأربعة إسلامويين، بالإضافة إلى ثمانية متطرفين يمينيين.

نفذت قوات الشرطة الالمانية  في ولايتي بادن فورتمبيرغ وبافاريا جنوبي ألمانيا يوم 16 أكتوبر 2020 إجراءات أمنية ضد مجموعة تردد أنها قامت بمحاكاة عمليات عسكرية وهي ترتدي زي الجيش، وباستخدام أسلحة محظورة. وأعلنت الشرطة ومكتب الادعاء العام في الولايتين أن حوالي 400 شرطي، بينهم أفراد قوات خاصة، قاموا بتفتيش 17 مسكنا وجزءا من غابة قريبة بحثا عن أدلة. وقالت الجهتان إن التحقيق يجري بحق 19 شخصا على خلفية الاشتباه في انتهاكهم قانون حظر اقتناء أسلحة الحرب. 

النتائج

إن الحديث عن اليمين المتطرف أو عن النازية والتيارات الشعبوية، في ألمانيا، ربما يكون مختلفا، بسبب تأريخ ألمانيا السياسي التي عاشت عقود طويلة تحت  حكم “النازية”. فالأمر لا يتعلق بالسياسات بقدر ما يتعلق في ثقافة هذه الجماعات، التيارات الشعبوية، التي تعيش ضمن محميات –  مجتمعات  منغلقة على نفسها.

وما يثير القلق أكثر، أن هناك جماعات يمينية متطرفة، نازية، لم تعترف لحد الآن بالحكومة الألمانية ولا بالجيش الألماني الحالي، وما زالت تعترف بــ”الرايخ الثالث”، جماعات أخرى تقوم على أساس رفض الأنظمة السياسية الحالية، وتعتقد، أن الحكومات الأوروبية الحالية ومنها الألمانية، جاءت نتيجة مؤامرة، بل تتآمر على شعوبها من وجهة نظرهم، وهذا ما يصعد أنشطة اليمين المتطرف اكثر في ألمانيا.

ما تدعو له هذه الجماعات اليمينية المتطرفة، هو العودة إلى “الدولة القومية” وغلق الحدود ورفض الهجرة، وكثيرا ما تروج هذه الجماعات للأخبار الكاذبة عبر الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي، وتستغل حوادث يتورط فيها أجانب ولاجئين، من أجل تحشيد التظاهرات ورفع شعارات معادية للأجانب.

إن مخاطر اليمين المتطرف والنازية ، لم تعد تهدد الأجانب بقدر ما تهدد النظام الديمقراطي في ألمانيا، وتهدد الطبقة السياسية أيضا، وهذا ما كشفته سلسلة التحقيقات التي قامت بها الاستخبارات الألمانية والدفاع.

ويظهر خطر التيارات اليمينية في ألمانيا، اكثر بوجود حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي يمكن وصفه قريب من التيارات اليمينية المتطرفة، خاصة “كتلة الجناح” التي تم حظرها قبل بضعة أشهر لتورطها بأعمال يمينية متطرفة. وعلى غرار “الذئاب المنفردة” تنفذ التيارات اليمينية، هجمات انتحارية ضد الأجانب، بالتوازي مع عمل سري ممنهج لتنفيذ اغتيالات، على ايدي محترفين، حصلوا على التدريب، ربما داخل مؤسسات الأمن والدفاع.

بدون شك، الحكومة الألمانية والبرلمان أيضا كلاهما يتحملان المسؤولية بسبب السياسة المرنة التي كانت تتبعها الحكومة الألمانية ضد اليمين، لكن خلال السنتين الأخيرتين، صعدت الاستخبارات الألمانية من إجراءاتها ضد التيارات اليمينية المتطرفة، وبدأت تكشف كثيرا عن أعداد اليمين المتطرف داخل مؤسسات الأمن والدفاع.

لقد أدركت الحكومة الألمانية وأجهزة الاستخبارات خطورة اليمين المتطرف وتغلغله داخل المؤسسات الحكومية خاصة الأمن والدفاع، وبالفعل أطلقت العديد من التحذيرات و وصفتها بان هذه التيارات الشعبوية هي اخطر من التيارات الإسلاموية المتطرفة.

تبذل الحكومة الألمانية الكثير من الجهود، للحد من مخاطر اليمين المتطرف، لكن التقديرات تقول: إن حجم المخاطر اليمينية المتطرفة، هي أكثر من إمكانيات وقدرات الاستخبارات الألمانية.

بات مرجحا، أن يستمر اليمين المتطرف بتصعيد عملياته الإرهابية، ضد الأجانب و ضد ساسة ألمان إلى جانب تنفيذ عمليات إرهابية ضد السامية، وربما يستمر ذلك  لبضعة سنوات لتتمكن الاستخبارات الألمانية من تعزيز قدراتها.

التوصيات تقول أيضا، بضرورة إخضاع حزب البديل من أجل ألمانيا، إلى جانب عدد كبير من العناصر والجماعات المتطرفة، إلى الرصد والمراقبة، وبما لا يتعارض مع الدستور الألماني.

ما تحتاجه الاستخبارات الألمانية في الوقت الحاضر، هو  تعزيز المصادر المالية والبشرية، بالتوازي مع التعاون والتنسيق مع مؤسسات اجتماعية ومنظمات المجتمع المدني، بتنفيذ برامج تثقيفية عبر وسائل الإعلام ومن داخل مؤسسات الأمن والدفاع وربما من داخل المدارس والجامعات، من اجل محاربة التطرف.

ربما يعجبك أيضا